الأردن والسلفية التكفيرية
ما هو السرّ في أن قادةً ينتمون إلى السلفية التكفيرية المعروفة بالسلفية الجهادية، والذين تتراوح فتاويهم التكفيرية بين تكفير المجتمع وتكفير الحاكم، خرجوا من الأردن أو مروا فيه؟ ناهيك بالسلفيات الأخرى، التي وجدت بيئة ملائمة في الأردن، مثل السلفية الألبانية، نسبةً إلى الشيخ ناصر الدين الألباني، ومثل السلفية الإصلاحية، وكان من عناوينها السعوديان سلمان العودة وسفر الحوالي، وكذلك سلفية التوقف والتبيّن في الحكم على المسلمين.
سؤال مطروح للنقاش، كما سنرى، مع التذكير بعدد من الأسماء والظواهر التالية، والتي خرجت من الأردن وفلسطين:
1- صالح سرية، مؤسس تنظيم الكلية الفنية العسكرية في مصر عام 1974، وتمّ إعدامه.
2- سالم رحال: مؤسس تنظيم "الجهاد" في الإسكندرية عام 1976، ثم "جيش محمد".
3- عبد الله عزام: أحد مؤسسي تنظيم "القاعدة" ومنظّري "فكره" بين باكستان وأفغانستان، وكان مدرِّساً قبل ذلك في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، ثم في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. وقُتل في بيشاور عام 1989.
4- خطّاب: عاش في الزرقاء، قبل أن ينتقل إلى الشيشان، حيث قُتل هناك عام 2002.
5- أبو محمد المقدسي، في أسمائه المتعددة (البرقاوي، العتيبي، والشركسي): عاش في الكويت، قبل أن يتنقّل بين الأردن وأفغانستان. واتُّهِم، تحت تأثير الفكر السروري القطبي، بتأسيس بيعة الإمام، واعتُقل في إثر ذلك عام 1995.
6- أبو مصعب الزرقاوي (أحمد فاضل الخلايلة – بني حسن): تأثّر بالبرقاوي، وتنقَّل بين الأردن وأفغانستان والعراق وكردستان العراق. وساهم في تأسيس تنظيم "التوحيد والجهاد"، ثم "الدولة الإسلامية" ("داعش")، وقُتِل عام 2006 في العراق.
7- أبو قتيبة الأردني (عبد المجيد المجالي): تنقَّل بين الأردن والسعودية وباكستان وأفغانستان.
8- أبو قتيبة الفلسطيني (عمر محمود عثمان).
9- أبو سياف (معان).
10- أبو محمد الطحاوي.
11- آخرون، مثل رائد خريسات (أبي عبد الرحمن الشامي)، ونضال عربيات وعزمي الجيوسي ومعمر الجغبير.
12- مؤسّسو تنظيم "حُرّاس الدين"، وذلك بحسب ما جاء في كتاب محمد أبو رمان وحسن أبو هنية ("تنظيم حُرّاس الدين")، كامتداد لتنظيم "القاعدة" في سوريا:
- خالد العاروري (أبو القسام الأردني): قُتِل في إدلب عام 2020.
- اياد الطوباسي (أبو جلبيب الأردني): قُتِل في درعا عام 2018.
- بلال خريسات (أبو خديجة الأردني): قُتِل في إدلب عام 2019.
- ساري شهاب (خالد المهندس): قُتل في إدلب عام 2019.
جَذْر التكفير في الأردن اجتماعياً وفكرياً
يبدو أن البيئة الوهّابية لا تقتصر على جذورها النجدية والقَطَرية، فثمة ما يؤشر على أنها وجدت بيئة ما في الأردن. فماذا عن الأسباب الاجتماعية لها، وماذا عن سِماتها؟
من جهة أولى، نعرف أن المناهج خضعت لهذه الظاهرة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، بعد انحسار المد القومي عام 1970، والانقلاب الساداتي الرجعي النفطي على الناصرية.
وحدث في الأردن، أن ترافق إلغاء كِتاب الفلسفة، وكِتاب تاريخ الحضارات القديمة في الشرق (بابل وسومر وآشور وأوغاريت وكنعان والبتراء والأهرام... إلخ)، مع فرض كِتاب مدرسي لأهم مراجع الوهّابية في العالم: أبي الأعلى المودودي.
وليس بلا معنى أن يستمر هذا التأثير حتى عام 2021، عندما سمعنا من البعض تحفُّظاً على مصطلح الفلسفة خلال لقاء جمع وزارة الثقافة والجمعية الفلسفية الأردنية. كما نعرف من ذاكرة الوطنيين الأوائل أن خبيراً ألمانياً شهيراً كان يصف الشيوعيين والقوميين بالكفّار.
من جهة ثانية، فإن الأردن، كما عدد من شظايا "سايكس – بيكو" والهويات الكيانية المختلَقة والمقتطَعة من لحم الأُمة، كان صورة أخرى من صور المجاميع الرملية الكيانية العربية وتعبيراتها السياسية والأيديولوجية والاجتماعية (الرمل، كما يقول أرنست رينان، لا يذوب ولا يندمج)، ويمكن تكديسه على شكل هويات وكيانات.
فالأردن، كما غيره، لم يولَد استجابة لمصالح برجوازية محلية، على غرار الدولة القومية البرجوازية في أوروبا (دولة وستفاليا)، ولا في سياق أيّ شروط موضوعية للدولة المعاصرة، وهي الدولة القومية المدنية، بل في سياقات خارجية، كما معظم البلدان العربية. ولم يتمكن، مثلها، من توفير الشروط المعاصرة لتحويل المجاميع الرملية ما قبل الرأسمالية (طوائف وعائلات وقبائل) إلى مجتمع مدني ضمن تشكيلات طبقية.
ومع التحفُّظ على القراءات الاستشراقية فيما يخص البنى الاجتماعية في الشرق، إلاّ أن المجتمعات التي تقطَّعت بها السبل بين حالة الطبيعة الأولى (ما قبل الدولة والمجتمع والهوية المدنية) و"حالة الحضارة" (الثورة الصناعية البرجوازية في أوروبا وأميركا، والثورة الاشتراكية في الصين وتعبيراتها: العقل النقدي الشكّاك، المواطَنة ضمن تشكيلات طبقية، العقد الاجتماعي الحديث)، توصَف من كل علماء الإثنولوجيا والاجتماع بمجتمعات الطفولة البشرية والمراهقة السياسية في التعاطي مع الشأن العام ومع الآخر، تبعيةً أو تكفيراً.
وغالباً ما تحتل استدعاءات ساذجة للموروث أهمية بالغة في المراهقة المذكورة المدجَّجة بالتأويلات والعيش في الماضي، ولاسيما في حالة الدفاع الجمعي وميكانيزماته في لحظات الأزمات والانحطاط، وتراجع الحركات الوطنية والقومية واليسارية الراديكالية، كما في المجتمعات التي لم تدخل الأزمنة الحديثة، اجتماعياً وثقافياً وفكرياً، بما في ذلك القدرة على إنتاج ذائقة متحضِّرة للفنون والآداب الرفيعة (فيروز وسيد درويش والنحات محمود مختار والأدباء الكبار، عربياً وعالمياً).
أما السِّمات المشتركة لمجاميع الطفولة الرملية والمراهقة الأيديولوجية والتأويلية المرتبطة بها، تبعيةً أو تكفيراً، فأبرزها:
1- ظاهرة الدهماء، الذين يُقادون من أشخاص مبرمَجين وفق أجندة سياسية، ولاسيما المقاربات المهمة لغوستاف لوبون في "سيكولوجيا الجماهير".
2- تلازُم ظاهرة النيكروفيليا (عشق الموتى) مع ظاهرة النوستالجيا (الحنين المفرط إلى الماضي).
3- غياب ثقافة الاختلاف والحوار، والتي تحتاج إلى مجتمعات مدنية متطورة، في مقابل ثقافة الكراهية والتكفير، والتي تزدهر في بيئات التخلُّف والنقص الاجتماعي والتطور الكولونيالي المشوَّه.
4- الانفصام، ولعله أكثر وضوحاً وحِدّةً ومرضاً لدى المتعصِّبين ومفاتيح الحملات المعروفة، وذلك باستدعاءات متناقضة من الموروث وتأويلاته، بحسب أجندة محدَّدة. فهم، من جهة، أقرب إلى ابن تيمية من غيره من سادة التأويلات، وهم، من جهة أخرى، على نقيضه عبر الاستخدام المفرط والعفوي، لما يعرف بالقياس الأرسطي الصُّوَري أو الشكلي الفاسد، لعدم احترامه الزمانَ والمكان والسياقات التاريخية الخاصة، وهو القياس الذي نهى عنه ابن تيمية نفسه.
ولو أخذنا إردوغان والموقف نفسه، كعيِّنة دراسية عشوائية، فهو أولاً تعبير عن حالة قياس صُوَري، وهو ثانياً صورة عن انفصام مريع. ولا يريدون أن يفكّروا، في لحظة واحدة، في أن هذا "البطل" يحتفظ بأكبر سفارة للعدو الصهيوني في بلاده، وبعشرين قاعدة عسكرية أميركية، فضلاً عن كون تركيا عضواً أصيلاً في الحلف الأطلسي والنظام الرأسمالي العالمي (الاقتصاد التركي اقتصاد رأسمالي، وليس اقتصاداً إسلامياً). وعندما يردّد زعماؤهم أن إردوغان ورث كل ذلك عن سابقيه، لا يقول هؤلاء الزعماء إن المؤسس الحقيقي، بين السابقين، للعلاقات بالعدو الصهيوني والحلف الأطلسي والبنك الدولي، هو عدنان مندريس، الأستاذ الأعظم لإردوغان.
كما ينسون لعبة القياس مع تشافيز المسيحي، والذي نسف سياسات سابقيه، ومنها إغلاق سفارة العدو الإسرائيلي في فنزويلا، وأكثر من قاعدة أميركية فيها، كما أوقف الاتفاقيات مع البنك الدولي، حجر الزاوية في الاقتصاد التركي.
يُشار أخيراً، إلى أن البيئة الوهابية وثقافتها المغرَمة بتركيا الإردوغانية، هما اللَّتان حظيتا مبكّراً بدعم الاستخبارات البريطانية في شركة الهند الشرقية ضد تركيا العثمانية، والتي جرى تكفيرها من الوهابية، وكادت تسقط إسطنبول تحت الضربات الوهابية لولا الجيوش المصرية، التي أرسلها محمد علي من أجل دكّ الدرعية، وإرسال رؤوس قادتها الوهابيين في سِلال من التمر إلى السلطان العثماني.
موفق محادين: الميادين
إضافة تعليق جديد