أسامة أنور عكاشة: لماذا تراجعت الدراما المصرية

11-11-2006

أسامة أنور عكاشة: لماذا تراجعت الدراما المصرية

قرر الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة أن يغيب هذا العام عن المشهد الرمضاني. لم يرد تقديم مسلسل عادي، يحاكي “أحلام المنتجين وأصحاب الفضائيات”، وخصوصاً أن “المشهد لم يعد ساذجاً، وهو يعيش اليوم ظروفاً سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة، ويفتقر إلى الأمان والاستقرار”.
لماذا إذاً تراجعت الدراما المصرية، وباتت عاجزة عن تادية دور فاعل كما في السابق؟ يجيب سريعاً: “يعود ذلك في شكل رئيسي إلى سيطرة السوق وتحكّم المنتجين بصناعة الفن. قد أكتب قصة للشاشة الصغيرة، لكنّي لست مسؤولاً عن الطريقة التي تقدمّ بها إلى المشاهد. حاولت العام الماضي أن أبحث عن حلّ، فتعاونت مع المخرج السوري هيثم حقي في مسلسل “أحلام في البوابة”. لم يكن ذلك من باب التغيير فحسب، بل لأنني لم أعد أثق بالمخرجين المصريين. هؤلاء باتوا يخضعون لمتطلبات السوق، في حين أن المخرجين السوريين لا يزالون مهتمين بالصورة ونوعية العمل”.
ويضيف بصوت عال: “مع تردي الحالة الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، لم يعد الكاتب أو المخرج أو الممثل هو المسؤول عن العمل، بل بات المعلن هو النجم الحقيقي... لم يعد المتلقي هو اللي عاوز كده، بل التجار والمعلنون”.
لكن ألم تؤدِّ الحرية التي أعطيت أخيراً لصناع الدراما إلى تقديم أعمال جيدة؟ “لا أرى أي هامش للحرية في صناعة الدراما، هي فقط دعاية لأهل السلطة. من جهة أخرى، لم يستفد أحد من هذه الحرية، بل استخدموها لتفريغ الأشياء من مضامينها. الليبرالية هنا لا تعني الليبرالية الاقتصادية فحسب، بل الليبرالية السياسية أيضاً. نحن اليوم نشبه الغراب الذي يرغب بأن يكون طاووساً. يعتقدون أن الحرية هي مهاجمة الآخرين في الصحف والمجلات، فيما لو أخذت هذه الكلمة على محمل الجدّ، ووظفت في المكان المناسب، لقدم الكتاب مسلسلات تهزّ الشارع والرأي العام”.
ألهذا السبب إذاً تبدو الأعمال الدرامية بعيدة عن المجتمع والواقع السياسي؟ يجيب بانفعال: “الدراما ليست صحيفة يومية. فالنقل المباشر لا علاقة له بالفن، وخصوصاً أن أي مشروع سينمائي أو تلفزيوني يتطلّب وقتاً قبل أن ينضج ويتبلور. كما أن شركات الإنتاج وأصحاب رأس المال قد يقفون حاجزاً أمام تقديم الأعمال الجيدة. فضلاً عن ذلك، نحن لا نتمتع بالشفافية، نخاف رجال الدين والسلطة والمال. حتى إننا نفتقر إلى رقابة مستنيرة تعرف كيف تقيّم الأحداث، ومؤسسات خاصة تعنى برصد توجهات الناس وقناعاتهم. نكتفي اليوم بالرمز والإسقاط، وحتى الأعمال التي تناولت مواضيع جريئة، جاءت معالجتها ضعيفة وغير مباشرة... وأنا أتحدى أي مخرج أو كاتب يقول عكس ذلك”.
لم يلفت انتباه صاحب “ليالي الحلمية” هذا العام سوى بعض المسلسلات السورية بينها “أبناء الرشيد”، و“خالد بن الوليد” و “باب الحارة”، ومسلسل حاتم علي “على طول الأيام”. أما بالنسبة إلى الأعمال المصرية، فقد أعجب بـ “حدائق الشيطان” الذي “كرّس نجومية جمال سليمان، وجعل منه الرقم واحد عند الجمهور المصري”.
لكن أسامة أنور عكاشة لا يحبّ الحديث عن المنافسة، ويرفض مقولة “السوريون سحبوا البساط من تحت أقدام المصريين”. ويقول ساخراً: “كلنا يعلم أن الوحدة السياسية لن تتحقق، وأن الوحدة الاقتصادية باتت وهماً. لنحلم إذاً بتحقق وحدة فنية. يقول المثل المصري: “المشرحة مش ناقصة قتلى”، والوسط الفني لم يعد قادراً على تحمّل كل هذه النعرات الإقليمية. لا أريد أن ألعب دور الواعظ، لكن الوحدة الفنية قد تؤدي دوراً حقيقياً في تحدي الصراعات السياسية. وإن كانت السياسية تحاول تفريق العرب، إلا أنهم يتشابهون كثيراً في الثقافة والحياة الاجتماعية، حتى ولو لم يرغب ساستهم بتأكيد ذلك”.
العام الماضي، شنّ أسامة أنور عكاشة هجوماً عنيفاً على الفنانات المحجبات. ووصل الأمر إلى تلقيه تهديدات بالقتل من بعض الجماعات المتشددة. وهو اليوم بات متمسكاً بموقفه أكثر من السابق، ويقول متحسماً: “أعتقد أن هذه الظاهرة أثرت سلباً في مستوى الأعمال التي تقدمها الدراما المصرية اليوم. لا أشجع ظاهرة عودة الفنانات المحجبات. فهن، عدا الوعظ المباشر الذي يقدمنه في أعمالهن، يحاولن تلميع صورتهن من جهة، وتسريب الأفكار السلفية المتشددة إلى داخل المجتمع المصري من جهة ثانية. وهي ليست صدفة أن يعدن جميعاً إلى الشاشة تزامناً مع انتشار عدد كبير من الفضائيات التي تقدم الشيوخ والدعاة الجدد”.
قريباً من التلفزيون، لا يبدي عكاشة الذي كرّم أخيراً في مهرجان دمــــشــــــــق المسرحي أي تفاؤل بالحركة المسرحية، “تراجع دور الخشبة كثيراً لصالح التلفزيون الذي أصبح اليوم صاحب التأثــــــــــــير الأكبر في الناس... أنا بدأت الكـــــــــــتابة في السبعينيات. في ذلك الوقت، كانـــــــــت الحركة المسرحية قد تراجعت لصالح المـــــــــسرح التجاري.
بعد ألفرد فرج وتوفيق الحكيم، أصبح الكاتب المسرحي يعيش حالاً من عدم الاستقرار بسبب عدم قدرته على إقامة التوازن بين ما يريد هو تقديمه، وما يحب الناس أن يشاهدوه على الخشبة... هناك أزمة حقيقية في المسرح، وقلة هي الأعمال المتفوقة. أما المؤسسات التي ترعى هذه الأعمال فهي كرتونية”. ويختم حديثه ضاحكاً: “قد تجدين اليوم عرضاً مسرحياً مليئاً بالألوان والأزياء والموسيقى، لكنه يفتقر إلى النص”.

خزامى رشيد

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...