إسرائيل تتهم دمشق باغتيال الجميل

23-11-2006

إسرائيل تتهم دمشق باغتيال الجميل

أعلنت أمس إسرائيل براءتها من اغتيال وزير الصناعة اللبناني بيار الجميل، محملة المسؤولية لسوريا وحلفائها في لبنان، وسط حملة إعلامية إسرائيلية صبّت في هذا الاتجاه لم تخرقها سوى صحيفة «هآرتس» التي اعتبرت أن «المنطق السياسي الصافي يجد صعوبة في تأييد الرواية» التي تفيد وقوف دمشق خلف هذه العملية.
وقال نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي شمعون بيريز، للإذاعة الاسرائيلية العامة أمس، إن «النزاع مستمر في لبنان واسرائيل لا علاقة لها به». وأضاف «أنه نزاع بين حزب الله الذي يريد ان يرى لبنان إيرانياً وغالبية اللبنانيين الذين يريدون لبنان أن يتمتع بالسيادة... يجب متابعة الوضع بانتباه».
تعليقاً على اغتيال الجميل، رأى المحلل العسكري والأمني في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن الآثار تقود إلى دمشق، مشيراً إلى أن «المرء لا يحتاج إلى أن يكون خبيراً في الشؤون اللبنانية كي يعرف أن ثمة صلة بين اغتيال الجميل ومحكمة (الرئيس الراحل رفيق) الحريري التي هي على وشك البدء في بيروت، ومحاولات سوريا السيطرة من جديد على لبنان».
وعن أسباب الاغتيال وخلفياته، يقول يشاي «يبدو أن الجميل لم يتعرض للاغتيال بسبب مكانته وتأثيره، بل لمفاقمة الأزمة الطائفية والسياسية التي تقسم لبنان الآن وتدفعه إلى عتبة الحرب الأهلية». وينتقل يشاي إلى العزف على وتر الفتنة الداخلية وتأجيجها من خلال قوله إنه ليس ثمة ما يمنع أن يكون مصدر الأزمة الحالية كامناً في مبادرة سورية، تنفذها المنظمتان الشيعيتان، حزب الله وأمل، إلى جانب الأنصار المسيحيين للجنرال عون. فهذه الأزمة، في حال انزلاقها إلى الشوارع وتحولها إلى صدامات بين الطوائف في لبنان، تخدم السوريين على مستويين: الأول، ستُحبط تشكيل المحكمة التي من المزمع أن تحاكم قتلة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، الأمر الذي سيحول دون ربط سوريا بالحادث كمن تمسك بالخيوط. الثاني، في حال تفاقم الأزمة إلى درجة الحرب الأهلية، ربما تستطيع دمشق إعادة جيشها إلى لبنان كعنصر لبسط السلام والفصل بين الطوائف، كما فعلت تماماً عام 1976».
وإذ يشير يشاي إلى أن اغتيال الحريري «أدى إلى تغيير صورة لبنان»، يرى أن «السوريين وأنصارهم اللبنانيين يحاولون الآن إعادة العجلة إلى الوراء، وذلك لأسباب عديدة من بينها الانطلاق من الاعتقاد بأن الولايات المتحدة هي اليوم أضعف مما كانت عليه قبل سنة، وأنها لن تستخدم القوة ضدهم».
ويعتقد يشاي أن «اغتيال الجميل دق مسماراً إضافياً في نعش حكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة، وهو ما يجب أن يثير قلق إسرائيل بقدر ما يثير الرضا الخفي في دمشق. ذلك أنه في حال سقوط حكومة السنيورة، سيسيطر أنصار سوريا على حكومة لبنان».
ويُحذر يشاي من تداعيات سقوط حكومة السنيورة على إسرائيل، بقوله إنه «في مثل هذا الوضع سيسيطر نصر الله على الدولة ما سيؤدي إلى تلاشي جميع الإنجازات التي حققتها إسرائيل من الحرب الأخيرة: القرار 1701 سيتحول إلى وثيقة فارغة المضمون، وسوريا وإيران ستزودان حزب الله السلاح من دون أي عائق، والجيش اللبناني سيخضع لإمرة الحكومة الجديدة. وبالتالي سيكون في وسع من في إسرائيل البدء بالعد التنازلي نحو المواجهة المقبلة مع حزب الله الذي أعاد تسليح نفسه واستعداده، وربما سيستعين هذه المرة بائتلاف عسكري بالتعاون مع سوريا وإيران».
أما مراسل الشؤون العربية في «هآرتس»، تسفي برئل، فقدم من جهته قراءة مغايرة لظروف الاغتيال وللاتهامات بضلوع سوريا فيها. وقال إنه «خلافاً لأعمال الاغتيال السياسي السابقة ضد سياسيين وصحافيين لبنانيين، يبدو أن التهمة الموجهة الآن إلى سوريا روتينية جداً».
وأضاف أن «المنطق السياسي الصافي يجد صعوبة في تأييد الرواية التي تفيد أن القيادة السورية هي من يقف وراء اغتيال الجميل، ذلك أنه في اليوم الذي اغتيل فيه الجميل، سجلت سوريا أحد الإنجازات السياسية المهمة منذ أن تلقت هزيمتها في لبنان في 2005: استئناف العراق للعلاقات الدبلوماسية الكاملة مع دمشق التي قُطعت قبل 25 سنة». وتابع «إن سوريا آخذة في الحصول على مشروعية نصف رسمية من واشنطن، التي باتت مستعدة لأن ترى في سوريا عنصراً مسؤولاً قادراً على تهدئة الوضع في العراق». وقال «وما لا يقل أهمية، تحديداً عشية يوم الاستقلال اللبناني، هو أن سوريا تمكنت من تسجيل إنجاز سياسي إضافي في لبنان: فرصة إسقاط حكومة فؤاد السنيورة أو زيادة قوة مؤيدي سوريا في هذه الحكومة عبر الإنذار الذي وجهه حزب الله، فلو أن هذا الانجاز تحقق، لكان من الممكن عرقلة المحكمة الدولية التي ستتشكل لمحاكمة قتلة الحريري، أو لكانت تركيبتها أفضل بالنسبة إلى سوريا».
ويضيف برئل أنه «في ظل هذه الانجازات الثلاثة، ذات القدرة الكبيرة على تحسين وضع سوريا، فإن الأمر الأخير الذي تحتاج إليه دمشق هو اتهام جديد باغتيال سياسي داخل لبنان، ولا سيما أن الوضع الآن مختلف، فحزب الله كان على وشك أن يشق لسوريا مسار تأثير مباشر بوسائل سياسية. ولذلك، بالطبع، أصدر حزب الله تحديداً بياناً اتهامياً يعتبر فيه أن اغتيال الجميل هو مؤامرة قامت بها جهات تريد المسّ بحزب الله».
ويضيف برئل أن «ثمة سؤالاً آخر لا تُقدّم عملية الاغتيال جواباً منطقياً عنه، وهو لماذا تم اختيار بيار الجميل تحديداً. فهو وإن كان من معارضي سوريا، لم يكن يُعتبر من الصف الأول، وبالتالي من أراد إحداث انقلاب سياسي عبر الاغتيال، كان يمكنه اختيار هدف أكثر أهمية، بدءاً من رئيس الحكومة، ومروراً بسعد الحريري وانتهاءً بوليد جنبلاط. لكن من المحتمل أن تكون أسباب اختيار الجميل تقنية أكثر منها سياسية: فبينما يحيط كل زعيم لبناني نفسه بجيش صغير وبحماية استثنائية، اكتفى بيار الجميل بقافلة صغيرة من السيارات».
ومع ذلك لم يستبعد برئل احتمال أن يكون «قرار الاغتيال واختيار الهدف قد صدرا تحديداً عن أحد الأجهزة الاستخبارية السورية، من دون علم القيادة السياسية السورية بها، وأن يكون هذا القرار أشبه بحملة انتقام خاصة يقوم بها أعضاء جهاز قرروا اغتيال كل من يعتبرونه مسؤولاً عن الضرر الذي سيلحق بهم جراء المحكمة الدولية».
بدورها، اعتبرت صحيفة «معاريف» أن اغتيال الجميل هو رصاصة في رأس حكومة السنيورة. وقال مراسل الشؤون العربية فيها، جاكي حوجي، إن هذا الاغتيال هو «تحذير أخير للسنيورة». وأضاف أن «على المدى القريب حسن نصر الله هو من خسر تحديداً. فاغتيال الجميل ليس هو الوقت المناسب للاحتجاج الذي كان سيقوم به ضد سياسة الحكومة. وهو سيضطر إلى وقف خططه إلى أن يزول الغضب».

مهدي السيد

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...