مهرجان دمشق المسرحي: خلود ناصر تلامس روح العصر

11-11-2006

مهرجان دمشق المسرحي: خلود ناصر تلامس روح العصر

يحمل عرض سكويك لخلود ناصر روحاً معاصرة وراهنة، وليس من المستبعد أن المخرجة اللبنانية تسعى إلى صياغة شخصية تحمل هذا الاسم بعدما أطلقته على مسرحيتها، فالاسم مزيج من هموم راهنة وعالمية. اشتقت المفردة من التقاء السرعة والأخلود ناصر في مشهد من مسرحيتها صوات وفعل العصر (أي أن يُعصر الناس)، فهمّها في هذا العرض أن تروي سيرة العذاب البشري بالإيماء، أن تقول ما تفعله الميديا وثورة الاتصالات، العزلة، وأحلام السفر المجهضة، الروتين، والبيروقراطية وسواها من يوميات الإنسان المعاصر. قدم عرض ناصر ستة مشاهد، تقول المخرجة إنها مستقلة عن بعضها البعض ولكن تراتبها الزمني يعطي بعداً آخر للمعنى الكلي، حيث تكون التيمة في كل مشهد هي الفكرة الأساسية للعرض ككل. الممثلة والمخرجة ناصر قدمت مشاهد بعناوين: مفاصل موسيقية، صباح الخير، الجنين الثائر، مكنسة، ميديا، وفيزا. وفي اللوحة الأخيرة يلفت مشهد مرور الممثل عبر بوابة الكترونية في السفارة، حيث يضطر إلى خلع ملابسه قطعة وراء أخرى ليتمكن من المرور، إلا أن الجهاز يظل يطلق إشارات تحذيرية، ليتبين أن قطعة معدنية بين أسنانه هي السبب، فيخلعها ويمضي. فلا ندري كم من المرات استعيد هذا المشهد، خصوصاً في مشاهد للكاميرا الخفية، ثم إن المسافة بين الواقع والإيماء ليست كبيرة، ما يعني أن الإيماء لم يجهد هنا في المضي بعيداً، فغالباً ما يذهب الإيماء في سكويك أبعد من الواقع بخطوة فقط، بمستوى أول. هكذا فعلت ناصر في لوحة ميديا حين كانت تتنقل بين جهاز الكمبيوتر، حيث الشات عبر غرف الانترنت، إلى جهاز آخر للألعاب الالكترونية، ومن ثم إلى الستلايت، وبين هذه الأجهزة الثلاثة كنا نرى ردود أفعالها المختلطة، والمتعاقبة بجنون، والمتكررة بلا نهاية. ولكن في كل ما قدمته ناصر، على جماله وإتقانه، هل يمكن أن نتذكر إيماءة مبتكرة، كأي واحدة من إيماءات شارلي شابلن، في الأزمنة الحديثة وهو المرجع الكبير في فن الإيماء؟ وإذا كانت خلود ناصر تفكر حقاً بسكويك التي يمكن أن تتحول إلى شخصية/ نمط مبني على الإيماءات، فإن ذلك ينبغي أن يتأسس على فرادة في الإيماءة، وفي لباس يعطي للشخصية ملامحها. لا بأس بالعودة إلى شخصيات الكوميديا ديلارتي، حيث لكل شخصية فيها ملامح وإيماءات وطباع.
وعلى قدر ما يبدو سكويك حديثاً يبدو عرض جهاد سعد هجرة أنتيجون قديماً وينتمي إلى الماضي. ذلك لأن الحكاية عتيقة ولا تشبه حياتنا المعاصرة، حيث الملك يأمر بألا يدفن بولينيز، شقيق أنتيجون التي تعصى أوامره وتكرم مثوى أخيها، وحيث تستعاد أجواء أوديبوس وأبناؤه والصراع مع كريون، وقصة حب أنتيجون وهايمون. كل ذلك ضمن أجواء تستعيد الإغريق حيث للجوقة حضورها، وكذلك للأداء الشعري المفخم سطوته، أما إذا كان جهاد سعد يرمي للتطرق إلى هجرة الإنسان المعاصر عبر هجرة أنتيجون القديمة، فلماذا وحياتنا مليئة بالهجرات والطغاة؟ ثم ألا يكف جهاد سعد عن أسلوبه الإخراجي القديم هو الآخر، والذي حفظه المتفرجون عن ظهر قلب، فحين تقول جهاد سعد يعني أن تتذكر العتم على الخشبة، وممثلين يحملون الشموع على أكفهم. ثم لماذا وكيف يركض ملك على الخشبة؟ من أين يجيء الملك بهيبته حين يركض؟ لكن اللافت في شخصية الملك (لعبه بسام داوود) ذلك العنف الذي رأى فيه الجمهور عنفاً مبالغاً فيه، لقد أقسم متفرجون إنهم سمعوا طرطقة عظام، وأصوات صفعات حقيقية، كما سمعت قريباً مني همهمات تستنكر كل هذا العنف على الخشبة. لا يريد سعد أن يخرج من أجواء الإغريق، حيث قدم من قبل حكاية جيسون وميديا، أو كلاسيك المعتمدة على الأجواء ذاتها، ولكنه يصر على تقديمها بروح قديمة لا تلامسنا، وهو يصرّ على المطولات الشعرية في مسرحياته؛ يترك للشخصية بلاغتها ولغتها العالية والفخمة، من دون البحث في هذه اللغة عن فعل مسرحي، تشكيل، حوار.. ولنا في عرض ثريا جبران أربع ساعات في شاتيلا مثل، حيث الممثلة الوحيدة على الخشبة قرأت نصاً هو عبارة عن مقال، أو نص أدبي، ولكن ظلت تحوم على الخشبة، ترفع وتبني قبالة النص الكلامي صوراً باهرة. ولنا في جدارية العرض الذي يقدم قصيدة محمود درويش مثل آخر حيث المسرح يستنبط من الشعر المحض، فما بال المسرح نفسه يستعصي على المسرح؟! 
كذلك نبقى فاغري الأفواه إزاء عرض قبعة المجنون لمها الصالح، والذي يفترض أنه نص مسرحي للإيطالي لويجي بيرانديللو، ولكن من فرط هزاله نكاد نشك. مسرحية مها الصالح تحكي عن زوجة تقع في شرك الغيرة، الأمر الذي يدفعها إلى تدبير مكيدة له مع عشيقة مدبرة، وحين يقع العشيقان في الفخ، ويصبحان وراء القضبان، تجد الزوجة نفسها مدانة من الجميع، أمها، أخوها، وزوج العشيقة المدبرة الذي كانت أرسلته في مهمة للإيقاع بزوجته. لكن الأخير (لعبه جهاد الزغبي) الذي يصف نفسه دائماً بأنه ذو عقول عدّة، واحد للمجاملات وثانٍ للجنون وثالث للجد، يضع قبعة الجنون على رأس الزوجة الشريرة، ويقنعها بأن تصرخ بأعلى صوتها بأنها مجنونة، حيث لا مخرج للقضية، الفضيحة إلا بهذه الطريقة. من الواضح أن العمل مشغول باستعجال؛ لا ديكور يذكر، حيث الخشبة فارغة إلا من بضعة كراسي، والأهم؛ لا ممثلين. حتى أن أفضلهم، علي كريّم، الذي لعب دور المحقق، بدا خارجاً عن ألقه المعتاد.
يذكر أن عدة عروض سورية قديمة أعيد إنتاجها للمهرجان، مثل الديك نص وإخراج طلال نصر الدين وهي تحكي عن مدرس تاريخ قديم مطرود من وظيفته، صار حارساً لمزبلة. ومسرحية الحدث السعيد نص سلافومير مروجيك من إخراج سامر عمران، والتي فيها نوع من استعادة لمسخ فرانكنشتاين في إطار بحث لثلاثيّ (استبداد السلطة، المعارضة، الخارج) والتي تأتي في خضم جدل عربي واسع حول هذه العلاقة الشائكة. وهنالك سكون عرض لاوند هاجو الراقص وفيه بضع لوحات تتمحور حول موضوع الستار كحجاب وكعازل، بل يتطرق إلى مسألة الحجاب نفسه، ولكن بإطار الرقص.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...