بين أورهان باموك وأدونيس

16-10-2006

بين أورهان باموك وأدونيس

صبيحة الخميس الفائت، يوم أعلنت جائزة نوبل، فاجأنا الشاعر أدونيس بزيارته مكاتب «الحياة» في بيروت، حاملاً مقالته إلينا. وسرعان ما دار الحديث حول جائزة «نوبل» التي كان أدونيس مرشحاً لها بقوة هذه السنة. كان اسمه رائجاً في وكالات الانباء والصحف العالمية والمواقع الالكترونية. إلا أن أدونيس لم يكن متفائلاً ولا متشائماً، كان بحسب عبارة اميل حبيبي «متشائلاً» أي في منزلة البين – بين. قلنا له: سنحتفل الليلة بفوزك. ضحك وقال: تفاءلوا. ولم تمض بضع ساعات حتى أعلن فوز أورهان باموك، الروائي التركي الكبير. لم يكن فوزه مفاجئاً جداً. إسمه كان مطروحاً بقوّة أيضاً منذ العام الفائت عندما كانت الحكومة التركية تنوي محاكمته بتهمة الاساءة الى الهوية التركية.

غير أن فوز باموك بجائزة نوبل سرعان ما أُسبغ عليه الطابع السياسي. فهو ما برح يحث الدولة التركية على الاعتراف بالمجازر الأرمنية التي حصلت في مطلع القرن العشرين، وبالمجزرة الكردية التي وقعت أخيراً. وهذا أمر يثير الكثير من الجدل في تركيا التي تصرّ على عدم الاعتراف بما حصل. وما زاد من حدّة التبرير السياسي لفوز باموك إقرار القانون الفرنسي الذي يجرّم تجاهل المجزرة الأرمنية في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه الجائزة. إنها مصادفة طبعاً ولكن ليست خلواً من التأويل.

يستحق أورهان باموك جائزة نوبل حتماً على رغم صغر سنه، هو ابن الرابعة والخمسين. وكان يستحقها في ظروف أخرى بعيدة عن أي «صبغة» سياسية. كان يستحقها كروائي طليعي، أصيل وحديث. وكانت تستحقها رواياته البديعة وفي مقدمها «الكتاب الأسود» التي يصعب نسيانها ونسيان بطلها «غالب» الذي يتحوّل من المحاماة الى الصحافة بعدما راح يحقق في اختفاء زوجته «رؤيا» وصديقه «جلال» الصحافي المعروف. وعبر التحقيق يحضر تاريخ اسطنبول، هذه المدينة التي تسكن باموك هاجساً دائماً. على أن رواياته الأخرى لا تقل فرادة وجمالاً وعمقاً عن «الكتاب الأسود». وروايته الأخيرة «ثلج» تشهد على صنيعه الروائي الذي عرف كيف يجمع باموك فيه بين أحدث التقنيات السردية وأساليب «الحكاية الشرقية» المشرعة على الخيال والفانتازيا. يستحق باموك الجائزة لأعماله كلها ولتجربته كروائي أولاً وأخيراً.

كان باموك في نيويورك عندما بلغه خبر فوزه. وفي تصريحات قصيرة للصحافة العالمية أعرب عن فرحه ولكن أيضاً عن ارتباكه وقلقه. وقال: «أسأل نفسي: ماذا سيكون رد الفعل في تركيا؟ هل سيكونون فخورين بي؟» ومثلما انقسمت الأوساط الأدبية والثقافية سابقاً حول أعماله ومواقفه المعترضة، انقسمت أيضاً حول فوزه بالجائزة. وفيما رحبت صحف تركية بالفوز بحسب وكالات الأنباء، معتبرة اياه «مفخرة الأمة» وحدثاً كبيراً يضع الأدب التركي في لائحة الخالدين، حملت صحف أخرى ذات طابع قومي، على الفوز واصفة باموك بالكاتب الممتثل لقواعد العالم الغربي، واعتبرت أنه فاز بالجائزة تبعاً لمواقفه المعادية للهوية التركية والعسكر... أما رد الفعل الرسمي فاختصره وزير الثقافة التركي بتصريح بارد جداً رحب فيه بالفوز «على رغم الجدل الدائر في تركيا الآن». وقال: «إنني سعيد جداً وأهنئ باموك». وعندما سئل عن الصدق في رضا الحكومة على الجائزة قال: «لست معنياً إلا بباموك الروائي، أما أموره الأخرى فلا تعنيني». طبعاً لن تتغاضى الحكومة عن مواقف باموك المعترضة ولا عن تصريحاته المنددة بسياستها ولن تنسى رفضه تسميتها إياه «فنان دولة» عام 1998 وفي ظنها أنها تروضه بمثل هذه «المكافأة» الوطنية.

ولئن كافأت الجائزة باموك وأنصفته ككاتب شبه منشق، فهي أساءت اليه بعض الاساءة بعدما وصمت فوزه بالبعد السياسي. وقد لا تكون الأكاديمية السويدية بريئة من هذا الفعل. ومعروف أن الابعاد السياسية تتحكم في قرارات لجنة جائزة نوبل، وبعض النتائج تشهد على ذلك. فالروائي التركي كان على تنافس مع روائيين كبار أيضاً، في الابداع والسن، ويكفي ذكر بارغاس يوسا وفيليب روث وميلان كونديرا وكارلوس فوينتس وسواهم. ناهيك بشعراء كبار مثل أدونيس وترانسترومر وإيف بونفوا... لكن صغر السنّ الذي توقف عنده بعضهم ليس معياراً للرفض أو القبول. وقد حاز البير كامو هذه الجائزة في الرابعة والاربعين من عمره، لكنه لم يكد يهنأ بها حتى مات بعد نحو ثلاث سنوات في حادث عام 1960.

سيظلم أورهان باموك كثيراً إن ظل الكلام يدور حول الخلفية السياسية لفوزه. وهذا ظلم للأدب التركي الحديث أيضاً. ولعله يشبه ظلم أدونيس الذي يقول الكثيرون إن حرمانه من الجائزة هو سياسي صرف. ويصرّ هؤلاء على أن الاكاديمية لن تكافئ النظام السوري عبر تتويجها شاعر «أغاني مهيار الدمشقي». وهذا ظلم ما بعده ظلم. فالشاعر أدونيس الذي يعيش شبه منفيّ، لا علاقة له بأي نظام سياسي لا هنا ولا هناك، بل هو معارض كبير يكتب بحرية تامة وبجرأة يُحسد عليها.

عبدة وازن

المصدر: الحياة

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...