الخطوط الحمر في الدراما السورية

12-10-2006

الخطوط الحمر في الدراما السورية

في كل رمضان تنتظر الشاشات العربية ما ستقدمه الدراما السورية من جديد، ومن عدم الإنصاف الادعاء عكس ذلك. لكن الحديث عن ان الدراما السورية «تتجاوز المحظورات»، وتساهم في اقتراحات لتغيير الواقع، أمر قابل للجدل لأنه قد ينطوي على ادعاء ما ليس موجوداً.

ولعل المتابع للمواسم الرمضانية السنوية سيلاحظ، ولا شك، أن الكاميرا صارت تدخل في تفاصيل الواقع المزري للمجتمع، بجرأة غير معهودة. وسيتذكر الضجة التي أثيرت حول تجاوز الخطوط الحمر في بعض حلقات السلسلة الدرامية «بقعة ضوء»، قبل بضع سنوات، من خلال تطرق هذا المسلسل الى فساد بعض ضباط الأمن. لكن المتتبع للأوضاع العامة سيتذكر أيضاً أنه، في الفترة الزمنية ذاتها، شهد البلد تغييرات في مناصب حكومية وأمنية أساسية، ذهبت بأسماء كبيرة وجاءت بغيرها، ومن هنا يبدو انه كان مطلوباً في ذلك الحين تمرير تلميحات عن أخطاء الغير.

في هذا الموسم الرمضاني هناك 45 مسلسلاً درامياً سورياً، يعرض منها على شاشة التلفزيون السوري 25، وفيها من بعض الجرأة والتميز ما يمكن الوقوف عنده، ولكن التشديد مجدداً على الحديث عن هامش الحرية المتاحة رقابياً، حديث مبالغ فيه، لئلا نقول إنه مغلوط. وبغض النظر عن مسلسلات من نمط «مشاريع صغيرة» و «كسر الخواطر» وما يشبهها من الكوميديا السوداء غير الموجهة سياسياً، هناك مسلسلات مثل «المحروس» لنجدة أنزور و «غزلان في غابة الذئاب» لرشا شربتجي، وهما مسلسلان متميزان إخراجاً وتأليفا. ولكنهما، وعلى رغم الطرح المباشر والجريء لقضية الفساد، لا ينطويان على تجاوز لأيّ خطوط حمر، بل يقتفيان أثر «بقعة ضوء» من حيث سقف الجرأة. وإذا كان من اللافت أن يجري تناول موضوعة الفساد مقترنة بشخصية قيادية، على درجة كبيرة من الأهمية في تقرير مصلحة البلد، فإنّ مسلسل «غزلان في غابة الذئاب» يلقي باللوم على أبناء المسؤولين بما يعني أنّ المسؤول ذاته بريء. وهذه مقولة نسمعها منذ عقود، وليست جديدة. الجديد قد يكون الحبكة الدرامية التي أجاد رسمها كاتب النص فؤاد حميرة، والأداء المميز للممثلة أمل عرفة والممثل قصي خولي.

وفي مسلسل «المحروس» تبدو المباشرة صريحة واضحة ضمن القصة الفانتازية، وهو ما لا يخفيه المخرج نجدة أنزور عادة في مسلسلاته التي تناولت مشكلة التطرف الديني. وخير مثال هو مشهد تتحدث فيه بنات المحروس عن «الضغوط الخارجية وكيفية التعامل معها»، وعن مسألة «السماح للآخرين بالتدخل في شؤوننا الداخلية». ولا يتوقف الأمر عند هذا الخطاب بل يتعداه في «مرايا» ياسر العظمة، الذي يخرجه لهذه السنة هشام شربتجي، ليتناول موضوعة الاغتيالات و «الشقاق بين الأخوة في سورية ولبنان»، شقاق يتسبب به الشيطان ذو العينين الزرقاوين والمعطف الجلدي الأسود في دلالة مباشرة إلى الغرب.

لا شك أنّ في صلب مهمة الفن أن يوجّه رسالة إنسانية او اخلاقية أو فكرية أو سياسية او جمالية، ولكن شرط ألا تتحول هذه إلى أداة توجيه سياسي في يد أصحاب القرار. والأهم من ذلك عدم ادعاء، ما ليس في العمل، من جرأة وتجاوز للخطوط الحمر. أن نقول إن هناك تطوراً في إنتاج الدراما السورية وانتشارها أمر مشروع تماماً، ولكن أن ندعي ما ليس فيها، فأمر أخر!

سمر يزبك

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...