سيناريو فرنسي لتقسيم الأراضي السورية عبر خطة "الممرات الإنسانية"
الجمل: تداولت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها التصريحات الفرنسية الرسمية التي تحدثت عن رغبة فرنسا لجهة المطالبة بإقامة ما أطلقوا عليه تسمية الممرات الإنسانية داخل سوريا، فما هي حقيقة التصريحات الفرنسية الجديدة، وما هي طبيعة الممرات الإنسانية المشار إليها، وهل ستقتصر على البعد الإنساني، أم أنها سوف تكون بمثابة بوابة الاتحاد الأوروبي لتدويل ملف الاحتجاجات السياسية السورية؟
* النوايا الأوروبية الغربية الجديدة إزاء الملف السوري: توصيف المعلومات الجارية
تحدثت العديد من الأطراف الأوروبية الغربية الرفيعة المستوى نهار الأمس طارحة نوايا جديدة إزاء التعامل الأوروبي المحتمل إزاء أزمة ملف الاحتجاجات السياسية السورية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: تحدث قائلاً بأن فرنسا سوف تسعى لجهة النظر في إمكانية أن يسعى الاتحاد الأوروبي من أجل إقامة ممر إنساني لحماية المدنيين السوريين.
• وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبييه: تحدث واصفاً المجلس الوطني السوري المعارض، بأنه يمثل الشريك الشرعي الذي ترغب فرنسا في التعامل معه.
• مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون: تحدثت قائلة بأن الاتحاد الأوروبي مستعد للتعامل مع المجلس الوطني السوري المعارض، والجماعات السورية المعارضة الأخرى، وشددت لجهة مطالبة هذه الأطراف المعارضة بضرورة الالتزام بمبدأ اللاعنف واللاطائفية.
هذا، وأشارت التقارير والمعلومات إلى التفاصيل التي تحدث عنها وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبييه في مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد لقائه مع رئيس المجلس الوطني السوري المعارض، ويمكن الإشارة إلى تفاصيل حديث الوزير آلان جوبييه على النحو الآتي:
• إذا تم التأكيد على خيار الممر الإنساني، فإن التدخل العسكري يصبح مستبعداً.
• إقامة "المنطقة العازلة" سوف تكون أكثر جدوى، إذا أخذت شكل "المنطقة الآمنة" التي تتضمن الجمع بين "حماية المدنيين" وحماية "قوافل المساعدات الإنسانية".
• الجمع بين مفهوم "المنطقة العازلة" و"المنطقة الآمنة" يتطلب البحث والدراسة المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
أشارت التقارير إلى أن تفاصيل المشروع الفرنسي المقترح ما تزال حتى الآن غير متوافرة، وإضافة إلى ذلك تحدثت التقارير عن قيام الدول الأوروبية الغربية بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد سوريا، وبرغم ذلك، فإن هذه الدول ما تزال أقل رغبة لجهة التصعيد باتجاه التدخل المباشر في سوريا، والتي يدرك الأوروبيون جيداً أن بيئتها الاجتماعية تنطوي على المزيد من خطوط الصراعات الإثنية والطائفية الشرق أوسطية.
* خارطة الطريق الأوروبية الغربية الجديدة إزاء الملف السوري: ماذا تحمل؟
سعت الأطراف الأوروبية الغربية والأمريكية والمنظمات الدولية إلى إثارة المزيد من المناقشات حول إشكالية حماية المدنيين، وهل الأفضل ترك أعباء الحماية تقع على عاتق الحكومات أم على عاتق المجتمع الدولي، وفي هذا الخصوص برزت اتجاهات متعددة، أبرزها:
• اتجاه يرى بضرورة احترام الحقوق السيادية للدولة، وبالتالي فإن المسؤولية عن حماية المدنيين تقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومات الوطنية.
• اتجاه يرى بضرورة إعطاء المجتمع الدولي الحق المطلق في القيام بمسؤولية حماية السكان المدنيين، وبالتالي غض النظر عن موضوع احترام السيادة الوطنية.
• اتجاه يرى بضرورة الجمع بين جهود المجتمع الدولي وجهود الحكومات الوطنية، لجهة التعاون بين الطرفين، وذلك لأن الحكومة الوطنية إن لم تكن راضية، فإن التدخل يمكن أن يؤدي إلى خلق المزيد من المشاكل الإضافية.
وتأسيساً على ذلك، وعلى خلفية تداعيات أزمة الصراعات اليوغسلافية والبلقانية، فقد جاءت ردود أفعال المجتمع الدولي والخبراء الدوليين أكثر ميلاً لجهة إعطاء المجتمع الدولي الحق المطلق في إنفاذ عمليات التدخل الدولي من أجل حماية السكان المدنيين، مع التشديد على ضرورة أن تتم عملية التدخل وفقاً لقواعد الشفافية والمصداقية، ووفقاً لمواثيق الأمم المتحدة وبالذات تلك المتعلقة بحماية الأمن والسلام العالمي، والمنصوص عليها في الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة.
سعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين الغربيين، وبالذات فرنسا وبريطانيا لجهة استغلال وتوظيف مبدأ التدخل الإنساني الدولي في استهداف خصوم أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• أدى التدخل الإنساني الدولي في منطقة البلقان إلى تقسيم يوغوسلافيا، ولاحقاً إلى تقسيم صربيا عندما أعلن إقليم كوسوفو الانفصال عن صربيا دون وجود أي اتفاقية دولية أو إقليمية أو داخلية تتيح له ذلك. وتم الانفصال تحت سمع وبصر القوات الدولية، والتي سعت إلى منع صربيا من استعادة الإقليم.
• أدى التدخل الإنساني الدولي في جورجيا إلى قيام أقاليم أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، وأداجيا بإعلان الاستقلال عن جورجيا، دون وجود أي اتفاقية تدعم ذلك.
• دعمت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن قرار مجلس الأمن بخصوص التدخل الإنساني والدولي في إقليم دارفور السوداني، ولكن القرار لم يتم تنفيذه بسبب قيام الاتحاد الأفريقي بإرسال قوة حفظ سلام وصلت إلى الإقليم قبل وصول القوات الدولية، الأمر الذي أبطل تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي.
تحدثت التقارير عن الاقتراحات الفرنسية، على أساس أنها تسعى لإقامة منطقة عازلة لحماية المدنيين السوريين وتقديم المساعدات لهم، ولكن، ما هو غير واضح الآن يتمثل في البعد الأمني الذي تحدث عنه وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبييه بشيء من الغموض، وفي هذا الخصوص تبرز التساؤلات الآتية:
• ما هي المناطق التي سوف تشهد قيام هذه المناطق العازلة ـ الأمنية الأوروبية الغربية داخل سوريا. هل هي نفس المناطق التي تم الحديث عنها سابقاً باعتبارها المرشحة كمناطق لحظر الطيران؟
• ما هو موقف دول الجوار السوري إزاء قيام هذه المناطق، وإذا وافقت تركيا فهل يا ترى سوف يوافق الأردن والعراق ولبنان؟
• من الذي سوف يقوم بالإشراف على حماية هذه المناطق. هل هو قوات عربية يتم جلبها بالتنسيق مع الجامعة العربية، أم أن الجامعة العربية سوف تسعى إلى مطالبة الأوروبيين بإرسال قواتهم بحيث يبدو الأمر كما لو أنه جاء بناء على طلب عربي؟
• من الذي سوف يقوم بإصدار قرار إقامة المناطق العازلة في سوريا، فالاتحاد الأوروبي هو تكتل إقليمي خاص بالقارة الأوروبية، ومجلس الأمن الدولي أصبح غير محايد لجهة تمرير القرارات الدولية المعادية لسوريا.
• هل سيكون قرار إقامة المناطق العازلة قرار عربي تقوم بإصداره الجامعة العربية، ثم تقوم بعد ذلك بمناشدة الأطراف الدولية والإقليمية لتقديم المساعدة؟
على الأغلب أن يكون القرار عربيا، والإعداد أوروبيا، أما التخطيط فعلى الأغلب أن تقوم به "الأيادي الخفية"، والتي تسعى حالياً لتوظيف ملف الاحتجاجات السياسية السورية، وإضافة لذلك من المتوقع أن يتم تحديد هذه المناطق العازلة ـ الأمنية بحيث تغطي كل واحدة منها منطقة طائفية سورية بعينها، بحيث تتم لاحقاً عملية الإدارة الدولية لهذه المناطق على نحو يمكن أن يستمر لبضعة سنوات، تماماً على غرار نموذج الإدارة الدولية لإقليم آتشيه الإندونيسي. الذي أدى في النهاية إلى فصل الإقليم عن الوطن الأم أندونيسيا: وبعيداً عن التحيز لأي طرف من أطراف الصراع السوري، نقولها بصريح العبارة: اتركوا سوريا للسوريين فهم الأكثر دراية بشأن بلادهم!!
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد