أغلفة الكتب ترف لا يحتاجه الناشرون

11-10-2006

أغلفة الكتب ترف لا يحتاجه الناشرون

صناعة الكتاب العربي إحدى أعقد مشكلاته, ولا تختلف من حيث الأهمية عن توزيعه وسهولة تبادله, والمشاكل الأخرى التي لا تزال معلقة بدون حلول.

يعمل الناشر على صناعة الكتاب بأقل التكاليف الممكنة, دونما اعتناء بالشكل الذي سيكون عليه, فالأهمية الكبرى -برأيه- تكمن في المضمون, وإذا ما أخذنا هذا على أنه طيب نيّة, فسوف نكتفي بقولنا إنه يخسر بهذا التوجه الجانب الفني كعنصر جذب حساس. لكننا إذا ما استعنا بالمكر, فلن نرى الى ذلك إلا بخلاً, وأعني بخل التاجر. هو يعمل على تقليل المصاريف ما أمكنه, وبنفس الوقت, يرغب بجلب أكبر قدر من الأرباح, في ثنائية متناقضة لا نراها منسجمة إلا على جسد هذا الكائن المستباح, وإن كنا نعرف أن البضاعة الجيدة هي تلك التي يبذل عليها ثمن كبير. ولعل هذا هو السبب الرئيسي وراء عدم وجود فن كتب, بالمعنى الحقيقي للكلمة, على الرغم من أن دوراً عربية كثيرة حققت ذلك, لكن تجاربها لم تصر مسطرة أو منهجاً الى الآن, لغياب رؤوس المال المستثمرة في هذا الحقل, فيما الموجود على الأرض ليس أكثر من ناشرين (على قدّ الحال) كما يقول المثل. وبهذا الصدد يقول تمام عزام (تشكيلي ومصمم غرافيكي): (مفاهيم دور النشر لا تزال متخلفة بخصوص الغلاف, فهو مجرد جلدة, لا أكثر, لهذا فهم يسترخصون ويستسهلون). المقصود بالاسترخاص أن الناشر لا يكلف فناناً لتصميم الغلاف, بل ربما أوكل المهمة الى خبير فوتوشوب, يعطيه فكرة فينفذها. أو أن يقوم هو ذاته (الناشر) بالعمل, من خلال لصق لوحة, ووضع العنوان والاسم عليها, ويكتب داخل الكتاب التصميم (القسم الفني في الدار), وهذا القسم الفني ليس إلا هو شخصياً.‏

بالنسبة لاستخدام اللوحات على الأغلفة, ثمة ما يدعو فاضل الفاضل (دار أطلس) الى الاستنكار لا يجوز السطو على اللوحات بالمعنى القانوني ولكن ما الذي نفعله إذا كانت الحياة ذاتها معرضة للقرصنة?).‏

ترى هل هناك علاقة ما, رابط جمالي معين ومقصود, بين اللوحات والكتب? هذا السؤال يطرحه عمران يونس (تشكيلي) ويرى الأمر (يجب أن يكون غلاف الكتاب مثل ديكور المسرحية, بمعنى أن يتجاوز حالة التزيين الفارغة الى إيجاد علاقة عضوية بالنص).‏

وهو يدعو الى أن يكون العمل الفني اشتغل أساساً للكتاب, ويضرب مثالاً هوالتالي (ثمة أكثر من كتاب صدر عن دارالمدى وعلى الأغلفة لوحات لجبر علوان. الكتّاب مختلفون والمواضيع مختلفة, وجبر علوان واحد..).‏

يستغرب محمد عمران (تشكيلي) من تغير أغلفة الكتب المترجمة التي تكون في قمة جمالها, وفي الطبعة العربية تجد أن الكتاب في مكان, وغلافه في مكان آخر. يقول عمران (أميل الى الغلاف المتقشف) وبذلك يلامس نقطة هامة, إذ قلما نجد غلافاً على قدر من التواضع, فالادعاء حاضر دوماً.‏

ولعل قضية التقشف تقودنا الى اقتراحات قدمتها دور معروفة, عملت على توحيد الأغلفة, باختلافات لا تتجاوز عنوان الكتاب, واسم المؤلف مثل (دار ورد, دار الفارابي, دار الجديد..)..‏

ولكن هل يعطي التوحيد البراني هوية للكتاب? سامي أحمد (ناشر): (لا أؤمن بتوحيد الأغلفة على الاطلاق لأنها ستصبح مثل السرافيس). ومحمد عمران يراها (عملية تشبه الى حد كبير عملية التجليد القديمة, حين كانت المكتبة كلها سوداء, بدون أي خصوصية).‏

لا علاقة لتوحيد الأغلفة بالهوية الفنية, فالتجربة بالأساس ليست أكثر من استنساخ لتجربة سابقة, فقدت رونقها في المنشأ. أما الهوية الفنية الحقيقية, فهي ما يقترحه تمام عزام: (هي الموقف من كل ما هو إعلاني, بتقديم كتلة بصرية موزونة, تحمل قيمة جمالية, فيها شيء من المفاجأة, وتقوم على احترام كامل للمتلقي).‏

تصميم الغلاف مشروع فني بحاله, يوازي بالأهمية الكتاب نفسه, بل يساهم في نجاحه وشد الاهتمام إليه, لكن هذا كله لن يتحقق ما دام الكتاب أسير الأزمات التي هو فيها, وما دامت عملية النشر (تمشاية حال).‏

رائد وحش

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...