كتاب رمضان يتحدثون عن «عمايل» الفن

17-10-2006

كتاب رمضان يتحدثون عن «عمايل» الفن

خلال شهر رمضان الحالي, قدمت الدراما السورية مجموعة من الاعمال المعاصرة التي غاصت عميقا في إشكالات الواقع السوري, وربطتها بجرأة, بخلفياتها السياسية والاقتصادية والثقافية, بدءا من مشكلات البطالة لدى الشباب, وصولا إلى معضلات السكن في أحزمة البؤس, ومرورا بالازمات النفسية ومعاناة النساء في ظل قوانين وأعراف لا تحمي الحد الأدنى من حقهن في الحياة, ومن هذه الاعمال «صدى الروح» تأليف حافظ قرقوط واخراج محمد شيخ نجيب, و«في الانتظار» تأليف حسن سامي يوسف ونجيب نصير وإخراج الليث حجو, و«شاء الهوى» تأليف يم مشهدي إخراج زهير قنوع, و«على طول الأيام» تأليف فادي قوشقجيو وإخراج حاتم علي.
«الكفاح العربي» التقت كتّاب هذه الأعمال, واستوضحتهم خصوصيات التجربة بدءا من انطلاق الشرارة الأولى وحتى لحظة التحقق الأخيرة, ومدى تطابق رؤيتي الكاتب والمخرج.

€ الكاتبة يم مشهدي قالت عن تجربتها الاولى:
­ ببساطة, وُلدت الفكرة من حياتنا اليومية, ومن الثنائيات المتناقضة التي نحيا ضمنها... من قلق يومي يأبى أن يفارقنا, قلق من المستقبل والحاضر والماضي... من مجموعة كبيرة من مفردات الحياة اليومية. الفكرة وُلدت لأنني أنتمي لآلاف الشباب العاطل أو الشبه عاطل عن العمل. شباب كل ذنبه أنه حلم يوما ما أن شيئا ما سيتغير, ولم يحلم, كما الأجيال التي سبقته, بشعب حر ووطن سعيد!! تقلّصت أحلامه جدا فأصبحت محصورة بزاوية ضيقة جدا... أحلام فردية بسيطة. وحتى هذه, تُسرق يوميا من بين أيدينا, الفكرة التي ألحّت عليّ هي هذا الشباب الجامعي الذي يقف حائرا, مذهولا, مغبونا, وضعي ما شئت من الصفات التي تعبّر عن حالة من الضياع الكامل مع غياب فرص عمل جدية وحقيقية بعيدا عن مصطلح «بندبر حالنا», وأيضا, حاولت التطرق إلى عالم نسميه مجازا في بلادي ربما عالم الصحافة, والذي جئت منه.
وتضيف: بالنسبة الى تجربتي, وكونها الأولى, فبالتأكيد لها خصوصية وفيها مزيج غريب من الأحاسيس... أن تشاهدي أشخاصا ومشاهد وحوارا تم صنعهم في لحظة ما, وذلك الترقب الممزوج مع الخوف لردة الفعل إزاء العمل, تلك الأحاسيس, انتابتني بطريقة مشابهة إلى حد ما عندما نُشر أول مقال لي في صحيفة, فللتجارب الاولى دوما شعور خاص, كما هو الحال مع اول الوقوع في الحب, وقبل الاعتراف به.
أما عن انتقالي لعالم الكتابة التلفزيونية, فأنا لست بعيدة عن الدراما لكوني خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية, وسبق لي ان كتبت مسرحية بعنوان «باريس في الظل» وسيناريو فيلم روائي قصير بعنوان «حلم منتصف الظهيرة» إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
€ بعد روايتيه «خريف الأحلام» و«أطياف الشمس», كتب فادي قوشقجي مسلسل «على طول الأيام»... حول تجربته الأولى هذه قال:
­ أتيت من الرواية إلى الدراما التلفزيونية بحثا عن فضاء آخر في زمن تناقصت فيه بشكل كارثي أعداد القراء ومريدي الكتاب, بالطبع, لست أسوّق لمقولة ان نتخلى عما تخلى عنه الجمهور, فالكتاب يبقى هو المادة الاهم والاكثر رسوخا وديمومة وعمقا, إضافة إلى انني اعتقد ان ان تخلي الجمهور عن الكتاب هو ظاهرة موقتة ومرتبطة بالعديد من الظروف التي لا يتسع المجال هنا لذكرها, لكنها كظاهرة, ستزول بزوال الظروف التي سببتها.
وتابع: أما تجربة العمل بالكتابة التلفزيونية, فهي تجربة ممتعة وغنية هي الاخرى, خصوصا إذا توافر للكاتب حسن الحظ الذي توافر لي, فالعمل مع فريق محترف ومثقف كفريق العمل الذي أنجز مسلسل «على طول الأيام» بدءا من المخرج حاتم علي, مرورا بغالبية الممثلين, ووصولا إلى كل من قرأ النص وأبدى ملاحظة أسهمت في إضافة أبعاد ساهمت في تعميق بعض الأحداث والشخصيات, لكن حين يتجه الكاتب إلى الدراما, عليه أن يدرك أنه يتجه نحو عمل جماعي, ومن الصعب على أي كاتب أن يرى تطابقا كاملا بين ما كتب, وما يرى, ذلك لان العمل جماعي ومن حق وواجب المخرج والممثلين والفنيين أن يتدخلوا إيجابيا في الصياغة النهائية بأمانة, أي أن يشخصنوا كل كلمة وكل فكرة وكل مشهد بطرائقهم الخاصة, من دون أن يمسوا الجوهر العام للنص... ربما توجد لدي ملاحظات هامشية صغيرة بشان هذا النوع من التدخل, كما جرى في الحلقات التي شاهدتها حتى الآن, لكنني أنظر إلى الموضوع بموضوعية, وأقول اني قد سلّمت ورقا واستلمت حلقات تلفزيونية, وبالمجمل فإن هذه الحلقات قد حافظت على النص الذي قدمته بدرجة عالية جدا من الامانة, إضافة إلى رؤية المخرج, وأداء معظم الممثلين, وجميعهم اعطوا النص أبعادا جمالية أضافت إليه ولم تأخذ منه.
€ مؤلف مسلسل «صدى الروح» حافظ قرقوط, كان قد بدأ تجربته في الدراما التلفزيونية مع «مرايا» ياسر العظمة, وبعدها كتب مسلسل «فرصة العمر» كما كتب مسرحية «الملف»... عن تجربته الحالية قال:
­ أينما التفت الكاتب, يجد أفكارا تحفّزه على الكتابة. والسيناريو اصبح الوسيلة التي تحمل أفكار الكاتب إلى البيوت بعد تراجع دور الكتاب في الحياة. ولعل رغبتي بإلقاء الضوء على ازماتنا النفسية والإنسانية, هي الحافز الاساسي لهذا العمل. أعترف ان انتقال ما كتبت, إلى حيز التنفيذ لم يكن بالأمر السهل, فالعمل مكتوب منذ عامين, وأعتقد ان لدينا العديد من الكتاب الرائعين, ولكن قلّ من يقرأ, ممن يمتلك القرار الإنتاجي... وفي النهاية, أعتبر نفسي محظوظا حيث وقع النص بيد عامر فهد €شركة إبيلا الدولية€, وكانت قراءته دقيقة, وبعدها تتالت الأمور... أما الاختلاف في وجهات النظر فأعتقدها ميزة إذا كانت دوافعه السعي لنتائج أفضل, ومن يعمل في المجال الفني عليه ان يتفهم انه عمل جماعي, فالكاتب يخطئ عندما يعتقد ان العمل ملكه لوحده, وكذلك المخرج, وكل المعنيين بتنفيذه. وفي جميع الاحوال, كانت الشركة المنتجة مميزة بتعاملها معي, وتركت لي الخيارات التي أراها مناسبة, كذلك المخرج الفنان محمد شيخ نجيب الذي أقدر له روحه الإيجابية وانفتاحه للنقاش.
€ تجربة طويلة ومميزة جمعت كاتبي السيناريو حسن سامي يوسف ونجيب نصير, وحول التجربة الأخيرة قال الكاتب نجيب:
­ ربما كانت كلمتي «التجربة» و«الخصوصية» هما من ابعد الفاظ التوصيف عن الدراما البصرية, فهذه الدراما عمل جماعي بحكم معاصرتها الزمانية, هذا اذا استبعدنا كلمة «حداثية» التي لم ترق اليها الدراما التلفزيونية بعد. ومع هذا, يمكننا استخدام الكلمتين على سبيل الاستعارة, بسبب ضيق اللغة, أو عدم مقدرتها على التعبير عن مصطلحات عصر الصورة, لتبدأ خصوصية هذه التجربة من باب المشاركة مع الاستاذ حسن سامي يوسف, وللمرة السابعة على التوالي, في كتابة نص درامي متسلسل, حيث شعرنا, حسن سامي يوسف وأنا, انه لم يتم استيعاب هذه الطريقة, وظلت موضع تساؤل الناس على اساس انها تنتقص من فرادة €ديكتاتورية€ الكاتب €المبدع€ من دون النظر الى ماهية طرق انتاج النصوص الدرامية كفن حداثي, حيث تبدو الشهرزادية مسيطرة على التفكير في هذا الفن, مما يدعو الى تجاهل تقنياته ومعارف انتاجه, فالنص الدرامي البصري ليس مجرد حكاية مقطعة الى مشاهد حسب تطييب الكاتب لنفسه وقناعته بعبقريته ونباهته, بل هي قوانين تقنية قد لا يطيب للكاتب €المبدع€ استخدامها أو الخضوع لها بناء على فرادة €ديكتاتورية€ موهبته. من هنا يمكننا اطلاق €خصوصية€ التجربة مع الاستاذ حسن سامي يوسف الذي تخرج من قسم السيناريو في المعهد العالي للسينما في موسكو 1973, اي ترك الخصوصية الفردية الى خصوصية تحاول الاقتراب من الحداثية, او محاولة التأسيس لكتابة درامية بصرية تحترم تقنياتها وعصرها.
من جهة أخرى أرى €خصوصية€ تجربتنا تكمن في اختيار الموضوع الحامي والمعاصر, والذي لا يتفارق مع وجع الناس العاديين, من مشاهدي التلفزيون. ففي مسلسلنا الأخير €في الانتظار€ ذهبنا انطلاقا من فكرة الموقت الذي سوف يتغير... ليس بناء على الوعد فقط, بل بناء على ارتقاء الحياة حكما, ذهبنا الى مناطق السكن العشوائي التي تحولت الى سكن دائم, ولكنها حافظت على انتظارها الذي اصبح اشبه بحكم اليأس وأنسداد الافق الذي يقود حكما الى الخلاص الفردي, أحد العلامات الخطيرة التي يبرزها الأداء الاجتماعي قبل دخوله الفوضى غير الخلاقة €بالأذن من لهلوبة السياسات الدموية€, فمفترقات الخلاص الفردي الدنيوية والماورائية تنتج عن ايجاد الغريق لقشته €فساد, جريمة , ضمان للجنة الخ€. من هنا انطلقت فكرة هذا العمل €التجربة€ حيث ينتظر ناس €تجربتنا€ الانصاف, وهي فكرة عامية عن الحقوق المواطنية لتتخذ سيرورات حيواتهم شكل الخلاص الفردي الهدام, شاؤوا أم ابوا. ولكي نتمّكن من تحويل هذه الأقاويل الى سيناريو, وجب علينا ان نطل على نماذج من لحم ودم لنروي حكاياتهم ولنكتشف انهم لا يمانعون بالخلاص الفردي, لكنهم يبحثون عن اشكال أكثر تطرفا لأن الطرق العادية لهذا الخلاص استولى عليها الأقوياء.
في التنفيذ, مرة أخرى أقول لسنا في وارد منتج حداثي حتى نتوقع أو نستقرئ نتائج ما من عمل مكتوب تحول الى عمل مرئي, فالدراما الصورية في عالمنا العربي تعاني ازدواجية شديدة... فالكاميرا الديجتال, أو البث التلفزيوني, وهما من أحدث منتجات الحداثة, يتم التعامل معهما بالعقلية الشهرزادية في أحسن الأحوال, وإلا فعقلية حكاية الجدة. لذلك, من غير الوارد الكلام عن مصاعب, فالعملية برمتها ارتجال قد يحظى بمصادفة جيدة أو سيئة في التنفيذ أو العرض, فليس من فعل مؤسسي يقف وراء انتاج هذه الدراما البصرية, ولا يعني لأحد فناءها أو بقاءها. أساسا, وفي الحساب الأخير, كجزء من €عمايل€ الفن.
أما عن تطابق رؤية المخرج والمؤلف؟ ومع الأخذ لكل ما سبق بعين الاعتبار, لانه من المصيبة أن تتطابق وجهات النظر, فالفن هو طريقة وأسلوب معالجة على ما في الطريقة والأسلوب من فرادة, ولكن تفهم المخرج لقصدية النص كمؤسس, والعمل على خدمة هذا القصد, هو ما يمكن تسميته اتفاقاً ما... ليس بالضرورة الرأي, أو وجهة النظر, وفي كل الاحوال, ليس هناك من تعاون مؤسسي بين أطراف صناعة الدراما التلفزيونية, فكل يغني على ليلى ظروفه وإمكاناته, والموضوع طويل هنا, انطلاقا من كمية التمويل, وانتهاء بالبنية التحتية اللازمة لصناعة مسلسل تلفزي. وعلى كل, لما نزل بالانتظار.

تهامة الجندي

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...