الدولة تستورد الأجود والمواطن يستلم أسوأ أنواع الأرز!

19-10-2006

الدولة تستورد الأجود والمواطن يستلم أسوأ أنواع الأرز!

طابور طويل من الرجال والنساء ـ من كبار السن غالباً ـ يصطفون أمام باب الجمعية الاستهلاكية.. تعلو رؤوسهم الجرائد والمناشف المبللة التي اصطحبوها معهم كي تقيهم حر الشمس التي لم تكن في الشهر الفائت إلا امتداداً لصيفنا اللاهب.

هؤلاء يصطفون للحصول على السكر والرز بالبطاقة التموينية وبسعر تقلص الفارق بينه وبين شراء هذه المواد حراً ( من السوق) الى حد كبير. 
 إذاً في الوقت الذي نسي فيه بعضنا شيئاً اسمه البطاقة التموينية، لايزال الملايين من السوريين ( على الأقل الخمسة ملايين الذين قدر احصاء هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنهم يعيشون تحت خط الفقر) لايزال هؤلاء يصطفون أمام أبواب المؤسسات الاستهلاكية في مشهد بتنا نحسبه من ذكريات الثمانينيات. ‏

ولكي تصدق كلمة الدكتور عبد الله الدردري التي أطلقها مطلع هذا العام: الأغنياء يستفيدون من دعم المواد الاستهلاكية أكثر من الفقراء بخمسين ضعفاً.. هاهي فضيحة البطاقات التموينية المزورة تكشف عن ملايين الليرات السورية التي حصدها فاسدون أثروا على حساب هؤلاء الفقراء على مدى سنوات لم تكتشف مدتها حتى الآن. ‏

وبانتظار نتائج التحقيق مع الموقوفين من المؤسسة الاستهلاكية التي وردت إشارات الى احتمال تورط لجانها، وكذلك الموقوفين من مسؤولي المطبعة الرسمية الذين ساهموا في حبك هذا التزوير وامتداده لسنوات طويلة، ربما لأنهم ببساطة كانوا يستخدمون الأوراق الرسمية المخصصة لطباعة البطاقات التموينية في طباعة كميات أكبر لحساب هذه العصابة بحسب القراءة التي أفادنا بها السيد عبد الخالق العاني معاون وزير الاقتصاد. ‏

اليوم دعوني أزيدكم من الشعر بيتاً كما يقال فأكشف ولو إشارات الى لعبة أخرى تمارس على هؤلاء «المعترين» الذين يصطفون أملاً في الحصول على الكمية المخصصة لهم من الرز التمويني.. إليكم التفاصيل ولكم الحكم: ‏

وردتنا شكاوى عديدة ومن مراكز استهلاكية مختلفة تشتكي من سوء نوعية الرز التمويني كما وردت شكاوى مماثلة ( لدينا نسخ منها) الى وزارة الاقتصاد والتجارة خلال الأشهر الثلاثة الفائتة.. وهي شكاوى متكررة كما ذكر لنا مدير حماية المستهلك في الوزارة الدكتور أنور علي.. طبعاً سيقول بعضنا: قديمة .. وما الجديد في ذلك؟ ‏

الجديد الذي ربما لايعلمه الكثيرون منا أن الرز الذي تستورده الدولة ليوزع بالبطاقة التموينية هو بحسب الدكتور مروان الفواز مدير مؤسسة التجارة الخارجية التي هي المسؤولة عن استيراده ـ هو أفضل أنواع الرز المصري على الإطلاق وهو من النخب الأول بحسب التصنيف المصري والنخب الثاني بحسب المواصفات السورية ( حيث لايوجد كما قال نوع أول بحسب مواصفاتنا) ويضيف: وهذا النوع الذي نستورده يجب ألا تتجاوز نسبة الكسر فيه 3% كحد أقصى.. وهو من الرز الذي لايستورده أي تاجر سوري، بل إن الدكتور فواز يقول: حتى المصريون يقولون لنا إن هذا النوع الأول من الرز خاص للتصدير ولايأكله حتى المصريون أنفسهم بسبب دقة مواصفاته وتصنيفه الذي ينعكس على سعره. ‏

حسناً، إذاً نحن ندلل فقراءنا بهذا النوع الفاخر من الرز .. لكن أين هو؟ ‏

قمنا بزيارة العديد من المراكز في دمشق وكان لحسن حظنا أن بعضها حصل على تمديد في قبول صرف بطاقات الرز، فرأينا بأم أعيننا، كما التقينا عدداً من مشتري هذا الرز التمويني الذين علق بعضهم أنه لايصلح إلا علفاً للدواب..! ‏

وزارة الاقتصاد حللت عينات من الرز الموزع بالبطاقة التموينية في إحدى المناطق التي وردت منها الشكاوى وهي المؤسسة الاستهلاكية في دوما. ‏

كانت نتيجة التحليل بحسب الكتاب الرسمي الصادر عن وزير الاقتصاد: ارتفاع نسبة الحبوب المكسورة بمقدار 12% عن الحد المسموح به ثم يؤكد الكتاب نتيجته: ومن حيث القرائن المحللة الأخرى هي من الصنف الثالث. ‏

إذاً أصبح هذا الرز المستورد نخباً آخر غير الذي نقول إننا استوردناه لندلل فقراءنا! ‏

مؤسسة التجارة الخارجية وصلها كتاب الشكاوى عبر وزارة الاقتصاد فأرفقت كل شهادات التحاليل التي حللت عبر مخابر الجمارك والاقتصاد والتي تثبت فعلاً أن شحنة الرز دخلت الى سورية مطابقة فعلاً للمواصفات الواردة في العقود كما حدثنا الدكتور عبد اللطيف بارودي مدير الشؤون الفنية في وزارة الاقتصاد. ‏

أما المؤسسة العامة الاستهلاكية فأرسلت جواباً ألمح الى التشكيك في نتائج التحليل مع اعترافه بنسبة الكسر التي وصلت إلى 12% لكنها أضافت: يرجى أخذ العلم أن مؤسسة التجارة تقوم باستيراد الأرز المصري من الصنف الثاني حيث إن نسبة الكسر فيه لاتتجاوز 3% ومشتريات المؤسسة من السوق الداخلية هي من الصنف الثالث وبنسبة كسر لاتتجاوز 5% ونستغرب نتيجة تحليل العينة المخالفة ومن المحتمل أن تكون من كميات الهرارة في المجمع المذكور. ‏

ومع أن خبراء أكدوا لنا استبعاد صحة هذه النظرية، إذ إن الرز عادة مايكون قاسياً قبل الطبخ ولايحتمل التكسير لهذه الدرجة التي تزيد 12% عن حالة الأصلي، حتى ولو سقطت كميات منه على الأرض وجمعت فيما بعد.. إضافة الى أن ورود الشكاوى من مناطق مختلفة يدحض هذه النظرية أيضاً. ‏

كما أن مدير عام الاستهلاكية السيد نزار دلول أعطانا تفسيراً آخر إذ احتمل أن يكون الرز التمويني تعرض للسوس أثناء التخزين، وهي حالة طبيعية قد تحدث في ظروف معينة بحسب تعبيره. ‏

على أن تعدد روايات الاستهلاكية وتفسيراتها، لم تساعد متابعة التحقيق في هذه المخالفة بحسب تعبير الكتاب الصادر عن السيد معاون الوزير نيابة عنه. ‏

تتوقف وزارة الاقتصاد ( معاون الوزير ومدير حماية المستهلك ومدير الشؤون الفنية) عند مشتريات المؤسسة الاستهلاكية من السوق الداخلية أي من تجار محليين. وهي النقطة التي قد تفسر الحلقة المفقودة والتي نتج عنها أن المؤسسة الاستهلاكية تبيع رزاً حراً وتموينياً في مراكزها ومؤسساتها الفرعية، والذي يحصل أن الزبون الذي يريد رزاً تموينياً يعطونه تلك النوعية السيئة بينما تباع النوعية الجيدة حراً.. وهذا الذي ناقشناه مع المسؤولين المذكورين آنفاً في وزارة الاقتصاد دعمناه بعدد من الشواهد الملموسة والميدانية لدى مختلف مراكز الاستهلاكية، وكان أحد هذه الشواهد أنني اشتريت رزاً حراً بسعر 26 ل.س للكيلو من أحد الفروع. والمفاجأة كانت هي أن المركز المذكور أراني الرز التمويني قائلاً: هذا سيء نوع ثالث.. وهذا مصري نوع أول حر! ‏

إذا يبدو أن مايحصل هو عملية تبديل للرز المستورد للتموين بالآخر المشترى من التجار للحر.. وهي عملية في حال متابعة خيوطها نعتقد أنها ربما ستكشف عن بعض خفايا تلك الصفقات التي تبرمها المؤسسة الاستهلاكية مع التجار! ‏

حمود المحمود

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...