سقراط: بعد مرور 2405 سنوات على وفاته مازلنا متأثرين بأفكاره

12-11-2006

سقراط: بعد مرور 2405 سنوات على وفاته مازلنا متأثرين بأفكاره

سقراط المولود في أثينا نحو سنة 470 ق.م والمتوفى  سنة 399ق.م فيلسوف إشكالي في أكثر من مستوى، أخطر هذه المستويات هي التشكيك في وجوده، وبعدها في طبيعة رسالته الفلسفية.
 لا يخلو التشكيك في وجود سقراط من الغرضية الايديولوجية وعدم الاستناد الى قرائن يقينية، بل إن أغلب القرائن تؤكد وجوده وقلما نجد ما يمكن أن يُستدل به على عدم وجوده.
 أما طبيعة رسالته الفلسفية، ففي المستوى الأول منها هي رسالة فلسفية مثل رسالة فيلسوف، وهنا لا يوجد مشكلة يمكن الحديث فيها، الناحية الاشكالية في رسالته الفلسفية في فكره ذاته الذي بثه في ثنايا فلسفته الذي أدى ببعضهم الى الذهاب الى أن سقراط نبي، وإن لم يكن فهو لا يخلو من نفحة النبوّة.
 سقراط هذا صاحب فضل عظيم على العلم خاصة وعلى الفلسفة عامة، وربما يكون فضله أعظم فضل في تاريخ الفلسفة، إذ كرّس جهده كله لتحديد المفاهيم والاصطلاحات وضبطها، وبهذا وضع لبنات أي منظومة علمية، ولذلك ثمة من يرى أن الفضل في نشأة العلم النظري يرجع الى سقراط.
 نشأت الديمقراطية بمعناها التقليدي في العصر السقراطي، وكان أول ما أثمرته هذه الديمقراطية هو الحكم بالاعدام على هذا الفيلسوف بتهمة إفساد عقول الشبيبة بأفكاره الرافضة تعدد الآلهة لصالح إله واحد عادل سيحاسب الناس على أفعالها وأعمالها محاسبة عادلة عدالة مطلقة.
 رتب له تلاميذه أمر الهروب من السجن لتجنيبه تنفيذ حكم الاعدام فيه، وحتى لا يخسره الفكر البشري، وكان من عادة اليونان أن المحكوم بالاعدام إذا استطاع الهروب من السجن فإنه لا يلاحق لتنفيذ الحكم فيه، ليعيش في المقابل من ذلك ذليلاً بعيداً عن أرضه وأهله، وقد كان الفرار يسيراً فبضعة دنانير كافية لرشوة الحراس وتيسير الأمر، وقد سبق ان  فرّ فيلسوف آخر من السجن هو أنكساجوراس بترتيب من بيركليس .
 كانت الفكرة مغرية ولكن لغير سقراط، وقد تعب التلاميذ على ترتيبها، ولكن المحكوم بالاعدام ذاته لم يطلب أي مهلة للتفكير في الامر، ولم ينتظر لحظة واحدة ليعطي جوابه، وقال على الفور:
 - لقد قضيت عمري داعياً لاحترام القانون فكيف تريدون مني أن أخرقه؟
 فقال التلاميذ: ولكنه قانون جائر!
 فقال الفيلسوف : نعم، ولكن الفرار خور وجبن، وواجب الفرد أن يطيع القانون .
 أي إن سقراط آمن بأنه إذا هرب فإن دعوته كلها ستصير بلا قيمة ولا معنى، لقد خرق القانون قبل سقراط وظل يخرق بعد سقراط، ولكن هذه الرسالة في احترام القانون كانت أعنف صفعة لمن يخرق القانون، وخاصة إذا زعم أن القانون هو الخاطىء أو الفاسد.
 فساد القانون ليس مسوغاً أبداً لاختراقه وتجاوزه، فخرق القانون هو الخطأ حتى ولو كان على خطأ، ولا يحتاج فهم هذه المعادلة الى مزيد بداهة ، فالقانون قانون سيّان أخطأ أم أصاب، وما من قانون إلا وفيه خطأ وصواب، وما من قانون إلا كان مرضياً لبعض وغير مرض لبعض آخر، أي كان صحيحاً عند بعض يجب ان يكونوا هم الاكثر، وخاطئاً عند بعض يفترض أن يكونوا الاقل، فإذا جاز خرق القانون لمن رأى أنه خاطىء صار الباب مفتوحاً لخرق القانون من كل من هب ودب بزعم أن القانون غير واف وغير صحيح ووقفنا مع السفسطائيين جنباً الى جنب، ولم يعد القانون قانوناً وصار لكل امرىء قانونه.
 نحن لا نقول إن القانون مقدس لا يجوز المساس به، ولكننا نقول إنه مقدس طالما هو قانون حتى ولو كان خاطئاً، والمطلوب في هذه الحال السعي لتطوير القانون وتصويبه وليس اختراقه وتجاوزه بأي حال من الأحوال.
 مشكلتنا الكبرى ليست هنا في حقيقة الأمر، فهذا الكلام في ظننا لايحتاج الى مزيد تفكير وبداهية حتى بدرك وما يدرك، بالبداهة أو من دون جهد لا يحتاج الى التذكير به، ومع ذلك فإن ما نحن فيه مشكلة بكل المقاييس والمعايير، لأن هذه البداهة في أيامنا هذه صارت عصية على الفهم عند عقول يظن الناس أنها كبرى، والمصيبة الأكبر من ذلك أننا واجدون بين الحين والحين أشخاصاً على درجة عالية من العلم والثقافة والدراية لا يكتفون بالتنكر لهذه البداهة أو ما هو بحكم البداهة وحسب، بل يعكسون الآية تماماً، فصار في نظرهم من يلتزم بالقانون هو الفاسد!!!
 الفاسد هو من يلتزم بالقانون هي القاعدة في ثقافتنا اليوم، هي القاعدة التي يؤمن بها بعض من كبار مثقفينا، فإذا كان بعض كبار المثقفين يؤمنون بأن الفاسد هو من يلتزم بالقانون، فماذا يمكن أن نخمن ما ستكون عليه عامة الناس؟!
 لقد وصلت ثقافتنا العربية اليوم بمنظوماتها القيمية الى مفترق طرقات كلها مسدودة الآفاق وتحتاج الى مواقف جريئة، وقرارات حاسمة، نتدارك بها المجتمع العربي قبل أن ينزلق على منحدر الهاوية، لأنه إذا انزلق فلن ينقذه حتى آخر العلاج.

عزت السيد أحمد

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...