مهرجان دمشق المسرحي: روح فلسطين في جدارية درويش

09-11-2006

مهرجان دمشق المسرحي: روح فلسطين في جدارية درويش

اعتبر عرض جدارية محمود درويش بمثابة الهدية التي قدمها مهرجان دمشق للفنون المسرحية لجممشهد من جدارية محمود درويشهوره؛ فإذا كنا نجد من الصعوبة، بل من غير المجدي، تحويل الشعر إلى المسرح، فإن العرض الفلسطيني، الذي أخرجه أمير نزار زعبي، قلب تصوراتنا المسبقة عن علاقة الشعر بالمسرح، حين قدّم تصوراً ومعادلاً بصرياً مدهشاً لقصيدة درويش الملحمية والبالغة الصعوبة.
يأخذ العرض من القصيدة صورة شاعر على فراش الموت يصارع حقائق الفن، والشعر، والزوال. الشاعر على سرير الموت في مشفى بأطباء وممرضين كثر، يرتدون ملابس بيضاء وأقنعة لها وجوه الفئران. الشاعر والسرير المفردة الأساس التي يُبنى عليها وحولها، فإذا كان الشاعر في غيبوبته يستحضر الشاب الذي كان فإن العرض يأتي به حياً على الخشبة، وهكذا يتوزع النص الذي ينطق به لسان شاعر إلى ألسنة كثيرة، يستطيع الشعر أن يقول: سأصير يوماً ما أريد، ولكن هذا هو اسمك تقولها الطبيبة كما لو كان الأمر وصفة طبية، وبالطبع فإن صوت الأنثى في القصيدة للأنثى، أما نشيد الجموع فهو للجموع، الذين يؤدونه غناء أو بما يشبه ترتيل جوقة إغريقية، أو كنسية. كل ذلك جرى في العرض بأناقة وبساطة بالغتين؛ وكان لافتاً أن يتراوح الشعر بين الأداء الموقّع، الذي يهتم بإيقاع القصيدة وغنائيتها، وبين تحويل بعض المقاطع الشعرية الراقية إلى أداء حياتيّ يوميّ إلى حد يبدو فيه استعمالياً، ووصفة هذا هو اسمك خير مثال. معظم العرض يجري في مشفى لذلك فإن الأبيض هو لون طاغ يضفي على مناخ العرض شيئاً من البرودة.
العثور على أصوات درويش الكثيرة في الجدارية واحد من منجزات العرض، كما العثور على صور وتشكيلات حركية رديفة. وإذا كانت الجدارية، القصيدة غوصا في الإنساني، الوجودي، فإن العرض لم يضيّع تلك الروح؛ فمشاهد الموت كانت موت الشاعر الإنسان، لا موتاً خصوصياً، فولكلورياً، ومشاهد السفر والاغتراب هي اغتراب البشر، لا مشاهد نزوح وتهجير. تغيب فلسطين كرموز وعناصر مباشرة، وتحضر في روح القصيدة، وروح العرض، الذي هو في النهاية سيرة محمود درويش. كما تحضر في عالمية الأداء الفلسطيني التي نلمسها مع إيليا سليمان، وهاني أبو أسعد، وأمير نزار زعبي أخيراً.
ولكن أين من كل ذلك عرض جاء من فلسطين أيضاً بعنوان صفد شاتيلا، من وإلى. وهو عبارة عن مونودراما تمثل صبية من مخيم شاتيلا، تروي حكايات مكرورة عن فلسطين والمخيم ومآسي اللجوء. فرشت الممثلة كل مفرداتها منذ البداية على الخشبة، وكانت لا تعدو صوراً فولكلورية. قيل إن الممثلة قد حازت على جائزة للتمثيل من مهرجان القاهرة التجريبي الأخير، كيف ذلك وهي على ما هي عليه من هشاشة في الأداء دفعت جمهور المسرحية إلى النزوح المبكر، وبكثافة لافتة، إلى عرض جدارية الذي تلاه.
أما عرض شوكولا، الذي انقلب بسحر ساحر إلى هذا الاسم بعدما كان يحمل اسم شو show، (وبالمناسبة؛ حتى لا يعيدوا الاشتغال على ملصق العرض أضافوا فقط cola لتصبح showcola وبالطبع فإن هذه الكتابة خاطئة لكلمة شوكولا بالإنجليزية) والذي يرى فيه البعض عرضاً شبابياً باعتبار ممثليه ومخرجته رغدا شعراني من جيل شاب، وكذلك باعتباره يتعرض لمشكلات يسميها مشكلات الشباب، ولكن من قال إن الحب والكره والجنس والمخدرات والشذوذ والموت مشكلات تحدد هوية العرض المسرحي؟ العرض يتناول بالفعل كل تلك المشكلات على لسان الشباب، بأداء صاخب، وموسيقى الكترونية، مصحوباً برقص حديث أو حتى بدبكة تقليدية. وفي كل مرة يتقدم الممثل إلى الجمهور بطريقة تشبه عرض أزياء (ولعله أخذ اسم شو من هذا الشكل في التقديم) ووراءه، على شاشة للعرض، يذكر اسم الشخصية والعمل وبعض خصوصيات الشخصية. كل ممثل يحكي حكايته، وكان لافتاً تلك الطريقة الضّاجة والسريعة في الكلام، وكذلك التكرار المزعج وغير الموظف. تلك الضجة كانت مصحوبة بكاميرا تصور الممثلين أنفسهم، فنراهم في اللحظة نفسها على الخشبة وعلى شاشة العرض على جدار العمق، بإمكان هذه التقنية أن تبهر المتفرجين، وتضيف ضجيجاً فوق الضجيج، ولكن بالنظر إلى عروض قدمت هنا في دمشق، استخدمت هذه الطريقة على نحو مبدع وعبقري يصبح من السذاجة أن نسميها تقنية مسرحية في عرض شوكولا، لنتذكر عرضاً رائعاً قُدم في دار الأوبرا في دمشق تحت عنوان ليليّ داخلي للفرنسي جان باتيست أندريه، وكيف جرى توظيف الكاميرا. ولنتذكر أيضاً عرض مصابة بالوضوح لسوسن دروزة الذي قدم هنا في مهرجان دمشق المسرحي الفائت الذي استخدم الكاميرا أيضاً على نحو معقول. ولكن لم يقل لنا شوكولا أي مسوّغ للكاميرا، هل هي كاميرا تلفزيون الواقع؟ هل هي كاميرا مراقبة؟ أم ماذا؟ بالطبع إذا كانت الشخصيات من الممثلين، يمكن أن تحشر بينهم مهنة مصور لنجد مكاناً للكاميرا، ولكن لماذا؟ والأهم أية صور ستعكس على الشاشة؟ نفهم أن المخرجة ممثلة تلفزيونية لم تجد طريقها إلى الشاشة في رمضان الفائت، فاختارت المسرح في الوقت الضائع، ولكن ينبغي الرأفة بالمشاهدين أيضاً الذين نعتقد أنهم شاهدوا في رمضان التلفزيون الأخير ما هو أغنى وأجمل، وأكثر شباباً.

راشد عيسى 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...