"الكهنة المتمردون" يهزّون الكنيسة الكاثوليكية في النمسا
عددهم 337 فقط. ومع ذلك، فانهم يهزّون الكنيسة الكاثوليكية، وتحديدا في النمسا، حيث باتوا يُعرَفون بـ"الكهنة المتمردين". و"نداؤهم الى العصيان" الذي نشروه قبل اسابيع اثار غيظا كنسيا رسميا تجاههم، لما انطوى عليه من تحد مباشر للفاتيكان وتهديد لوحدة الكنيسة وتقاليدها، في وقت تلقوا تأييد عدد كبير من النمساويين. والامور، كما تبدو عليه لا تنبىء بالخير، مع اصرار الكهنة على مطالبهم، في مقابل اصرار كنيستهم على رفضها.
انهم كهنة رعايا ومساعدو كهنة وشمامسة. وغالبيتهم في سن متقدمة، وبعضهم متقاعد. ومع ذلك، فانهم مزمعون على تغيير ثوابت في الكنيسة الكاثوليكية. ورغم انهم يشكلون نحو 8,425 في المئة من مجموع رجال الدين النمساويين البالغ عددهم نحو 4 آلاف، ثمة خوف كنسي من ارتفاع هذا العدد مستقبلا. ويشير "زعيمهم" الاب هلموت شولر الى "اننا اطلقنا تجمعنا "Pfarrer Initiative"(*) قبل نحو 5 اعوام (العام 2006) بغية القيام بحوار مع روما. لكن لم يحصل شيء، لذلك نطلق اليوم نداءنا هذا". واذ يأمل ان يدفع هذا التحرك الفاتيكان الى تحقيق اصلاحات، يلاحظ في حديث اخير ان "الكنيسة تتراجع".
من سبع نقاط، صاغ الكهنة المتمردون نداءهم الذي اصدروه في عيد العنصرة في 19 حزيران 2011. "رفض الكنيسة القيام باصلاحات باتت ضرورية وهمود اساقفتنا يدفعاننا الى الاصغاء الى ضميرنا والتحرك بانفسنا". بهذه التعابير استهلوا نداءهم، وحددوا فيه اسس تحركهم، او ما سموه "ركائز للمستقبل"، وابرزها سيامة النساء والمتزوجين، مناولة المطلقين وابناء كنائس مسيحية اخرى (البروتستانت)، وايضا من تركوا الكنيسة، القاء العلمانيين المؤهلين واساتذة الدين، لاسيما النساء، عظات، ادارة نساء ورجال، متزوجين او غير متزوجين ومن غير السلك الديني، شؤون الرعايا.
"وفي كل قداس، سندعو الى اصلاح الكنيسة"، يؤكدون ايضا. ويقول شولر ان "الامر يتعلق باعلان ما نقوم به في رعايانا". وفي بعضها، بات علمانيون يمارسون دور الكهنة، وفقا لما تكشفه شهادات مؤمنين نشرها موقع "Wir Sind Kirche" ("نحن الكنيسة")، وهي جماعة تدعم تحرك الكهنة. "نتشارك في الخبز والخمر والانجيل. لم يتم تعيين اي كاهن، وقررنا انشاء حلقة من المؤمنين لمواصلة الاحتفال بالقداس"، تقول احدى الشهادات. وفي مثل آخر، عمد كاهنان سابقان الى الاحتفال بالقداس في منزل راحة للمسنين، في ظل غياب اي بديل عن الكاهن المسؤول المتوفي.
نداء العصيان يلاقى تغطية اعلامية واسعة واهتماما شعبيا، وصولا الى اجراء معهد "اوكونسولت" استطلاعا للرأي بيّن ان نحو ثلاثة ارباع النمساويين (76%) يرون ان مطالب الكهنة "عادلة ومناسبة". حتى ان "اكثر من نصف رجال الدين يتعاطفون مع مطالبنا"، يؤكد شولر، ولعل ابرزهم انسلم تسيلر، وهو اعلى رجل دين في احد اديرة البنديكتيين، الذي لم يخف دعما غير متوقع للكهنة، قائلا: "عندما يدعو كهنة الى العصيان، فهذا حدث مثير للقلق".
وحتى انه شكك في قضية البتولية، معتبرا "انه من الاهم التشجيع على الانخراط في سلك الكهنة الذي تعاني النمسا واوروبا نقصا في عددهم". وقال: "البتولية ليست الامر الاهم". ويلتقي بموقفه هذا مع اكثر من 86 في المئة ممن شملهم استطلاع معهد "اوكونسولت" ويرون ان "البتولية اضرت بالكنيسة اكثر مما عادت عليها بالفائدة".
طريق الكهنة المتمردين لم تكن سهلة. ويقر شولر بان "هناك انتقادات حادة جدا، وكثيرون يريدون طردنا من الكنيسة، ويشتموننا". في المقابل، لم تكن ايضا الكنيسة، وتحديدا اسقف فيينا الكاردينال كريستوف شونبورن القريب من البابا بينيدكتوس السادس عشر، في موقف سهل، مع توالي الاحراجات منذ تفاقم الازمة، واحدها كون شولر نائبا اسقفيا سابقا لفيينا ومساعدا سابقا لشونبورن في نهاية التسعينات ومديرا سابقا لمنظمة "كاريتاس" في النمسا، قبل ان يُعيَّن كاهن رعية في بلدة قريبة من العاصمة النمساوية.
واذا كانت مواجهة شونبورن معاونه السابق المعروف بطبعه الحاد تضفي على الامور خصوصية معينة، فان الاحراج الاكبر هو ممانعة الكهنة الانصياع لاوامره، ما دفعه الى التعبير عن غضبه، والى التحذير والتأنيب عبثاً: "هذا الامر لا يمكن ان يستمر. واذا قرر احدهم العصيان، فستكون لذلك عواقب"، مؤكدا انفتاحه على الحوار. وبالفعل، التقى شولر و3 من رفاقه في افطار في 10 آب الماضي. ومع انه تردد ان لقاء آخر ربما جمع الافرقاء في اوائل ايلول، فان ابرشية النمسا لم تؤكد حصوله.
في غضون ذلك، يواصل شونبورن اصدار البيانات، وفي احدثها يحض رعاياه على تقوية ايمانهم بدلا من التأمل في حصول تغييرات يطالب بها الكهنة، مقرا بالحاجة الى "هيكليات مناسبة وتغيير في عقلية الكنيسة في النمسا. لكن يجب الا نأمل في حل مشكلاتنا بفرض تغييرات لا يمكن الكنيسة الجامعة القيام بها".
الشرخ حصل؟ لم يحصل بعد؟ سيحصل؟ الآراء تتعدد... وايا تكن، يشدد اللاهوتي المعروف بول زولهنر القريب من شونبرن وجماعة "نحن الكنيسة" على ضرورة ان تتحرك الكنيسة بسرعة اذا ارادت تجنب المواجهة... وقد تصل الامور الى شرخ". حتى اليوم، لم يتخذ شونبورن اي عقوبات في حق المتمردين، ولم يحدد لهم مهلة زمنية ليتراجعوا عن تحركهم، ربما حرصا منه على معالجة هادئة للوضع، محافظة على تماسك الكنيسة.
وتكفي ارقام اوردها الاستطلاع لادراك عمق الازمة: 97 في المئة من المستطلعين رأوا انه اذا تم طرد شولر ورفاقه من الكنيسة، فسيؤدي ذلك الى موجة كبيرة من المؤمنين الخارجين منها. العام 2010، ترك 87 الفا الكنيسة في النمسا، كرد فعل على الفضائح الجنسية التي تشهدها، وذلك بتراجع 64 في المئة في عدد المؤمنين، وهو امر لا سابق له من العام 1945.
هالة حمصي
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد