صراع أمريكا مع العالم الإسلامي سيجعلها أقل أماناً وأكثر انعزالاً

22-04-2006

صراع أمريكا مع العالم الإسلامي سيجعلها أقل أماناً وأكثر انعزالاً

إذا كانت ادارة الرئيس بوش محقة في تأكيدها ان العنف الدائر في العراق الآن لم يتحول بعد الى حرب أهلية بل هو نزاع مدني يتضمن اشتباكات تقع هنا وهناك يمكن ان تتصاعد لتصبح حرباً أهلية، إلا ان هذا التأكيد بحد ذاته دليل على أن احتلال العراق مسألة مكلفة بعيدة عن الحسم ومدمرة لنسيجه الاجتماعي.
وانطلاقاً من هذا الرأي، يتعين ان نتساءل: كيف يمكن أن نتأكد ان شيعة واكراد العراق، اللذين يشكلان معاً حوالي %75 من السكان، لن يفرضا في حال انسحبت أمريكا ترتيباً ملائماً لهما على العرب السُنة؟
من المؤكد ان السنة سيواجهون عندئذ قراراً صعبا يتمثل في اما الرفض او التكيّف مع الواقع، لكن أية مواجهة لن تكون لصالحهم بسبب تفوق عدد الشيعة والأكراد المسلحين جيداً.
لكن هل مثل هذه النتيجة اسوأ بالضرورة من الاستمرار في نفس المسار بكل ما فيه من حرب استنزاف دامية يشنها محتل غير مؤثر.، كما قال حاكم العراق السابق بول بريمر مرة؟
لو اخذنا بعين الاعتبار ان القيادة السياسية العراقية بدأت أخيراً في وضع الخيارات الأمريكية السابقة جانباً، لتبين لنا أن الوقت حان الآن للأخذ باستراتيجية محددة من أجل انهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. وفيما يلي برنامج من اربع نقاط يمكن ان يشكل اطار عمل أساسي لانهاء التورط الأمريكي بشكل مقبول في صراع لا تبدو الادارة الامريكية قادرة على تحقيق النصر العسكري فيه ولا على انهائه سياسياً.
اولاً، على واشنطن ان تطلب بهدوء من الزعماء العراقيين التحدث علناً عن ضرورة الانسحاب الأمريكي. غير ان القرار الأمريكي يتعين الا يعلن كيفيا بل من خلال محادثات مع القادة العراقيين حول عزم واشنطن تحديد موعد للانسحاب.
ثانياً، بعد ذلك التحدث العلني عن الانسحاب يجب على الحكومتين العراقية والامريكية التشاور حول موعد انهاء الاحتلال. وأعتقد ان الولايات المتحدة تستطيع انجاز انسحاب منظم خلال سنة. بيد ان الالتزام بالموعد المحدد ينطوي على فائدة كبيرة لأنه يشجع العراقيين على التركيز على ما سيتلو الانسحاب، ويجعلهم اكثر استعدادا لتولي المسؤولية، فأنا لست من مؤيدي الفكرة القائلة ان تحديد موعد للانسحاب يمكن ان يساعد بطريقة ما المتمردين، وذلك لسبب بسيط هو ان عمليات التمرد غير منظمة، متفرقة هنا وهناك، تلقائية تستغل خلافات المجتمع العراقي، وتستفيد من الفوضى وحالة العداء للاحتلال الأجنبي.
ثالثاً، على الحكومة العراقية ـ لا الأمريكية ـ ان تدعو لعقد مؤتمر اقليمي يضم الدول الاسلامية المجاورة للعراق وتلك البعيدة عنه مثل مصر، الاردن، المملكة العربية السعودية، الجزائر، تونس، تركيا بل وحتى ايران.
وينبغي على هذه الدول التعهد بمساعدة الحكومة العراقية في ترسيخ الاستقرار والسلام في البلاد لكن الدعوة لعقد مثل هذا المؤتمر يجب الا تأتي من جانب الولايات المتحدة، كما ان تلك المساعدة لن تتوافر اذا بقي العراق بلداً محتلاً.
رابعاً، يتعين على واشنطن مع مغادرة القوات الأمريكية العراق، الدعوة لعقد مؤتمر للمانحين يضم الدول الأوروبية اليابان، الصين، وغيرها من الدول الأخرى المهتمة باستقرار العراق كبلد مصدر للنفط، وذلك كي تقدم مشاركة مباشرة في تمويل عملية اعادة بناء الاقتصاد العراقي.
وهنا ايضاً، لن يكون مثل هذا العمل مفيدا الا اذا انتهى الاحتلال الأمريكي بشكل واضح.
ان على الولايات المتحدة الاعتراف ان تدخلها في العراق اصبح جزءاً من صدام اوسع واكثر خطورة بين امريكا والعالم الاسلامي. ومثل هذا الصدام يمكن ان يدمر موقع امريكا في العالم اذا ما توسع وانتشر فعلاً.
لكن دخول امريكا في صراع مع العالم الاسلامي ككل سيجعلها بالتأكيد بلداً أقل أمناً وأكثر انعزالا، حوله الكثير من الأعداء والقليل من الأصدقاء.


 

 الكاتب : زيبغينو بريجنسكي

المصدر : فاينشال تايمز

ترجمة : نبيل زلف

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...