زكريا تامر يحاور الشيطان

15-10-2006

زكريا تامر يحاور الشيطان

غضب رئيس تحرير جريدة يومية على محرريه الكسالى المؤمنين بأن الصحافة مهنة البحث عن الراحة, وطلب إليهم بصوت صارم آمر البحث عن المتاعب وإلا اضطروا إلى البحث عما قريب عن عمل جديد, فخشي المحررون تهديده, وسارعوا إلى هجر كراسيهم وطاولاتهم, وهرولوا إلى أدغال الحياة اليومية باحثين عما هو جديد ومبتكر ومشوق محاولين التعبير عن الناس وآلامهم وأحلامهم, وكان أول العائدين إلى الجريدة صحافي شاب نجح في إجراء حوار مع الشيطان, والآتي هو نص الحوار مختصرا:

الصحافي : صرح أحد السياسيين الناطقين بالعربية أنه مستعد للالتقاء بالشيطان من أجل مصلحة بلده, فهل أتحت له الاجتماع بك؟‏‏

الشيطان: من الطبيعي أن نتقابل خاصة وأنه عضو بارز في حزب الشيطان المعادي لحزب الله.‏‏

الصحافي: وماذا جرى بينكما حين التقيتما؟‏‏

الشيطان: لم يحدثني إلا عن مصالحه الشخصية فقط, وعندما ذكرته ببلده رمقني بنظرة من تعوّد اغتيال خصومه.‏‏

الصحافي: من هي أطرف شخصية قابلتها في حياتك المديدة؟‏‏

الشيطان: ثمة رئيس دولة كبرى غريب الأطوار, كثير النسيان, يحرص كل ليلة على التحادث معي واستشارتي وطلب نصحي والانتفاع من خبرتي, ولكنه ما إن تشرق شمس النهار حتى ينساني ويتنكر لي ويعلن للقاصي والداني أنه يتحادث مع الله.‏‏

الصحافي: ما هي مشاريعك الجديدة؟‏‏

الشيطان: أنوي التقاعد بعد أن أنجزت ما علي من واجب, وصار الخير شرا والشر خيرا, وبات القتلة واللصوص والفاسدون شجرة تناطح أغصانها السحب, ولم يبق أمام الأخيار إلا الانتحار أو الموت قهرا وذلا.‏‏

الصحافي: هل هناك ما تود قوله للقراء في ختام هذا اللقاء السريع؟‏‏

الشيطان: أقول لهم باختصار إن الانتساب إلى حزب الشيطان المعادي لحزب الله هو الطريق السريع الموصل إلى جنات الدنيا.‏‏

أما ثاني العائدين من المحررين, فقد قدم بفخر إلى رئيس تحريره مقابلة أجراها مع شجرة ثرثارة, وهذا قليل مما تضمنته تلك المقابلة المثيرة للفضول:‏‏

الصحافي: بلغني أنك قدمت طلبا للهجرة إلى كندا, فهل النبأ صحيح وما هي أسبابه؟‏‏

الشجرة: من الطبيعي أن أهاجر, فليس من المقبول أن يشرب بعض المحظوظين الماء كله تاركين الشجر والناس رمالا عطشى.‏‏

الصحافي: وماذا ستفعلين في كندا؟‏‏

الشجرة: سأنضم إلى جمعية من جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان وأتقاضى راتبا ليس بالقليل, وأصبح مالكة لبيت وسيارة ومناضلة يشار إليها بالبنان.‏‏

الصحافي: وهل في استطاعتك نسيان وطنك الأصلي؟‏‏

الشجرة: الكل ينسى وطنه , ولا يتذكره إلا في يوم النهب, فلماذا تستنكر نسياني ولا تستنكر نسيانهم؟‏‏

الصحافي: من هم هؤلاء الذين تتهمينهم بالنسيان والنهب؟‏‏

الشجرة : لم أسمع سؤالك, ولن أسمعه حتى إذا كررته ألف مرة, فأنا شجرة تخشى الفؤوس.‏‏

أما ثالث محرر, فقد عاد إلى الجريدة مرفوع الرأس, ودخل مكتب رئيس التحرير بخطا جنرال منتصر, وأعطاه صفحة واحدة بحركة مزهوة, وكانت الصفحة تتضمن ما يشبه الآتي:‏‏

ما إن حطت طائرتي الخاصة في مطار لندن العربية حتى هرعت إلى المكان السري المحدد مسبقا للاجتماع بعلي صدر الدين البيانوني, وكان المكان حديقة عامة تغص بنساء بريطانيات يجهلن العربية ويتصفن بازدراء عميق للثياب, وقد صافحت البيانوني بحرارة,‏‏

وتعانقنا عناق قابيل وهابيل, وقبل البيانوني خدي الأيمن عدة مرات بينما امتنع عن تقبيل خدي الأيسر لأسباب غامضة أجهلها.‏‏

سألت البيانوني عن سر تحالفه المستغرب مع عبد الحليم خدام, فابتسم وهو ينظر إلى ما حوله بنظرات بوندية, وأجاب من دون تردد وبصوت خفيض إن القطط الضالة تتآلف وتتلاقى وتتحد حين تكون مشردة بردانة جائعة, وتتفرق وتتنازع حين تعثر على ما يصلح أن يؤكل , فسألته: هل تثق بحليفك الجديد؟‏‏

فأقسم البيانوني بصوت متهدج أنه يثق بحليفه وشريكه ثقة كاملة, ولكن الحذر مطلوب, ولذا فهو كلما صافح حليفه بادر إلى إحصاء عدد أصابع يديه وأصابع قدميه, وقد وجدت نفسي أحملق إلى يدي البيانوني بنظرات متفحصة فضولية, فلاحظت أن ثمة نقصا في عدد أصابع اليدين, ولم تتح لي رؤية أصابع القدمين, ولكني توقعت ما سأرى.‏‏

أما رابع محرر عاد إلى الجريدة , فقد قدم إلى رئيس التحرير حوارا أجراه مع مواطن عادي, وهذا بعض أهم ما ورد فيه:‏‏

الصحافي: ماذا تريد؟‏‏

المواطن: لا أريد شيئا.‏‏

الصحافي: ماذا تتمنى؟‏‏

المواطن: لا أتمنى أي أمنية.‏‏

الصحافي: ما هي أحلامك التي تود أن تتحقق؟‏‏

المواطن: ليس من عادتي أن أحلم. حتى في بطن أمي لم أحلم أي حلم طوال تسعة أشهر.‏‏

الصحافي: ما رأيك في العام الجديد؟‏‏

المواطن: كل الأعوام متشابهة كالخازوق.‏‏

الصحافي: هل لك مطالب محددة ترغب في ذكرها؟‏‏

المواطن: يخيل إلي أن غايتي الوحيدة في الحياة هي أن أصبح مواطنا صالحا, وكل مواطن صالح لا يطالب بأي مطلب من المهد إلى اللحد, ويأكل القمامة راضيا مبتهجا, ويشكر الحكومة بامتنان وحرارة لأنها تؤمن له الطعام مجانا.‏‏

الصحافي: وأين تجد تلك القمامة الصالحة للأكل؟‏‏

المواطن: لكل مواطن سره الذي لايبوح به.‏‏

وما إن اطلع رئيس التحرير على الموضوع الذي قدمه المحرر الرابع حتى رماه باشمئزاز إلى سلة المهملات, وبادر إلى طرد المحرر من الجريدة شر طردة, ونصحه بالعمل بائع بطيخ في الصيف وبائع شوندر مسلوق في الشتاء, فنفذ المحرر النصيحة, ولم يندم أو يأسف.‏‏

زكريا تامر

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...