الكشافة :اسسها جنرال بريطاني نال أوسمة واتهم بالتجسس
اليوم الاول من أغسطس (آب)، سيجتمع آلاف الممثلين لفرق الكشافة من مختلف انحاء العالم في جزيرة «براونسي»، على الساحل الجنوبي لانجلترا، بمناسبة مرور مائة سنة على تأسيس اول فرقة للكشافة في العالم، في نفس الجزيرة. ستمتد الاحتفالات لأسبوع، وستكون نموذجا لما يفعل الكشافة في كل مكان: في اول يوم سيتلقون امر بداية المعسكر، ومعلومات عن اجتماعهم، وهدفه، وتنظيمه، وبرنامج كل يوم. في ثاني يوم سيقسمون الى مسؤولين عن الخيام، وامدادات الاكل والشراب والنظافة. في ثالث يوم سيجرون سباقات ومنافسات رياضية. وفي رابع يوم سينتشرون في الجزيرة، يراقبون الحيوانات، ويدرسون سلوكها، ويلتقطون صورها، وفي المساء ينظرون الى النجوم ويدرسونها. وفي خامس وسادس وسابع يوم سيشتركون في ندوات عن الاخلاق، والشرف، والولاء، واحترام المرأة، وسيجرون تجارب عن الاسعافات الاولية، ومواجهة كوارث، مثل فيضانات واعاصير، وسيستمعون الى محاضرات عن تاريخ الحركة الكشفية (ذي الصلة الوثيقة بالامبراطورية البريطانية). أما في اليوم الثامن والأخير سيحتفلون بالذكرى المئوية.
قبل مائة سنة، نظم روبرت بايدن باول، جنرال في الجيش البريطاني، اول معسكر كشافة في التاريخ، في نفس جزيرة «براونسي». كان باول ينتمي الى عائلة ارستقراطية، ودرس في مدرسة ارستقراطية باقية حتى اليوم، وفيها تمثاله: مدرسة «جارتر هاوس» في انجلترا (بدأت فيها لعبة كرة القدم سنة 1863). ثم حارب مع القوات البريطانية في الهند وافريقيا.
وقضى سنوات في مالطا، «خبيرا» في علم الحشرات، يجمع الفراشات ويسجل انواعها وسلوكها. (قال بعض ناقديه انه كان، في الحقيقة، جاسوسا على ايطاليا التي كانت توحدت، وبدأت تتوسع مثل بريطانيا ودول اوروبية اخرى. وأكد زميله اللورد البريطاني كتشنر، الذي قاد احتلال السودان، انه كان جاسوسا).
قاد الجنرال باول، او اشترك مع قوات بريطانية في حروبات استعمارية توسعية في افريقيا: اخضاع قبيلة «اشانتي» في غانا، وقبيلة «ماتابيل» في زمبابوي، وهزيمة دولة «أورنج» في جنوب افريقيا (دولة بيضاء، اسسها الهولنديون، اول بيض وصلوا الى هناك، قبل مائتي سنة من البريطانيين). جعلته هزيمة الهولنديين بطلا في بلده. لأن هولندا كانت تنافسها في مستعمراتها التوسعية في افريقيا وآسيا (كانت هولندا احتلت اندونيسيا قبل ذلك بمائة سنة). ولأنه قاد «حصار مافيكنغ» في جنوب افريقيا. عاد الى بريطانيا بطلا، ونال ميدالية «ملكة جنوب افريقيا». وكان نال «نجمة اشانتي» و»درع ماتابيلي» و»صليب سنت مايكل» و»صليب سنت جورج» و»الوسام الفكتوري» عن انتصاراته في الهند وافريقيا.
اشتهر اكثر بسبب حصار «مافيكنغ»، والذي استمر 217 يوما. كان عدد جنوده داخل المدينة الفي جندي، مقابل ثمانية آلاف جندي هولندي حاصروهم من اطراف المدينة. لكن، فشل الهولنديون في دخول المدينة، واعترف بذلك رئيسهم كروغر. رغم انهم كانوا قطعوا خط التلغراف، وخط السكة الحديدية. وبعد فشل الحصار، قال الجنرال باول ان الفضل يعود «للاولاد»: صبيان تراوحت اعمارهم بين 12 و15 سنة، تطوعوا للقيام بالعمليات غير العسكرية (نقل الرسائل، واحضار الطعام، والنظافة). وكان اقام لهم معسكرات في خيام، والقى عليهم محاضرات عن حب بريطانيا وامبراطوريتها، وشجعهم للدفاع عنها.
هذا بالاضافة الى انهم «زرعوا القنابل ووضعوا الاسلاك الشائكة». في الحقيقة، لم تكن هناك الغام ولا اسلاك شائكة. ولكن قام «الاولاد» بتمثيلية وضعوا فيها حجارة تشبه الالغام، واغصان اشجار تشبه الاسلاك الشائكة. وصدق الاعداء ان المكان محصن تحصينا قويا، وكان ذلك من اسباب رفعهم الحصار، وانسحابهم. لهذا، عندما عاد الجنرال باول منتصرا الى بريطانيا، كتب كتاب «الاولاد»، اشار فيه الى بطولتهم في جنوب افريقيا. ثم كتب كتاب «الكشافة للاولاد»، وقال ان بطولاتهم جعلته يفكر في اقامة فرق تطوعية، تنظم نفسها، وتشترك في الاعمال المدنية. وفي اول معسكر في جزيرة «براونسي»، جمع عشرين صبيا يوم 8 أغسطس 1907، واجرى لهم منافسات ومسابقات، وعلمهم فنون نصب الخيام، واعداد الطعام، ونظافة المكان. وهكذا بدأت اول فرقة كشافة في العالم. واخلص لها الجنرال باول حتى كبر في السن، وسافر الى افريقيا لقضاء بقية عمره. وتوفي ودفن في ناييرى، في كينيا، سنة 1941، وكان عمره 83 سنة. ووضعت على قبره علامة فيها دائرة ونقطة، وهي، في لغة الكشافة: «عدت الى البيت» (الآخرة).
كانت اميركا تمر، مع بداية القرن العشرين، بما عرف «عصر التقدمية»، ولم تكن الكلمة تعني الفكر التقدمي المعروف حاليا (تطور هذا مع افكار مثل الشيوعية والاشتراكية). كانت «التقدمية» في ذلك الوقت تعني مواجهة مشاكل الانتقال من الريف الى المدن، حيث قلت العلاقات الاجتماعية، وتمددت الروابط العائلية، وقلت القيم الدينية، وزادت الطموحات المالية والمادية.
كان وليام بويس، مليونيرا وناشر صحف اميركي في شيكاغو، يتجول في شوارع لندن، عندما فقد طريقه في يوم ضبابي. وتطوع صبي يرتدي ملابس شبه عسكرية، وأرشده، لكنه رفض اي مكافأة مالية. وتعجب المليونير الاميركي، وعرف ان الصبي من فرقة الكشافة، ووصل، عن طريقه، الى الجنرال باول. وعاد المليونير الى اميركا ليؤسس اول جمعية كشافة. وقال انها ستكون الحل لمشاكل هجرة الناس الى المدن، وانخفاض القيم الاخلاقية والاجتماعية. حتى الآن، انضم اليها اكثر من مائة مليون صبي اميركي منذ التأسيس وحتى الان، وفي السنة الماضية وحدها انضم 120 الفاً، ليصير عدد المسجلين الفاعلين حاليا بالولايات المتحدة نحو 10 ملايين. ورغم ان قيادتها متفرغة، لكن كل نشاطاتها الباقية يقوم بها متطوعون. ومثل غيرها من كشافات العالم تهتم بالتعليم، والوطنية، والفخر، والرياضة، وطبعا، اقامة وادارة المعسكرات.
وضع المليونير بويس شعار الكشافة: «بي بريبيرد» (كن مستعدا). ووضع قسم الكشافة الذي يقول: «سأبذل كل ما اقدر لأداء واجبي نحو الله، ونحو وطني، ولاطيع قانون الكشافة. ولاساعد الآخرين في كل وقت، ولاحافظ على صحتي، وقوتي. ولاكون متفتحا عقليا، ومستقيما اخلاقيا». ووضع تحية الكشافة: مد الذراع الايمن الى الجنب، مع رفع اليد الى اعلي، في زاوية قائمة (دليلا على الاستقامة)، مع رفع الاصابع الثلاثة، وربط الابهام والبنصر (دليلا على الاستعداد). ولا تزال المصافحة باليد اليسرى، منذ اكثر من مائة سنة عندما صافح الجنرال باول الملك دينزولو، ملك قبيلة الزولو في جنوب افريقيا. كان الملك يحمي نفسه بدرع يحمله بيده اليمني، ولهذا صافح الجنرال باليد اليسرى. وصارت هذه عادة من عادات الكشافة.
منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم، انضمت اكثر من 80 مليون بنت اميركية للكشافة. وفي السنة الماضية، كانت هناك اربعة ملايين بنت اعضاء في الكشافة. ومثل الحال في بريطانيا، يزيد عدد الكشافات عن الكشافين. لماذا؟
قال جيف سنودن، في كتاب «تاريخ الكشافة في الولايات المتحدة»، ان البنات يقدرن على العمل التعاوني اكثر من الاولاد، ويفضلن الحياة المنظمة اكثر منهم، ويرين في خيمة الكشافة ونظافتها رمزا لبيت عائلة المستقبل.
لكن، واجهت الكشافة نفس المشاكل التي واجهها المجتمع الغربي: مثل عدم الحماس لاشتراك البنات في البداية. ومثل التفرقة العنصرية ضد غير الاوروبيين، وخاصة السود، وخاصة في اميركا حيث كانت التفرقة رسمية في ولايات كثيرة. مضى نصف قرن حتى اسس الاميركيون (سنة 1962) فرقة كشافة لاولاد بيض وسود مختلطين. وقال مارتن لوثر كينغ، القس الاسود الذي قاد حركة الحقوق المدنية: «وقت الضيق انصفنا اثنان: القوات المسلحة، والكشافة. وقت الضيق اثبت النظام انه احسن من الفوضى، ورجحت كفة حب الوطن على كفة الكراهية والعداء». وفي سنة 1975، صارت غلوريا سكوت اول سوداء تراس جمعية الكشافة النسائية الاميركية. وتوجد صلة وثيقة بهذا الجدل وبالجنرال باول. كان سرا (ولم يعد) ان الجنرال كان مثليا جنسيا. وكتب اكثر من كتاب عن هذا الموضوع: كتب جيم تيم كتاب: «الرجل الولد: حياة اللورد باول». وكتب مايكل روزنثال كتاب: «كشافة الاولاد وحاجات الامبراطورية». وكتب وليام هيلكورت، بالاشتراك مع ارملة الجنرال، كتاب: «حياتان متناقضتان لبطل». منذ ان حارب الجنرال في الهند، ارتبط مع كينيث ماكلارين، الذي وصفه واحد من هذه الكتب بأنه «كان جميلا بصورة غير عادية».
واشار كتاب آخر الى ان الجنرال تزوج وعمره 55 سنة، وان علاقته بزوجته «كانت غير جنسية». وان الزوجة «لبست ملابس اولاد، وقصت شعرها، وصغرت حجم نهديها لتكون اقرب الى الولد منها الى البنت». وقال كتاب ثالث: «حتى اذا لم يكن الجنرال مثليا جنسيا، كان مكبوتا، وهو، في هذا، لم يختلف كثيرا عن رجال العصر الفكتوري الذي نفر من اختلاط الاولاد بالبنات، والرجال بالنساء».
ومثلما اثارت المثلية مشكلة وسط اتحاد الكشافين، اثارت السحاقية مشكلة وسط اتحاد الكشافات. وقال بيان صدر قبل خمس سنوات: «نحن لا نتحدث عن الجنس، لاننا نراه موضوعا خاصا يهم كل بنت وعائلتها». وانتهت المشكلة، مؤقتا، بشعار «لا تسأل، ولا تجيب» (لا تسأل الكشافة البنت عن ميولها الجنسية، ولا تجيب البنت اذا سئلت). وهذا هو نفس الشعار الذي تطبقه القوات المسلحة بالنسبة للجنود المثليين جنسيا، وبالنسبة للجنديات السحاقيات.
دول الكشافة وفيما يلي قائمة بالدول الاكثر عضوية في الكشافة من المسجلين الفاعلين حاليا، وسنة التأسيس:
الولايات المتحدة: عشرة ملايين (1910)، اندونيسيا: تسعة ملايين (1912)، الهند: اربعة ملايين (1909)، الفلبين: ثلاثة ملايين (1910)، بريطانيا: مليون (1907)، بنغلاديش: مليون (1920)، باكستان: نصف مليون (1909)، المانيا: ربع مليون (1910)، ايطاليا: ربع مليون (1912)، فرنسا: 200,000 (1910)، مصر: 170,000 (1914)، نيجريا: 150,000 (1915).
محمد علي صالح
المصدر: الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد