الكنائس المسيحية وتاريخها في سورية (2 - 8)
الجمل - خاص :
المسيحية في القرن الرابع:
أهمية القرن الرابع:
يعتبر القرن الرابع قرناً مصيرياً بالنسبة للمسيحية، ففيه انتهى الاضطهاد الرسمي في عهد الإمبراطور قسطنطين (وإن كان قد عاد في زمن بعض الأباطرة بعده بشدة متفاوتة كما في زمن جوليان الجاحد)، وفيه ابتدأت البدع الكبرى، وعقدت أوائل المجامع المسكونية.
قسطنطين ومرسوم ميلانو:
كي لا ندخل في تفاصيل التاريخ السياسي للإمبراطورية الرومانية، نكتفي بالإشارة إلى أنه في نهاية القرن الثالث الميلادي تعاقب على حكم الإمبراطورية عدة أباطرة، ووصلوا جميعهم إلى الحكم عن طريق جنودهم، وعندما أصبح ديوقليتيانوس إمبراطوراً في عام 284م رغب بجعل جلوس الإمبراطور أمراً مدنياً لا علاقة للجيش به، فأسس نظام الحكم الرباعي الذي قسم بموجبه الإمبراطورية إلى جزئين غربية وشرقية، وجعل حاكماً على كل منها إمبراطوراً يحمل لقب أوغسطس، وقسم كل جزء إلى قسمين ووضع نائباً لكل إمبراطور قيصراً، بحيث يحكم الإمبراطور أحد الأجزاء مباشرة ويحكم القيصر الجزء الثاني، وفي حال وفاة الإمبراطور أو اعتزاله يصبح القيصر إمبراطوراً ويعين قيصراً بدلاً عنه، وكان كل من الحكام الأربعة سيداً في نطاق إقليمه، ولكن سلطتهم المتحدة امتدت على الإمبراطورية بأكملها، وكانت القرارات والأوامر تصدر باسمهم جميعاً.
وهكذا نرى الإمبراطورية الرومانية في بداية القرن الرابع على الشكل التالي:
- القسم الشرقي:
قسم يضم آسيا الصغرى وسوريا ومصر وعاصمته نيقوديميا على الشاطئ الأسيوي للبوسفور ويحكمه الإمبراطور ديوقليتيانوس أوغسطس.
قسم يضم إليريا والبلقان وعاصمته سرميوم (بلغراد الحالية) ويحكمه القيصر غلاريوس.
- القسم الغربي:
قسم يضم إيطاليا وشمال إفريقيا وعاصمته ميلانو ويحكمه الإمبراطور مكسميان أوغسطس.
قسم يضم غاليا وإسبانيا وبريطانيا وعاصمته تريف على نهر الراين ويحكمه القيصر قسطنطيوس والد قسطنطين(1)
في زمن حكم ديوقليتيانوس أوغسطس للشرق وبداية القرن الرابع، قام الاضطهاد العاشر الكبير للمسيحية وهو الأخير بحجمه، وذلك بتشجيع من قيصره غلاريوس الذي بدأ باضطهاد جنوده المسيحيين قبل إعلان الاضطهاد رسمياً، فأوقع بعدد كبير منهم لدى عودته ظافراً من حرب فارس، وبين هؤلاء الضابطان سرجيوس وباخوس اللذان أهانهما الحاكم وألبسهما ثياب النساء للسخرية منهما، ثم استشهد باخوس أولا وتبعه سرجيوس بعدما قاسى عذاب مسامير حديدية مسننة محمّاة بالنار سمرت في حذائه وأكره على المشي بها مسافات طويلة، وتم استشهادهما في مقاطعة الفرات فدعيت المدينة القريبة لاحقاً سرجيوبوليس تكريماً لهما (الرصافة)، وبنيت كنيسة فاخرة على اسمهما كانت مشهورة خصوصاً بين المسيحيين العرب الذين كانوا يحجون إليها عصوراً عديدة(2). كذلك فإن روايات التقليد تجمع على استشهاد القديس جاورجيوس والقديسة بربارة أثناء الاضطهاد العاشر في عام 303م، ولكنها تختلف في مكان الاستشهاد حيث يشير البعض إلى استشهاد جاورجيوس في مدينة اللّد، واستشهاد بربارة في بعلبك، أما آخرين فيجعلونهما من شهداء آسيا الصغرى (3). ومن شهداء عام 312م في عهد مكسيمنوس مار اليان الحمصي الذي امتهن الطب عندما اشتدت وطأة الاضطهاد والتعذيب ليستطيع زيارة السجون ويخفف آلام المضطهدين ويرشد الضالين، ثم قبض عليه وسمرت رأسه ويديه ورجليه وزجّ في مغارة خارج البلد حتى فاضت روحه، وبنيت كنيسة على اسمه في حمص (4).
واستمر الحكم الرباعي دون نجاح كبير وتبدل الأباطرة والقياصرة واحتدمت الخلافات بينهم، حتى نرى أنه في عام 309م كان هناك ستة حكام يحملون لقب أوغسطس، ثم انفرد قسطنطين وليسنيوس بالحكم من عام 312م، قبل أن تنشب الحرب بينهما وينتصر قسطنطين على منافسه عام 324م بعد معركتي أدرنة وكريسبوليس، وينفرد بالحكم.
اجتمع في أوائل عام 313م قسطنطين وليسنيوس في مدينة ميلانو وتبادلا الرأي واتفقا على إعلان حرية المعتقد في جميع أنحاء الإمبراطورية، فأصدرا ما أصبح يعرف بمرسوم ميلانو.
ولاحقاً لمرسوم ميلانو عم السلام جميع الكنائس في الإمبراطورية الرومانية وعندما انفرد قسطنطين بالحكم رعى الكنائس وأشرف على تنظيمها وحل الخلافات بينها ودعى إلى عقد المجامع. (5)
يختلف المؤرخون حول تنصر قسطنطين، فمنهم من يعتبره مسيحياً تاماً منذ بداية حكمه، ومنهم من قال بأنه تلقّى العماد فقط قبل موته، ومنهم من يؤكد بأنه لم يعتمد أبداً وبقي وثنياً دائماً ولكنه كان متعاطفاً مع المسيحيين بتأثير من والدته هيلانة مكتشفة الصليب المقدس والمؤكدة مسيحيتها. الذي يبدو واضحاً بأن قسطنطين كان سياسياً حذقاً حاول أن يجمع كافة فئات شعبه حوله فأرضى المسيحيين والوثنيين معاً، فنراه يصدر مرسومين في وقت واحد، الأول ينص على الاهتمام الشديد بيوم الأحد فيفرح المسيحيون والثاني يحضّ على استشارة العرّافين فيبتهج الوثنيون (6)
يروي التقليد الكنسي بأن قسطنطين وقبل حربه ضد أحد منافسيه مكسنتوس عام 312م على أبواب روما، رأى في السماء شارة الصليب وحرفي "خي" و "رو" اليونانيين الذين يعنيان الحرفين الأولين من اسم المسيح باليوناني "خريستوس"، فاتخذ هذين الحرفين شعاراً للوائه في حروبه وأمر بنقشه على تروس رجاله، وبه تم له النصر (7)
قام قسطنطين ببناء عاصمة جديدة للإمبراطورية الرومانية في مكان بلدة بيزنطة على شاطئ البوسفور ودعاها القسطنطينية، وقد اختار مكانها في الوسط بين أوروبا وآسيا ليتمكن من ضرب البرابرة الذين كانوا يقطنون منطقة الدانوب ويراقب بعين ساهرة تحركات الفرس.
الآريوسية:
أوضحت الكنيسة ونظّمت بعض نقاط تعليمها في القرنين الثاني والثالث للتغلب على ما اعتبرته هرطقات مختلفة، ولكن البشر الذين أرادوا أن يفهموا تعليم الإيمان المسيحي حسب مبادئ العقل رأوا فيه نقاطاً كثيرة غير واضحة تماماً، فانفتح على هذه الصورة مجال واسع لأجل البحث والتفاوض والاجتهاد بشأن الحقائق اللاهوتية، وبخلاف القرون السابقة ونتيجة لاعتراف الحكومة بالديانة المسيحية على مستوى الإمبراطورية بكاملها، أصبحت البدع والانشقاقات تنتشر بسرعة وتؤثر في كافة أرجاء العالم المسيحي، وتقسم المسيحيين إلى فئات كل منها يدعو نفسه أرثوذكسياً ويدعو غيره هرطوقياً، وأخذت الحكومات تتدخل وتساهم في هذا الصراع وتقف أحياناً إلى جانب الهراطقة.
وكان لتعاليم آريوس (270 – 336م) أثر ونتائج أكبر من جميع البدع والشيع التي سبقته، وآريوس هو كاهن إسكندري من أصل ليبي تشرب تعاليم لوقيانوس الإنطاكي الشهير المشكوك في أرثوذكسيتها، وابتدأ ينشر مبادئه في مصر ثم تنقّل ونشرها في كافة أرجاء الشرق ومنه انتقلت إلى أوروبا وبقية أنحاء الإمبراطورية.
قال آريوس بأننا إذا قبلنا بأن أقانيم الثالوث الأقدس لهم استحقاق إلهي واحد وبالإجمال متساوون فيما بينهم، عندئذ يكون لدينا ثلاثة آلهة وهذا ضدّ إيمان الكنيسة في الله الواحد، وإذا اعترفنا بأن أقانيم الثالوث الأقدس لهم جوهر إلهي واحد عندئذ لا يكون بينهم تمييز وعدم التمييز يقود إلى مزج الأقانيم الثلاثة في واحد ورفض التثليث. ولأجل الخروج من هذا التناقض رأى آريوس بأن الابن مخلوق خلقه الآب في أول خلائقه وهو الواسطة التي خلق بها العالم، فليس مساوياً لأبيه في كل شئ وليس أزلي، وحيث أنه مخلوق فهو معرض لشروط المحدودية والتغيير، فالله وحده هو الإله الحقيقي بالمعنى الخاص الصارم، وابن الله والروح القدس كائنات إلهية بالدرجة الثانية فقط لها طبيعة تتميز عن طبيعة الآب وفي حالة خضوع له.
وانتشرت آراء آريوس بين الكثير من المؤمنين والاكليروس وعمّت كامل المنطقة، مما هدّد بانقسام خطير بين المسيحيين، الأمر الذي استوجب تدخل الإمبراطور قسطنطين عام 324م الذي حاول التوفيق بين الآراء فلم يفلح، فدعى إلى عقد مجمع في مدينة نيقية يضم كافة أساقفة المسكونة لبحث الأمر واتخاذ القرارات اللازمة، وهكذا عقد المجمع المسكوني الأول في نيقية عام 325م. (8)
مجمع نيقية المسكوني الأول (325م):
اختلف المؤرخون حول التاريخ الدقيق لأيام المجمع فمنهم من اعتبره افتتح في 20 أيار واختتم في 25 تموز، ومنهم من يقول بغير ذلك، كما اختلفوا حول عدد الأساقفة المشاركين فيه بين 250 و300 أسقفاً وقال بعضهم بأنه 318 أسقفاً كعدد خدام إبراهيم، وكان يرافقهم العديد من الكهنة والشمامسة. من ناحية أخرى يعتبر كل تقليد بأن أسقفه هو من ترأس هذا المجمع، فيجعله الإنطاكيون أوسطاثيوس أسقف إنطاكية، بينما يؤكد اللاتينيون بأنه كان هوسيوس أسقف قرطبة لأن أسقف روما لم يحضر بشخصه، وأخيراً فإن مصادر أخرى تشير إلى أوسابيوس صديق الإمبراطور.
ومن المؤكد بأن العدد الأكبر من الأساقفة كان من الشرق، وكان منهم أيضا أساقفة من بلاد ما بين النهرين، وبعض الأساقفة من الغرب، وانقسموا جميعاً بين أغلبية معادية لتعاليم آريوس وأقلية آريوسية بالإضافة إلى مجموعة معتدلة حيادية. وحضر الإمبراطور قسطنطين جلسة افتتاح المجمع وألقى كلمة باللاتينية ترجمت إلى اليونانية.
ليس لدينا معلومات دقيقة عن وقائع جلسات المجمع ولكن يبدو أنه مرّ بمرحلتين هامتين، حيث ناقش في الأولى مذهب آريوس وتطابقه أو اختلافه مع تعليم الكنيسة التقليدي واستقر الرأي على بطلانه وحرمان آريوس وأتباعه ونفيهم، أما المرحلة الثانية فقد أدّى فيها المجمع عملاً مبتكراً حيث ناقش صيغة موحدة للإيمان، بعد أن أصبح واضحاً بأن إعطاء براهين من الكتاب المقدس لا يمكن أن تحل المشكلة بشكل جذري، فما أن يستشهد المناوئون للآريوسية بآية من الكتاب المقدس حتى يجيبهم الآريوسيون بأخرى، فكان لابد من إيجاد المصطلحات التي تعبر حقاً عن الطبيعة المشتركة للآب والابن خارجاً عن النص الكتابي.
وهكذا وبعد مناقشات عديدة ومحاولة الآريوسين تحريف معاني بعض العبارات، استقر المجتمعون على استخدام عبارة "المساوي في الجوهر" التي تدحض كل تفسير آريوسي، فأعلن قانون الإيمان المعروف بالنيقاوي (بجزئه الأول) والذي لا يزال يستعمل حتى اليوم، وكان نصه:
"نؤمن بإله واحد، آب ضابط الكل، خالق كل الأشياء، كل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله المولود من الآب، المولود الوحيد، أي من جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب في الجوهر، الذي به كان كل شئ في السماء وعلى الأرض، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل وتجسد وتأنس وتألم وقام أيضاً في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء، وسيأتي من هناك ليدين الأحياء والأموات، وبالروح القدس، وأما الذين يقولون إنه كان زمان لم يوجد فيه، وإنه لم يكن له وجود قبل أن ولد، وإنه خلق من العدم أو أنه من مادة أخرى أو جوهر آخر، أو إن ابن الله مخلوق، أو إنه قابل للتغيير أو متغير، فهم ملعونون من الكنيسة الجامعة الرسولية."
نلاحظ بعض الاختلافات عن قانون الإيمان الذي نعرفه وذلك يعود إلى بعض التعديلات التي اعتمدتها المجامع اللاحقة لحل مشاكل بدع جديدة، وأهمها إلغاء الجزء الأخير بعد "وبالروح القدس" والاستعاضة عنه بالجزء الثاني من قانون الإيمان.
كذلك سنّ المجمع عشرين قانوناً لنظام الكنيسة وناقش وحل مشكلة جديدة في موضوع تعيين عيد الفصح.
ثم وقّع المجتمعون على أعمال المجمع (عدا أسقفين آريوسين) وعلى حرمان ومعاقبة آريوس (رفض توقيعها أيضاً بعض أصدقاء آريوس ممن وقع قانون الإيمان) وتم بعد ذلك نفي آريوس وأتباعه والمتعاطفين معه. (9)
مشكلة عيد الفصح ومجمع نيقية:
أولا يجب التأكيد على أن هذه المشكلة مختلفة عن مشكلة أواخر القرن الثاني وإن كان بعض الكتاب الحديثين قد خلط بينهما. كانت كنيسة إنطاكية تجاري اليهود في حسابهم لتعيّن الرابع عشر من نيسان وبالتالي عيد الفصح، وكانت السنة اليهودية تتألف من اثني عشر شهراً قمرياً في السنين البسيطة ومن ثلاثة عشر شهراً في السنين الإضافية، وكانت سنتهم الإضافية تعود سبع مرات في مدة تسعة عشر عاماً، وذلك لتقريب السنة القمرية من السنة الشمسية. وكانت كنيسة الإسكندرية قد غضت النظر عن حساب اليهود واتخذت لنفسها قاعدة خاصة فجعلت عيد الفصح يقع بعد أول بدر بعد الاعتدال الربيعي في الحادي والعشرين من آذار ووافقتها على ذلك كنيسة روما. ونتج عن تشبث كل من الكنيستين الشرقيتين بطريقتها الخاصة فرق في تاريخ عيد الفصح.
نوقشت هذه المشكلة في مجمع نيقية واتفق الآباء على اتباع قاعدة الإسكندرية وروما وكلف أسقف الإسكندرية بحساب عيد الفصح وأسقف روما بنشره في الأقطار. (10)
الآريوسية بعد مجمع نيقية:
لم تقض قرارات وإجراءات مجمع نيقية على الآريوسية، بل شجعت أتباع آريوس على العمل لكسب أكثر عدد ممكن من الأساقفة والشخصيات إلى آرائهم، وعمد الإمبراطور قسطنطين بعد انقضاء سنتين فقط على انعقاد المجمع إلى إعادة آريوس من منفاه ثم استدعاء باقي أتباعه وإعادتهم إلى مناصبهم، مما نستنتج معه أن قسطنطين الحاكم المحنك لم يكن يهدف سوى إلى المصالحة والتهدئة ولمّ شمل مواطنيه بغض النظر عن عقائدهم وأفكارهم.
واستطاع الآريوسيون بسرعة في عهد خلفاء قسطنطين السيطرة على أهم المراكز الأسقفية في الشرق كإنطاكية والإسكندرية وغيرها وحتى بعد وفاة آريوس عام 336م، وتعرض النيقاويون لاضطهادات متعددة من قبل الآريوسيين، وعدّل قانون الإيمان بحيث يرضي آراء الآريوسيين، وانقسم الآريوسيون إلى فئات عدة من حيث التطرف والاعتدال وكان المعتدلون قريبين من المذهب النيقاوي ولكنهم معادون للنيقاويين. وهكذا استمر الحال بتناوب الأساقفة والأباطرة النيقاويين والآريوسيين حتى المجمع المسكوني الثاني الذي استطاع القضاء على الآريوسية بكافة فروعها في الشرق ولكنها لم تلبث أن عادت إلى الظهور من جديد في الغرب مع غزو الغوط، الذين غدت الآريوسية دينهم الرسمي وأدخلوها من جديد عن طريق غزواتهم إلى إسبانيا وإيطاليا وإفريقيا الشمالية.(11)
الأبولينارية: (376م)
أبوليناريوس أسقف أو قس لاذقية سورية، كان من المدافعين عن مبدأ نيقية ولكنه من خلال دفاعه طوّر تعليماً جديداً متأثراً بالأفلاطونية التي كانت تعلّم بأن الإنسان مكون من ثلاث عناصر: الجسد "سوما" والنفس "بسيكه" وهي الحياة والروح العاقلة "بروما" وهي العقل والإرادة فقال أبوليناريوس بأن في المسيح حلت الكلمة "لوغوس" مكان الروح العاقلة في جسد الإنسان فالمسيح يتألف من جسد ونفس ولوغوس، وهو يعتمد في رأيه على قول الرسول يوحنا "والكلمة صارت جسداً" فيقول بأن الكلمة حلّت محل الروح العاقلة البشرية في الجسد، ويحاجج أبوليناريوس بقوله أنه لو كان للمسيح روح بشرية مثل البشر لكان من المستحيل أن يصل إلى درجة القداسة الكاملة لأن الخطيّة مرتبطة وعالقة بالروح البشرية.
أدانت الكنيسة النيقية أفكار أبوليناريوس وحكمت بهرطقتها فالقول بعدم وجود روح عاقلة في المسيح يعني بأن المسيح كان إنساناً ناقصاً وعندها لا يمكننا القول بأن المسيح قد مرّ بكل التجارب التي يمرّ بها الإنسان، فإن كنا نرى المسيح يبكي بحزن ويتألم ويفرح ويضطرب بالروح، فإنه كان يمّر بهذه المشاعر والأحاسيس لأنه كان إنساناً كاملاً.(12)
المقدونية: (360م)
كان مقدونيوس أسقف القسطنطينية آريوسياً متشدداً ولكنه تحول عن الآريوسية عندما فقد كرسيه وأنشأ بدعة خاصة به مفادها بأن الابن مساو للآب في الجوهر ولكن الروح القدس عمل إلهي منتشر في الكون وليس باقنوم متميز عن الآب والابن واعتبره مخلوقاً يشبه الملائكة ولكنه ذو رتبة أسمى منهم.
انتشر أتباع مقدونيوس وأطلق عليهم اسم محاربي الروح(13)
المجمع المسكوني الثاني – مجمع القسطنطينية الأول (381م):
ضاعت أعمال هذا المجمع ولم يبق منها سوى ما أعيد ذكره للتثبيت في أعمال المجمع الخلقيدوني.
وصل الإمبراطور ثيودوسيوس إلى السلطة في عام 379م وكان أرثوذكسياً نيقياً فدعى إلى عقد مجمع في القسطنطينية في عام 381م مؤلفاً من الأساقفة الذين يشاطرونه إيمانه، وبما أنه كان يأمل بأن يوحد المقدونيين مع ملّته فقد استدعى أيضاً أساقفتهم، ويبدو أن هذا المجمع كان معدّاً ليكون مجمعاً إقليمياً ليحل مشكلة هذا القسم من الإمبراطورية، فلا يبدو أن أسقف روما تلقى دعوة إلى المشاركة (وإن كانت الكنائس الغربية قبلت بنتائج المجمع لاحقاً وهكذا عدّ مجمعاً مسكونياً) وحضر أساقفة الشرق جميعهم وعددهم 150 أسقفاً وافتتح المجمع في أيار عام 381م.
طلب من المقدونيين في بداية المجمع الاعتراف بقانون نيقية فرفضوا وانسحبوا من المجمع فكان جميع المشتركين الباقين من النيقيين.
ثم بدأت مداولات في شأن الهرطقات المنتشرة وتقرر حرم جميعها من فروع الآريوسية الباقية إلى الأبولينارية والمقدونية وكذلك هرطقات أخرى كالأفنومية والأنومية والأفدوكسية وآراء المسافاليين وسواهم.
وأقر المجمع قانون إيمان نيقية بتعديلات بسيطة كعبارة "الذي لا فناء لملكه" وأضاف الجزء الثاني منه بعد إلغاء الحرمانات فأصبح شبيهاً جداً بما نعرفه اليوم. وهذا هو الجزء الثاني:
"... وبالروح القدس، الرب المحيّ، المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن، مسجود له وممجد، الناطق بالأنبياء، وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، ونترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي." (14)
قلنا أن الغرب قبل لاحقاً مجمع القسطنطينية وذلك في مجمع توليدو الذي عقد في إسبانيا عام 589م، وتبنى نفس القانون بعد أن عدّل الجملة التالية: "وبالروح القدس، الرب المحيّ، المنبثق من الآب والابن"، وهكذا نرى أن خاصية الانبثاق للروح القدس أصبحت لدى الكنائس الغربية والإنجيلية لاحقاً من الآب والابن، بينما بقيت لدى الكنائس الشرقية والبيزنطية من الآب فقط(15).
توفي أثناء انعقاد المجمع أسقف إنطاكية ملاتيوس (ويبدو أنه كان رئيس المجمع)، كذلك اعتزل غريغوريوس أسقف القسطنطينية المثبت في كرسيه حديثاً، وقام المجمع بالتدخل في انتخاب أسقف جديد لإنطاكية رفضه الإنطاكيون فكان له أثر سلبي وأدى إلى بعض الانقسامات المؤقتة.
كذلك ورد في أحد قوانين المجمع الجملة التالية: "أما أسقف القسطنطينية، فليكن له التقدم في الكرامة بعد أسقف روما، لأن القسطنطينية هي روما الجديدة" ولم يقع ذلك من أساقفة الكراسي الرسولية الكبرى موقعاً حسناً وكان اثنان منهما غائبين(16).
كرسي القسطنطينية:
رأينا أنه كان يوجد قبل القرن الرابع ثلاث كنائس أسقفية أساسية وهي إنطاكية وروما والإسكندرية، وكانت كل منها مسؤولة عن بقعة جغرافية معينة، أما في القرن الرابع وبعد بناء مدينة القسطنطينية وجعلها عاصمة أخرى للإمبراطورية، تقرر اعتبار مركزها الأسقفي كرسياً رابعاً، وضمت إلى صلاحياتها أراض كانت موزعة بين كرسي إنطاكية وكرسي روما. لابد أن هذا القرار اتخذ أو أخذ شكله الرسمي في مجمع القسطنطينية عام 381م حيث أن القسطنطينية لم ينته بناؤها إلا في عام 330م بينما عقد المجمع الأول في نيقية عام 325م، وكان الإمبراطور قسطنطين يقيم مؤقتاً في نيقوديميا، ولا شك بأن قراراً على هذا المستوى كان يحتاج إلى مجمع مسكوني ولا يكفي قرار الإمبراطور لإعطائه الصفة القانونية.
الكنائس بعد مجمع القسطنطينية:
نجد في نهاية القرن الرابع أربعة كنائس:
1- كنيسة إنطاكية
2- كنيسة روما
3- كنيسة الإسكندرية
4- كنيسة القسطنطينية
وهي جميعها تتبادل الشركة بإيمان واحد.
منذر نزهة
خاص الجمل
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _
معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية – الدكتور محمود سعيد عمران – ص19 / الدولة البيزنطية 323-1081 – الدكتور السيد الباز العريني – ص 24 / كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 167
كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 174 / الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة – بطريرك السريان الأرثوذكس افرام الأول برصوم – المجلد الأول – ص 338
كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 174 / الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة – بطريرك السريان الأرثوذكس افرام الأول برصوم – المجلد الأول – ص 353
كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 179
معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية – الدكتور محمود سعيد عمران – ص19 / الدولة البيزنطية 323-1081 – الدكتور السيد الباز العريني – ص 24 / كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 167
معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية – الدكتور محمود سعيد عمران – ص 27
كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 167
إلى عقد مجمع في مدينة نيقية يضم كافة أساقفة المسكونة لبحث الأمر واتخاذ القرارات اللازمة، وهكذا عقد المجمع المسكوني الأول في نيقية عام 325م.
تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص 220 / تاريخ الكنيسة القبطية – القس منسى يوحنا – ص 208 / المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – بلورة الفكر المسيحي – مجمعا نيقية والقسطنطينية – الأب جوزف بو حجر – ص 165 / كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 192 / الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة – بطريرك السريان الأرثوذكس افرام الأول برصوم – المجلد الأول – ص 439 / تاريخ الفكر المسيحي –الدكتور القس حنا جرجس الخضري – الجزء الأول – ص 617
تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص 225 / تاريخ الكنيسة القبطية – القس منسى يوحنا – ص 191 / المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – بلورة الفكر المسيحي – مجمعا نيقية والقسطنطينية – الأب جوزف بو حجر – ص 167 / كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 199 / الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة – بطريرك السريان الأرثوذكس افرام الأول برصوم – المجلد الأول – ص 441 / تاريخ الفكر المسيحي – الدكتور القس حنا جرجس الخضري – الجزء الأول – ص 626
كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 203 / المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – بلورة الفكر المسيحي – مجمعا نيقية والقسطنطينية – الأب جوزف بو حجر – ص 170
المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – بلورة الفكر المسيحي – مجمعا نيقية والقسطنطينية – الأب جوزف بو حجر – ص171 / تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص228 / كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 206
تاريخ الفكر المسيحي – الدكتور القس حنا جرجس الخضري – الجزء الأول – ص667 / المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – بلورة الفكر المسيحي – مجمعا نيقية والقسطنطينية – الأب جوزف بو حجر – ص181 / تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص239 / الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة – بطريرك السريان الأرثوذكس افرام الأول برصوم – المجلد الأول – ص503
تاريخ الكنيسة القبطية – القس منسى يوحنا – ص211 / تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص240 / الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة – بطريرك السريان الأرثوذكس افرام الأول برصوم – المجلد الأول – ص531
تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص 240 / المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – بلورة الفكر المسيحي – مجمعا نيقية والقسطنطينية – الأب جوزف بو حجر – ص 183 / تاريخ الكنيسة القبطية – القس منسى يوحنا – ص 201 / كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الأول – ص 255 / الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة – بطريرك السريان الأرثوذكس افرام الأول برصوم – المجلد الأول – ص533 / تاريخ الفكر المسيحي –الدكتور القس حنا جرجس الخضري – الجزء الأول – ص665
تاريخ الفكر المسيحي –الدكتور القس حنا جرجس الخضري – الجزء الأول – ص666
الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة – بطريرك السريان الأرثوذكس افرام الأول برصوم – ص535
الجمل
إضافة تعليق جديد