موسوعة الكاتبة العربية

13-11-2006

موسوعة الكاتبة العربية

"عندما كان التاريخ يغلّف صوتها بالصمت، كانت المرأة تحكي وتغني وتبدع الشعر في الغرف المعتمة أو في الأفراح والأحزان، تستودع الكلام المنظوم أو المنثور بعض طاقتها الروحية وتجاربها". بهذه العبارات تستهل هيئة تحرير "موسوعة الكاتبة العربية" الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر، بالاشتراك مع مؤسسة "نور"، مشروعها الضخم هذا، المؤلف من أجزاء أربعة تحت عنوان "ذاكرة للمستقبل". وإذا كانت النساء قد تناقلن عبر الأجيال تراثاً شفوياً غنياً، فإن المشروع المذكور، يوثّق رسمياً لجميع التجارب الأدبية العربية "النسوية" الحديثة (أو معظمها). وكانت مؤسسة المرأة العربية، "نور"، اقترحت فكرة المشروع على الراحلة لطيفة الزيّات، التي تحمّست له وساهمت في وضع تصوّر أولي له واقترحت أسماء المشاركين فيه، لتبصر الطبعة الأولى النور بعد وفاتها، ويكون الإهداء اليها طبعاً.

مرّ العمل بمراحل متعددة منذ العام 1996، وبعقبات كثيرة قبل الوصول إلى صيغته النهائية. تتألف هيئة التحرير من الناقدة والروائية المصرية رضوى عاشور، الناقدة العراقية فريال غزول، الناقدة المصرية أمينة رشيد، الناقد والروائي المغربي محمد برّادة، الأستاذ الجامعي المصري عماد أبو غازي، الكاتبة والناقدة اللبنانية يمنى العيد، ومديرة مؤسسة "نور" حسناء مكداشي. وقد ارتأت الهيئة أن تشمل سوريا ولبنان دراسة واحدة، مصر والسودان دراسة واحدة، العراق والأردن وفلسطين ودول المغرب العربي دراسة واحدة، ودول الجزيرة العربية والكاتبات باللغات الأجنبية دراسة أخرى، معتمدةًَ تخصيص بحث نقدي تليه مقتطفات أدبية من أعمال كاتبات كل بلد في مجالات الرواية، الشعر، والقصة القصيرة، ويلي ذلك كله ثبت بيبلوغرافي موجز بأسماء الكاتبات وسيرهن الذاتية.
حول سبب هذا التقسيم وأسئلة كثيرة أخرى مثل معايير اختيار الكاتبات، وهدف المشروع، وعدم شمول كاتبات وشاعرات من العصور القديمة، وغيرها كان لقاء مع الكاتبة والباحثة يمنى العيد، التي قدّمت بانوراما شاملة وغنية في دراستها حول تاريخ الكتابة النسائية في لبنان، على الرغم من عدم ترجيحها نظرية فصل الأدب النسائي عن الأدب الذكوري.هي تنظر إلى الأدب في وصفه "لغة من اللغات التي يتوسلها الإنسان للاتصال بغيره، وينسج متخيلاً جمالياً هو لدى من يبدع بديل من حياة مآلها الموت". وتذكّر بأن المرأة أدركت منذ بداية عصر النهضة أن تحرّرها منوط بتحرير الوعي الجمعي السائد من ذاك الإرث القيمي الذي كرّس دونيتها. لذلك ربما، ترددت كثيراً قبل الدخول في هذه التجربة، ثم لبّت الطلب بعد إلحاج من مكداشي. اليوم، هي ليست نادمة بل شاكرة لمكداشي إتاحة الفرصة لها للاطلاع على أدب المرأة، الذي بذلت جهدها في إدراجه ضمن سياقه العام بعيداً عن أي فصل قائم على الجندر.
في عودة إلى بدايات تشكُّل ملامح أدب المرأة، تقول العيد إن نشاط البعثات الغربية في إنشاء المدارس ظهر باكراً في لبنان، وكانت أولها البعثة الإنجيلية التي أنشأت الجامعة التي عُرفت في ما بعد باسم الجامعة الأميركية. وازداد عدد المدارس حتى بلغ في العام 1860 ثلاثا وثلاثين مدرسة، معظمها في بيروت. وتروي العيد تجارب الرائدات في خرق منظومة القيم الذكورية المكرّسة، وأبرزهن عنبرة سلام، أول امرأة بيروتية تلقّت مبادئ القراءة، زينب فوّاز ابنة الجنوب التي هاجرت إلى مصر (1847 - 1914)، وردة اليازجي ابنة الشيخ ناصيف اليازجي (1837 - 1924)، ولبيبة هاشم (1882 - 1952) وغيرهن.
حول هدف المشروع اعتبرت العيد أن المقرر كان رصد نتاج المرأة أكثر من تقويمه. لذلك، أحصت البيبليوغرافيا التجارب كلها، مع ترك هامش للسهو. ففي ظل غياب أي تجارب توثيقية جدّية سابقة يمكن الاستناد إليها، وجد فريق الباحثات والباحثين صعوبة كبيرة في الاتصال بالكاتبات، لا سيما المقيمات منهن في الخارج، ووجد ثغرا كبيرة تتمثّل في عدم احتواء الكتب على تاريخ النشر وأسماء الناشرين، إضافةً إلى عدم رغبة العديد من الكاتبات في كشف أعمارهن الحقيقية. وفي ما يختص بلبنان استطاعت مكداشي إنجاز اللوائح المطلوبة بأكبر قدر من المهنية والسرعة. لذلك ربما، لم تكن معايير اختيار الأسماء التي ضمّتها الموسوعة صارمة، وخصوصاً في ما يتعلّق بالتجارب الشعرية. اختارت العيد بنفسها أسماء الأديبات اللبنانيات انطلاقاً من ثقافتها وتجربتها، وكذلك فعلت بالمقطتفات الأدبية التي تلت دراستها بعد قراءة نتاج هؤلاء الكاتبات كاملاً، في ظل هامش حرية الاختيار الواسع الذي أعطي لكل باحث في بلده.
حول سبب تقسيم البلدان على النحو المذكور آنفاً، تعتبر العيد ان التقسيم جاء بحسب مرحلة ظهور الأدب النسائي، فالريادة الأدبية كانت لنساء من لبنان وسوريا ومصر، بينما لم تظهر الكاتبات في دول أخرى كالأردن إلا في الثمانينات مثلاً. كان من الطبيعي إذاً جمع لبنان وسوريا في دراسة واحدة، والأردن وفلسطين في دراسة أخرى. أما دول الخليج فمن المنطقي ضمّها بسبب جغرافيتها، وأضيفت إليها تجارب الكاتبات باللغة الأجنبية بسبب توافر المساحة لعدم وجود الكثير من التجارب الخليجية. وحول عدم شمول الموسوعة التجارب الأدبية النسائية قبل الثلث الأخير من القرن التاسع عاشر، شرحت العيد ان المقصود كان توثيق الأدب الحديث فحسب، بسبب وجود أعمال كثيرة ومنوّعة توثّق لأدب النساء منذ الجاهلية حتى عصور الانحطاط. على أي حال، فقد ورد في الموسوعة ذكر شاعرات مثل الخنساء، ولادة بنت المستكفي، عائشة بنت المهدي، زبيدة بنت جعفر، وغيرهن كثيرات. وفي هذا الإطار، تسجّل العيد ملاحظة حول إهمال التراث الشفوي الكبير المتمثّل في الأغاني والأهازيج والأدب الشعبي، حتى أثناء ما اصطلح على تسميته بمرحلة "الإحياء" التي رجعت فقط إلى التراث الأدبي الرسمي. فقد أهمل العرب طويلاً، على سبيل المثال، كتاب "ألف ليلة وليلة" حتى أعاد الغرب القاء الضوء عليه.
تلاحظ العيد أيضاً أن المرأة جاءت إلى الشعر مع قصيدة النثر، متحدّثة عن عمودية الثقافة التي عنت استبعاد المرأة لفترة طويلة. إذ أن التجارب، قبل انتشار هذا النوع، اقتصرت على بعض الأصوات مثل وردة اليازجي وزهرة الحر اللتين نظمتا الشعر العمودي لأنهما عاشتا في ظل عائلتين مثقفتين. أما سبب ابتعاد النساء عن الشعر حتى فترة الستينات فيعود بحسب العيد إلى تأخّر ذهاب الفتيات إلى المدارس، أو ذهابهن إلى مدارس للإرساليات الأجنبية لا تعلّم العروض غالباً، والى تأخّر افتتاح المدارس الوطنية، ما أدى إلى عدم تبحّرهن في اللغة العربية وعلم العروض.
وارتبط ظهور القصة القصيرة النسائية في لبنان بظهور الفن الروائي، إذ أن كثيرات من الروائيات كتبن القصة القصيرة في بدايتهن، مثل إملي نصر الله وهدى بركات، قبل أن يتجهن في ما بعد نحو الكتابة الروائية، وتُرجع العيد ذلك إلى أن كتابة القصة القصيرة لا تستلزم وقتاً طويلاً كما الرواية، وهو ما يتلائم مع نمط عيش المرأة والوقت المتاح لها للكتابة. انحصر التركيز إذاً على التجارب في مجالات الرواية والقصة القصيرة والشعر، بسبب ندرة الأنواع الأدبية الأخرى التي خاضتها المرأة، كالكتابة المسرحية أو كتابة السير، على الرغم من اشتمال الكشافات البيبليوغرافية على التجارب في هذه المجالات كلها.
تقول العيد إن ظهور المرأة أدبياً في لبنان بدأ في الأربعينات والخمسينات، لأسباب عديدة، أبرزها انتشار التعليم ومصادقة مجلس الوزراء اللبناني على قانون ينصّ على المساواة بين الرجل المرأة وتوقيع لبنان معاهدة حقوق الإنسان.
أخيراً، تأسف العيد للظلم اللاحق بالكاتبات اللواتي برزن بعد العام ألفين لأن الدراسة لم تشملهن، واعدة بصدور ملحق تضاف إليه هذه الأسماء، يتضمّن بيبليوغرافيا ودراسة على غرار الموسوعة. مشيرة إلى صدور طبعة تجريبية أولى للموسوعة قبل نشرها نهائياً عن المجلس الأعلى للثقافة، وإلى ترجمة الموسوعة إلى الإنكليزية التي تقوم بها الجامعة الأميركية في القاهرة، بالإضافة إلى ترجمة إسبانية تصدر لاحقاً.
تأمل يمنى العيد، المرتاحة إلى نتيجة عملها، أن يشكّل هذا العمل فاتحةً لمزيد من الأعمال التي تواصل الجهد وتصححه وتضيف إليه، وتعتبر أن من الواجب الإضاءة على تراث كبير تركته نساء يستحققن التكريم، في مقدمهن سلمى الصايغ وعنبرة سلام وزينب فوّاز ولبيبة هاشم وغيرهن. هي التي أطلّت إلى عالم الثقافة من نافذة ذكورية، تردد خلف زينب فوّاز، ابنة البيئة اللبنانية الجنوبية الفقيرة وعضو الحزب الوطني المصري التي أجبرت مصطفى كامل على استخدام عبارة "سيداتي، سادتي" في بداية خطبه، أن الروح جوهر مجرّد، لا ذكر ولا أنثى. وإن كانت تجذل عند قولها: نحن لنا جدّات.

زينب عساف

المصدر: النهار  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...