البازار السياسي اللبناني اليوم: من يربح ومن سيخسر

23-11-2006

البازار السياسي اللبناني اليوم: من يربح ومن سيخسر

يشيّع لبنان، اليوم،الوزير والنائب بيار أمين الجميل، في مأتم كبير، يرتسم خلاله مشهد ساحة سياسية، بدا واضحاً أن فريق الاكثرية يريدها استكمالا لساحة الرابع عشر من شباط ،6002 بشعاراتها ضد سوريانعش الشهيد بيار الجميل إلى دار العائلة في بكفيا ورئاسة الجمهورية، مع تسجيل عنوان جديد هو المحكمة الدولية عبر ربط الموقف منها بمطلب المعارضة تشكيل حكومة وحدة وطنية.
واذا كان خطاب البحث عن قتلة بيار الجميل أصبح ثانوياً، في ظل حالة الاستثمار السياسي التي جنح اليها بعض فريق الاكثرية، وخاصة باتجاه قصر بعبدا، عبر الترويج لاحتمال انطلاق مظاهرة باتجاهه بعد انتهاء التشييع في بيروت أو بعد الدفن في بكفيا، فإن أكثر من عشرة آلاف جندي من الجيش اللبناني وآلاف العناصر من قوى الامن الداخلي بدأوا، امس، سلسلة من الاجراءات الامنية المشددة في العاصمة ومحيط القصر الجمهوري من أجل تأمين نجاح مهرجان التشييع والحيلولة دون القيام بأية أعمال شغب في أي اتجاه آخر.
وفي هذه الاثناء، واصلت الاجهزة الامنية والعسكرية والقضائية عملها، امس، سعياً الى إحداث خرق جدي في عملية التحقيق في الجريمة، في ظل تأكيدات صدرت عن غير مرجعية أمنية وقضائية بأن فرص التوصل الى نتائج جدية ممكنة جدا في الايام المقبلة.
وبالتزامن مع موافقة مجلس الامن الدولي بالاجماع على طلب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بتقديم مساعدة فنية دولية في التحقيقات، كشفت مصادر معنية بالتحقيق أن فريقاً من لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قام، امس، بمعاينة مكان الجريمة وأجرى كشفاً على سيارة الجميل وكل الادلة التي جمعت من المكان وطلب إيداعه محاضر التحقيقات التي أجريت مع بعض شهود العيان وخاصة مع عنصر أمن الدولة الذي كان موجوداً في سيارة الجميل والجريح الذي أصيب وكان ما يزال يخضع للعلاج في مستشفى مار يوسف في الدورة.
وقالت المصادر المتابعة للتحقيق  إن التحقيقات تحاول أن ترسم رواية محكمة لما حصل، بدءا من مغادرة الجميل منزله صباحا وتوجهه الى بكفيا حيث وضع إكليلا من الزهر على ضريح جده ومن ثم توجهه الى مقر وزارة الصناعة وبعدها الى منطقة الجديدة، حيث تم اغتياله. وتشمل هذه الاحاطة الحصول على شريط المواعيد والاشخاص الذين كانوا يعلمون ببرنامج التحرك والاتصالات التي أجريت هاتفيا وخاصة في المحطة الاخيرة من أجل محاولة تفسير الاطمئنان غير المسبوق الذي تميز به مرتكبو الجريمة.
وتركز التحقيقات على أكثر من فرضية، بينها فرضية الخرق الامني، أخذاً بعين الاعتبار، المكان والزمان والاسلوب المتبع، وتم لهذه الغاية جمع عدد كبير من أشرطة المراقبة في عدد من النقاط التي سلكها الموكب قبل الظهر وبعده، من أجل التدقيق بعملية الملاحقة، خاصة أن الجميل يقوم بتبديل سيارته بصورة روتينية.
وحسب الرواية الامنية الرسمية الاولية، فإن ثلاثة أشخاص كانوا يستقلون سيارة الهوندا وان أمراً ما فرض توقف سيارة الراحل بدليل أن الرصاصات التي أطلقت باتجاه النافذة من جهتي الجميل وسائقه، كانت مركزة في دائرة معينة، ما يعني استبعاد فرضية أن السيارة تعرضت لإطلاق نار أثناء سيرها، والامر الثاني، هو أنه بعد إطلاق النار، حاول سائق الجميل السير بها أو أن ثقل جسمه المتهالك أدى الى ذلك، فاصطدمت السيارة بالهوندا، وعندها قرر الشخصان نفساهما التأكد من تصفيته، فأقدما على إطلاق النار من الجهتين واستخدم أحدهما مسدساً غير مزود بكاتم للصوت، بدا أنه قد استخدمه من داخل نافذة السيارة اليسرى حيث أظهرت ذلك الفراغات التي وجدت بداخلها، فضلاً عن الاصوات التي صدرت عنه وسمعها عدد من الموجودين في المكان.
وأظهرت التحقيقات مع عنصر أمن الدولة أن مسدسه قد روكب معه وسارع الى الفرار الى أحد المحلات التجارية، وأن دورية قوى الامن التي ترافق الموكب عادة، طلب منها الوزير الراحل أن تلتزم مكانها، في إطار ما بدا أنه عملية تمويه لموكبه، فيما جرى التدقيق بإفادة مسؤول كتائبي في المنطقة، تبين انه تلقى اتصالا من الجميل، لكي يرافقه في واجب العزاء في كنيسة مار مطانيوس في الجديدة.
كما تحاول التحقيقات التدقيق في سيارة اخرى كانت على مقربة من المكان، كما تم وضع رسوم تقريبية للمشتبه فيهم الثلاثة حسب إفادات شهود العيان وأظهرت أن أعمارهم بين العشرين والثلاثين سنة، مع رسم مواصفات أولية للشعر والذقن وبعض العلامات الفارقة.
وتبين أن الرشيش كاتم الصوت الذي أطلقت منه النار اولا هو إما من نوع انغرام أو شاتاير أو نوع ثالث ينتمي الى فصيلة المسدسات التقليدية من عيار 9 ملم. كما تبين أن الجميل أصيب بثماني رصاصات في الرأس ويجري مسح كامل للمكان حيث وجدت آثار رصاصات وشظايا على الرصيف والطريق وبعض الجدران المحيطة بمكان الجريمة.
وقال مصدر أمني إن التحقيق يركز حاليا على بصمة واحدة تم رفعها عن إحدى الفراغات التي وجدت داخل سيارة الوزير الجميل. وأشار الى ان التنسيق قائم بين الاجهزة الامنية والقضائية من أجل التوصل الى خيوط جدية، وهناك فرص حقيقية للوصول الى ذلك في الايام المقبلة.
- سياسياً، دخل الرئيس الاميركي جورج بوش على خط توجيه الاتهامات من جهات دولية ومحلية الى سوريا وايران، وأعلن البيت الابيض أن بوش أجرى امس اتصالا برئيس الحكومة فؤاد السنيورة وأكد له مجددا تعهد الولايات المتحدة الثابت بالمساعدة على بناء الديموقراطية اللبنانية وبدعم الاستقلال اللبناني بوجه العقبات التي تضعها ايران وسوريا.
وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي الاميركي غوردن جوندرو ان بوش قال للسنيورة، في اتصال تعزية بالوزير الجميل، ان العنف والاضطرابات في لبنان لن تمنع الاسرة الدولية من إنشاء المحكمة الخاصة للبنان. وأجرى بوش اتصالا للغاية نفسها بالرئيس أمين الجميل، فيما قرر الرئيس الفرنسي جاك شيراك إرسال وزير الخارجية فيليب دوست بلازي للمشاركة في مراسم التشييع اليوم، والتي سيشارك فيها ممثلون لدول عربية وأجنبية بينهم الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
وتلقى السنيورة اتصال تعزية من الملك عبد الله بن عبد العزيز شدد خلاله على استنكار الجريمة وعلى وقوفه الى جانب لبنان، فيما كان لافتا للانتباه الموقف الذي أطلقه السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة من السرايا الكبيرة، بدعوته الوزراء المستقيلين للعودة فوراً لممارسة مهامهم بسبب دقة الظروف.
وعلى الصعيد السياسي ايضا، تسعى قوى الرابع عشر من آذار، وخاصة من خلال جناحيها الاشتراكي والقواتي الى استثمار مشهد تشييع الوزير بيار أمين الجميل، عبر إطلاق دعوة الى تنظيم مسيرة اقتحامية الى قصر بعبدا، تكون الخطوة الاولى في سياق سلسلة خطوات احتجاجية، قال سمير جعجع إنها ستستمر حتى إقرار المحكمة الدولية (في الحكومة ومجلس النواب).
إلا أن الرئيس أمين الجميل، وفي موقف مكمل لموقفه، امس الاول، بدا محاذراً في توجيه أصابع الاتهام الى سوريا، مكتفياً بوضع الامر في حدود الشبهة ربطاً بما أسماها السوابق ومنها اغتيال شقيقه الرئيس بشير الجميل في العام .2891 واذ شدد على أولوية الملف الرئاسي سياسياً، حذر الاكثرية من القيام بدعسة ناقصة وقال انه ليس بأية طريقة يتم إسقاط رئيس الجمهورية، مجدداً دعوته للحوار والى إقفال صفحة المآسي والمخططات الشيطانية، داعياً الى احترام قدسية الشهادة.
واستنفرت ماكينة الاكثرية، وخاصة تيار المستقبل، في بيروت والمناطق، من أجل تأمين أوسع حشد في ساحة الشهداء، حيث سيقام مهرجان خطابي يتحدث فيه، على الارجح، الرئيس الجميل والنائب سعد الحريري.
وعقد النائب وليد جنبلاط، امس، مؤتمراً صحافياً في المختارة، حمل فيه على المطالبين بحكومة الوحدة الوطنية، واعتبر أن كل اغتيال هو مسمار إضافي في نعش النظام السوري، وسأل الرئيس نبيه بري عما اذا كان سيقدم على خطوة تاريخية تتمثل في دعوة المجلس النيابي للانعقاد للموافقة على المحكمة الدولية، وقال إن التعطيل سيجرنا الى الفراغ، والفراغ لن يحمي أحداً، وتوقع المزيد من الاغتيالات بهدف إنقاص عدد أعضاء الحكومة والمجلس النيابي، وجدد ربط المطالبة بحكومة الوحدة الوطنية بتعطيل المحكمة، وحمل على حزب الله وأمينه العام ودعاه الى التواضع، فيما قام بالاشادة أكثر من مرة بالرئيس بري وبدوره التأسيسي في المقاومة.
وفي وقت لاحق، جدد سمير جعجع توقعاته بالمزيد من الاغتيالات وتوقع أن تستهدف هذه المرة نواب الاكثرية، وطالب الوزراء الشيعة بالعودة عن استقالتهم لتقديم صك براءة مما حصل.
بدوره، اتهم النائب سعد الحريري سوريا، مجدداً، بالوقوف وراء الجريمة، وحمل بشدة على حزب الله، وقال ان الحزب شيء والسيد حسن نصر الله شيء آخر، واتهم الحزب بالعمل على إسقاط المحكمة الدولية، وجدّد مد يده لنصر الله، وحيّد الرئيس نبيه بري في موقف مكمل لموقف جنبلاط، فيما قال وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت بعد انتهاء اجتماع مجلس الامن المركزي ان سرعة ردة فعل والمهرجانات من قبل المعارضة بعد جريمة الاغتيال توحي بأنه كان معهم خبر!
على صعيد قوى المعارضة، بدا واضحاً أن فترة السماح مستمرة، بانتظار انتهاء مراسم الدفن والحداد، لكن قطبي المعارضة المتمثلين بالتيار الوطني الحر وحزب الله أطلقا سلسلة مواقف بوجه الاكثرية.
ووصف العماد ميشال عون الكلام عن أن هدف اغتيال الوزراء والنواب هو إنقاص عدد الاكثرية بأنه كلام غير مسؤول، مؤكدا أن اغتيال الجميل نصب فخاً كبيراً للفتنة وأربك الوطن كله وليس المعارضة فقط، محذراً من أن يكون الهدف تلفيق كنيسة ذوق جديدة، داعياً الى جعل شهادة الوزير بيار الجميل وسواه منزهة عن التوظيف العاطل الذي يحصل.
واستغرب عون في حديث مع تلفزيون ان بي ان الحملة التي قامت ضده بعد اغتيال الجميل، معتبراً أنها نتيجة تحريض، عارضاً للمساعي التي قام بها مع البطريرك الماروني لمنع انقسام الصف المسيحي، ومحاولاته الاتصال بالرئيس أمين الجميل من دون جدوى، مؤكداً أنه سيقوم بواجب التعزية عندما يصبح الظرف ملائماً. ودعا جميع مناصريه الى المشاركة في التشييع، معتبراً أن الخصومة معه هي من طرف واحد هو القوات اللبنانية، وراى أن هناك أوجه شبه في سلوكيات إقرار تشكيل المحكمة الدولية بعد اغتيال النائب جبران تويني مباشرة وبعد اغتيال بيار الجميل، ودعا الى فصل موضوع المحكمة الدولية عن موضوع المطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
من جهته، أكد المعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل لالمنار ان من يقرأ وليد جنبلاط ليس فقط في هذه المناسبة الحزينة، وانما في كل المناسبات، يجد أنه رجل الفتنة، وعندما تنظر الى عينيه ترى أن هناك اشتهاء للدم، وأشار الى انه منذ اغتيال الرئيس الحريري كنا نرى أن جنبلاط يشتاق لان يرى الدم السني الشيعي يسيل في البلد، وهو عمل لذلك لكن مشروعه فشل. كما انه في كل منطقه يحاول إثارة الفتن لان عقله وتركيبته هكذا، وهو في هذه المحطات كالافعى المرقطة التي تبث سمومها على اللبنانيين من كل حدب وصوب.
وطمأن خليل جنبلاط أن حزب الله وأمل روحان في جسد واحد. وأكد ان كلام جنبلاط مأخوذ من القاموس الاميركي الذي يمليه فيلتمان في الليل والنهار، وقال كنا على حافة النزول الى الشارع، وأركان السلطة كانوا في وضع لا يحسدون عليه، وهم كانوا في مأزق كبير جدا، وكانوا يحتاجون الى دم يكون لهم نوع من الاوكسيجين كي يبعث فيهم الحياة من جديد.
وعن دعوة جعجع لعودة الوزراء الشيعة الى الحكومة أو أن يكونوا متهمين، قال الخليل هذا أدل دليل على أن عمليات الاغتيال التي تحصل هي بهدف الضغط على فريق المعارضة من أجل أن يصطف في مشروعهم وهذا بعيد عليهم.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...