الثورة الدموية للسي آي إيه في سوريا 2/2
الجمل- جوي كوين – ترجمة عاصم مظلوم: في نيسان 2011، عرض التلفزيون الحكومي السوري اعترافات 3 رجال تم اعتقالهم بشبهة التطورط بهجمات على مدنيين وقوات حفظ النظام السورية. أنس الكنج عرّف عن نفسه كقائد مجموعة إرهابية مسلحة واعترف بتلقيه السلاح والأموال من النائب اللبناني جمال الجراح عبر وسيط. أحمد العودة اعترف بكونه عضو في تنظيم الإخوان المسلمين المحظور.
في اعترافاته، أقر الكنج بتلقيه تعليمات "لتحريض الناس على التظاهر، بشكل خاص خارج الجامع الأموي في دمشق"، وقيامه في مدن درعا، اللاذقية وبانياس بتحريض الناس على "إسقاط النظام والقيام بأعمال تخريبية". كما نقلت وكالة فرانس برس عن صحيفة الثورة السورية اعتراف الجراح بتلقي تعليمات "بفتح النار على المتظاهرين لزرع الفتنة وإيهام الناس بأن قوى الأمن تطلق النار على المتظاهرين".
في كانون الأول 2011، صرحت مترجمة (تركي –أرمني) سابقة لمكتب التحقيقات الفيدرالي ومؤسسة تحالف (NSWBC)، سيبيل إدموندز بأنه وفقا لمصادرها "قامت مجموعات مسلحة من الأجانب، يقدر عددها بمئات المقاتلين، بالانتشار في محيط القرى الواقعة قرب مدينة المفرق الأردنية وهي قرية محاذية للحدود السورية الأردنية."
"حسب مصدر عسكري أردني طلب عدم ذكر اسمه، تم رصد مئات من المقاتلين غير العرب خلال يومين في تلك المنطقة يتنقلون بسيارات عسكرية بين قاعدة الملك حسين الجوية والمفرق (10 كم من الحدود السورية)وفي محيط القرى الأردنية المحاذية للحدود السورية."
في كانون الثاني 2012، نشر موقع 'Elite UK Forces' تقريرا يقول: (.... توجد مؤشرات متصاعدة عن قيام القوات الخاصة البريطانية بمساعدة قوى متحالفة ضد الدولة السورية بشكل أو بآخر).
توالت التقارير منذ ذلك الحين التي تشدد على حدوث اجتماعات بين القوات الخاصة البريطانية مع أعضاء من الجيش السوري الحر وهو الجناح العسكري للمجلس الوطني السوري. الهدف من تلك الاجتماعات كان تدعيم قوة المتمردين وتمهيد الطريق لتدريبهم في المستقبل.
أكدت أحدث التقارير قيام القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية بتدريب متمردي "الجيش السوري الحر" في إحدى القواعد التركية. كما تؤكد بعض التقارير أن قواعد التدريب تنتشر في أماكن أخرى في ليبيا وشمالي لبنان. كما ذكرت تقارير أيضا قيام عملاء ميدانيين من المخابرات الخارجية البريطانية والقوات الخاصة البريطانية بتدريب المتمردين على حرب المدن بالإضافة إلى مدهم بالسلاح والعتاد. أما عملاء السي آي إيه والقوات الخاصة الأمريكية فمن المرجح قيامهم بتوفير الاتصالات لحركة التمرد، وقد نشرت صحف بريطانية أخرى ذات القصة. في المرحلة الحالية نجد أن نمط الأحداث الجاري يعكس تماما الحالة الليبية حيث قامت القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية بالتحرك على الأرض قبل بدء الناتو بعمليات القصف الجوي.
يشغل روبرت فورد منصب السفير الأمريكي في سوريا منذ 2010، وكان قبل ذلك المستشار السياسي في السفارة الأمريكية في بغداد من 2004 وحتى 2006 وعمل بإمرة جون نغروبونتي المسؤول عن تشكيل فرق الإعدام والموت. قبل مغادرته المؤقتة لسوريا في تشرين الأول 2011 بسبب ما قيل أنها مخاوف على سلامته بعد قيام السوريين بضربه بالبيض واتهام الاعلام السوري له بالإشراف على تشكيل فرق الموت في سوريا. بعد نجاح فورد في مهمة تأسيس فرق الموت هناك من المتوقع أن يعود إلى العراق كسفير لأمريكا.
المثير للاهتمام هو انطلاق "الثورة" السورية كان من مدينة صغيرة نسبيا على الحدود الأردنية، درعا، بدلا من أن تنطلق من مدينة كبيرة كدمشق أو حتى حمص. منذ البداية قامت وسائل الاعلام العالمية بعمليات تضليل وتلفيق ممنهجة لإظهار حجم المظاهرات المعارضة بشكل يفوق بكثير حجمها الحقيقي، كما اعتمدت على تقارير منحازة لا تتمتع بالصدقية من ناحية عدد القتلى والاصابات.
على سبيل المثال، كافة التقارير تقريبا عند بداية الأزمة في درعا في آذار ادعت قيام الشرطة بمهاجمة المظاهرات المعارضة، لكن من الذي قام في هذه المظاهرات التي يدعي الجميع أنها سلمية أطلق النار وقتل 7 عناصر شرطة؟
ومالذي كان من المتوقع أن تقوم به الحكومة السورية حيال عمليات القتل تلك؟
بعد مشاهدة تعامل الشرطة الأمريكية مع المظاهرات السلمية فعلا، كمظاهرات احتلوا وول ستريت، يمكننا أن نتخيل ما ستقوم به الحكومة الأمريكية في حال تعرض عناصر الشرطة في أمريكا لإطلاق النار من قبل المحتجين.
بحسب ديبورا آموس من الإذاعة الوطنية: "ذكر الاعلام السوري وقوع معارك شديدة في جسر الشغور قرب الحدود التركية، حيث قامت جماعات مسلحة بلإطلاق النار على قوى الأمن باستخدام الأسلحة الرشاشة، وأضرمت النار في المباني الحكومية، وفي بث حي ذلك المساء اتصل أحد سكان تلك المنطقة وناشد الدولة إنقاذ البلدة من تلك العصابات."
من الملاحظ أن التقارير التي تتحدث عن أشد المواجهات تأتي من مناطق حدودية، وهذا بحد ذاته مؤشر قيام الجماعات المسلحة بشن هجماتها عبر تلك الحدود، تركيا من الشمال، الأردن من الجنوب، وبالطبع العراق تحت الاحتلال الأمريكي من الشرق. كما أن "مناطق التوتر" هي درعا على الحدود الأردنية، تلكلخ، خمص، تلبيسة والرستن قرب الحدود اللبنانية، وجسر الشغور قرب الحدود التركية. كما ذكر موقع البوابة أن 600 مقاتل انتقلوا فعلا من ليبيا إلى سوريا بهدف دعم "الجيش السوري الحر".
في 23 كانون الأول وقعت هجمتان انتحاريتان قرب مراكز أمنية في دمشق وقتل 44 شخصا معظمهم من المدنيين. من الواضح أن الهجوم استهدف مقارا حكومية، لكن ما نوع الثورة الشعبية التي تستهدف المدنيين وتقتلهم بدون تمييز؟؟!!
هذا النوع من التفجيرات الانتحارية كانت (ولا زالت) من خصائص محاولات القوى الأمريكية في ترويع السكان لتبرير التدخل الأجنبي والاحتلال. تم تحقيق الغاية المرجوة في العراق، فهل هي قابلة للتحقق في سوريا؟
تم إرسال بعثة المراقبين العرب إلى سورية وأعضاء البعثة من دول عربية مختلفة، وقامت البعثة بتقديم تقريرها عن الأوضاع في سوريا. بالطبع لم يسمع الكثيرين بمحتوى التقرير لأن دمى أمريكا وإسرائيل في العالم العربي ( مملكة آل سعود ومشيخة قطر، والإمارات مثلا) ووسائل الاعلام الغربي قامت بالتعتيم على محتويات التقرير بهدف خدمة المخطط الغربي.
نتائج التقرير كانت مثيرة للدهشة لمن يتابع وسائل الاعلام الكبرى لأنها تناقض كل ما تنشره عن سوريا، ولهذا السبب بالضبط تم التعتيم على التقرير.
من الواضح أن "الجيش السوري الحر" ومجموعات "المعارضة" لا تقاتل من أجل مصلحة الشعب السوري، بل من أجل مصلحة من يتعالى صوتهم ويدفعون أكثر من أجل إسقاط النظام.
ألاعيب وسائل الاعلام
خلال أسابيع على انطلاق "ثورة" السي آي إيه في سوريا، قامت الحكومة السورية بإخراج معظم الصحفيين الأجانب وراقبت بشكل مكثف تحركات من بقي منهم. قيام الحكومة بذلك أمر مبرر تماما نظرا لطبيعة الإعلام الغربي، فهو الذراع الدعائية لبناة الامبراطوريات. لكن لسوء الحظ، اتضح أن الحكومة السورية لم تكن تدرك تماما مدى تغلغل السي آي إيه في سوريا.
مع صعوبة أو قلة الوصول إلى المعلومات من داخل سوريا، بنت وسائل الاعلام الغربي تقاريرها تحت تسمية "ناشط معارض"، وهذه التسمية بكل صراحة قد تكون لأي شخص، إضافة إلى ما يسمى "اتحاد تنسيقيات سوريا" الذي يدعي جمع المعلومات من التنسيقيات المحلية كغطاء اعلامي، الغريب في الأمر أن مواقع تلك التنسيقيات هي في ألمانيا وصاحب تلك المواقع اسمه أندرياس بيرتش.
بشكل مختصر، الحصول على معلومات حقيقية عن ما يجري فعلا في سوريا أمر صعب للغاية، ونظرا لأننا نتعامل مع عملية سرية مدعومة من السي آي إيه تهدف إلى إسقاط النظام، يحق لنا بكل تأكيد أن نشكك بالتقارير التي تدعي قيام قوى الأمن والشرطة السورية بقتل المدنيين بلا تمييز. علينا أن نتذكر المزاعم الكاذبة التي تؤجج المشاعر عن موت الأطفال في الحاضنات في العراق والتي أدت من ضمن غيرها إلى غزو العراق الأول، وأكاذيب أسلحة الدمار الشامل التي أدت إلى غزو العراق مرة أخرى، كما يجب أن لا ننسى الشهادات الكاذبة عن قيام القذافي بقصف الشعب الليبي.
الحرب النفسية على الشعوب
بمناسبة الحديث عن اختلاق القصص، نحن نتعامل هنا مع أسلوب يسمى في المصطلحات العسكرية باسم "الحرب النفسية"، وهي نوع من الحروب يهدف إلى التأثير على منظومات الجمهور المستهدف، منظومة القيم، الإيمان، المشاعر، الدوافع، المنطق، أو السلوك. يتم ذلك عادة عبر اختلاق الأكاذيب وتسويقها على أنها الحقيقة. تأخذ هذه العمليات أشكالا عدة، وفي عصر الانترنت العصري الحالي تدرك أجهزة المخابرات بمختلف أشكالها الحاجة إلى نشر إشاعاتها عبر الفضاء الافتراضي.
أحد أهم الأمثلة عن الحرب النفسية عبر الفضاء الافتراضي هو مثال من سوريا يتلخص بحالة "أمينة عارف – الصورة أعلاه"، ادعت أنها مدونة سورية سحاقية تعيش في دمشق، وسطع نجمها في النصف الأول من العام الماضي بسبب آرائها الصريحة حول ميولها الجنسية، وتدني الحريات في سوريا وانتقادها العلني للرئيس الأسد. في أوائل حزيران 2011، قام من ادعى أنه ابنة عمها بنشر خبر على مدونتها لإعلام معجبيها بقيام أشخاص مسلحين باختطاف أمينة. انضم آلاف المناصرين لقضيتها إلى مجموعات احتجاج حول العالم بعد قيام وسائل الاعلام بالتقاط الخبر ونشره على نطاق واسع.
لكن خلال بضعة أيام، وبعد متابعة عنوان المخدم الذي تستخدمه، تبين أن السحاقية السورية المدونة والمعارضة كانت في الحقيقة رجل أمريكي ملتحي اسمه توم ماك ماستر يكتب من منزله في أدنبره. ما سبب قيامه بذلك؟
برر توم عمله بحب الشهرة قائلا أنه لم يكن يتخيل يوما أن يحظى بمثل هذا المستوى من الاهتمام. لكن هذا لا يفسر قيامه بخداع سيدة كندية وإيهامها طيلة 6 شهور بأنها على علاقة طويلة الأمد مع "أمينة السورية"، أو إنشاؤه لعشرات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي باسم أمينة منذ عام 2006، أو إجراءه لمقابلة عبر البريد الالكتروني مع فناة سي إن إن الأمريكية. بل إن صورة أمينة المفترضة هي صورة لفتاة كرواتية مهاجرة تعيش في المملكة المتحدة.
اللافت للنظر، أنه أثناء فترة تفاعل "أمينة" عبر موقعها الالكتروني، قامت بنشر صورة لوحة طرقية في دمشق تحمل صورة الرئيس الأسد. تم أخذ الصورة من صفحة "بريتا فرويلشر" على الفيس بوك وتحمل تاريخ 2006 وهو العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة سرا بتمويل المعارضة السورية.
في مقابلة مع الواشنطن بوست، تبين أن توم تجاوز الأربعين، أمريكي متزوج من بريتا فروليشر، وأظهرت بيانات السجل العقاري المحلية أنه يمتلك منزلا في جورجيا منذ عام 2000 وأن زوجته عاشت هناك حتى تاريخ مغادرتهما إلى اسكتلندا عام 2010، وكلاهما يدرسان في جامعة أدنبره لنيل الدكتوراة في مجال تنمية الاقتصاد السوري!
نال توم منحة كاملة من جامعة إيموري جورجيا وتخصص بالدراسات العربية، سافر لاحقا إلى الأردن وسوريا لتحسين لغته العربية كما قال شقيقه سام.
قام موقع الانتفاضة بالاتصال مع توم، لكن توم رد بالقول أنه ليس المدونة التي يبحثون عنها، ولا علاقة له أو لزوجته بالمدونة المذكورة. لكن خلال بضعة أيام اضطر للاعتراف وفر فورا إلى تركيا، وليس أي بلد آخر. فهل هما مجرد زوجين غبيين أم عميلي استخبارات متخصصين بالحرب النفسية؟
الأكثر غرابة أن أول من نشر الخبر الكاذب عن اعتقال المدونة "أمينة" على يد قوى الأمن السورية كانت لجنة التنسيقيات السورية.
حكومة بالوكالة في المنفى
كما كان الحال في أفغانستان والعراق وليبيا، أول بند في خطة المخابرات المركزية الأمريكية لمحاولة إسقاط أي نظام هو تشكيل حكومة في المنفي، حكومة وليدة من المتعصبين اليمينيين و/أو مجرمين محكومين.
في أوائل العام الماضي تم إنشاء "المجلس الوطني السوري" في مقر السي آي إيه في تركيا. لنعرف ماهية تلك الحكومة علينا أن نقرأ تعليقات برهان غليون رئيس المجلس: "قطع العلاقات العسكرية مع إيران وقطع تزويد السلاح عن حزب الله وحماس وإقامة علاقات مع إسرائيل".
هذه الحقيقة بحد ذاتها تشير إلى دعم ودفع إسرائيلي لإسقاط الأسد، فبوجود حكومة مؤيدة لأمريكا وإسرائيل في سوريا سيتم قطع خط السلاح لحزب الله وحماس مما يفسح المجال أمام إسرائيل للتعامل بحرية مع "المشكلة العربية".
حكومة عالمية واحدة
متمردوا ليبيا تمكنوا من استدعاء تدخل الناتو عبر همجيتهم وعمليات القتل الوحشي والتعذيب للناس أينما حلوا. تقوم المجموعات المسلحة الآن بإعادة تلك القصة الرهيبة مرة أخرى ولكن روسيا والصين استخدمتا حق النقض ضد قرار أمريكي بريطاني يطالب بحرب للناتو على المدنيين السوريين، بينما قالت كلينتون أنها تشعر بالاشمئزاز من الفيتو المزدوج... كلينتون قادرة على الاشمئزاز؟ لإنها مسبقا غارقة في دماء السوريين حتى الرقبة، ولهذا السبب دعت أمريكا لخلق تحالف أصدقاء سوريا لدعم المعارضة، وهو بالضبط ما قامت به أمريكا في العراق بعد فشلها في الحصول على تفويض من الأمم المتحدة بغزو العراق. والنتيجة 1.5 مليون قتيل عراقي عدا المهجرين والمعاقين والمشوهين.
عند التعمق في كل ما سبق، نجد أن صناع القرار الفعليين في الغرب يخرجون من الباب ليعودوا من النافذة بغض النظر عن الإدارات المتعاقبة، والمؤكد الوحيد في عالم يجهل في الأغلبية حقيقة الأوضاع والأمور أن المتعطشين للسلطة والدماء سيحاولون المستحيل للوصول إلى هدفهم بغض النظر عن كم الأكاذيب التي سيقومون بنشرها أو الأرواح التي سيقومون بإزهاقها. مصير سوريا مرتبط بقوة بمصير إيران. مصير الصين وروسيا بدوره مرتبط بقوة بمصير إيران، والعالم في حالة من الفوضى لكن الثوابت لازالت كما هي. الأحداث العسكرية والسياسية التي وقعت في الأعوام الأخيرة الماضية، بما فيها إراقة دماء السوريين وتهديد إيران بالسيف هي في واقع الحال تمويه على خطر أكبر يتهدد البشرية، خطر المتعطشين للسلطة والدماء.
المصدر: Sott.net
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد