المؤتمر الثاني للكتاب العرب الأمريكيين

23-06-2007

المؤتمر الثاني للكتاب العرب الأمريكيين

انعقد في السابع عشر من شهر مايو/أيار الماضي وحتى العشرين منه المؤتمر الوطني الثاني لمنظمة الكتاب العرب الأميركيين (راوي RAWI)، وذلك في المتحف العربي الأميركي الواقع في ضاحية ديربورن لمدينة ديترويت الأميركية. جاء هذا المؤتمر بعد سنتين من انعقاد المؤتمر الافتتاحي الأول لراوي بعنوان «كلّمونا» في مدينة نيويورك وانتهى آنذاك باعتماد الشاعر الليـبـ الأمركي والأستاذ في قسم اللغة الانكليزية في جامعة ميشيجان «خالد مطاوعة» رئيساً للمنظمة، والكاتب الأميركي من أصول عربية والأستاذ في قسم اللغة الانكليزية في جامعة فيرجينيا تيك «ستيفن سَلايطة» مديراً تنفيذياً لها. كانت الثيمة التي اتخذتها راوي للقائها الثاني في ديترويت بعنوان: «الكتابة وأنا عربي: السياسة، الفواصل والأوطان»، قدّم خلاله سبعون كاتبا وعلى مدى أيام ثلاثة الإبداع الأدبي والفكري لما بات يُعرف الآن بالأدب العربي الأميركي، ذلك الأدب الذي يُعالج في جزء كبير منه، بالإضافة للإبداعات الفردية الخاصة بكل كاتب، مواضيع موسومة بالإحداثيات التاريخية والفكرية والجغرافية للجالية العربية الأميركية ضمن التنوع الكبير لعناصرها العرقية والدينية والسياسية والثقافية. قبل الخوض أكثر في بعض تفاصيل المؤتمر والانطباعات المتولدة عنه، قد يكون من المفيد إعطاء نبذة موجزة عن تاريخ إنشاء منظمة «راوي» والمساحة التي يحتلها «الأدب العربي الأميركي» في المشهد الأدبي الأميركي المعاصر.
في عام ,1989 بدأت «بربارة نيمري عزيز» الأنثربولوجية والصحافية والإذاعية في راديو «تحرير» بإجراء مقابلات مع كتّاب عرب في برنامجها الأسبوعي «تحرير: أصوات من العالم العربي». خبرتُها هذه أقنعتها بضرورة وجود ملتقى للكتاب العرب الأميركيين، فقامت، في عام ,1992 في المؤتمر السنوي للجنة مكافحة التمييز ضد العرب الأميركيين بنصب إعلان يدعو إلى تأسيس ملتقى للكتاب العرب. لاقت هذه الدعوة تجاوبًا جزئياً من قبل ستة كتّاب في البداية، ليزداد العدد في السنة التالية وفي المكان نفسه إلى خمسة عشر كاتباً ـ نذكر منهم ليزا مَجاج، سلمى خضراء الجيوسي وآخرون، وتمّ على أثر ذلك عقد ما يمكن تسميته بالاجتماع التأسيسي الأول لـ«راوي». في عام 1994 تبنىّ هذا التجمع اسم «راوي» وهو اللفظ العربي لكلمة « RAWI- Radius of Arab-American Writers إشعاع الكتاب العرب الأميركيين»، وفي سنة 1996 تم تسجيل «راوي» بشكل رسمي كمنظمة غير ربحية بمجلس إدارة مكون من اثني عشر كاتباً وعضوية أكثر من خمسين. ترأست حينها الكاتبة والشاعرة «ايتيل عدنان» منظمة «راوي» حتى تاريخ عقد المؤتمر الأول عام ,2005 وحدّدت في رسالتها الأولى كرئيسة للمنظمة مهمةَ «راوي» كنواة لاستقطاب الإبداع الأدبي العربي الأميركي وتقديمه للقارئ المهتم. ترافَقَ هذا مع علوّ أصوات بعض الكتاب العرب الأميركيين في محاولة للوصول إلى تعريف أدق لخصائص الأدب العربي الأميركي كما يراه أصحابه. نذكر في هذا السياق إحدى المقالات المهمة التي كُتبت حول هذا الموضوع بقلم الكاتبة الفلسطينية ـ الأميركية «ليزا سهير مجاج» بعنوان «المؤلّف المُجزَّأ»، ونُشرت في شتاء 1999 في مجلة «الجديد» الفصلية الصادرة باللغة الانكليزية من مدينة لوس أنجلس. تبدأ «مجاج» مقالها بالتساؤل عن حقيقة وجود أدب عربي أميركي، وبعد مقاربة متعددة الأوجه للآراء والأفكار التي طرحت حول ماهية هذا الأدب، وطبيعة الهوية العربية الأميركية، ترى مجاج أن الحكم على طبيعة الأدب العربي الأميركي انطلاقاً من المحتوى أمر غير محبَّذ، وأن تحديد خصائص هذا الأدب يمرّ عبر تحليل التأثيرات الإثنية العربية الموجودة في كتابات الأدباء العرب الأميركيين وإن كانت هذه التأثيرات تعبّر عن نفسها أحياناً بشكل غير مباشر ولا تظهر دائماً على السطح.
هذه التأثيرات كانت موجودة بشكل واضح في معظم القراءات الشعرية والنثرية والعروض البصرية التي تمّت خلال المؤتمر الحالي لـ«راوي». كان اختيار المتحف الوطني العربي الأميركي في ديربورن موفّقًا بصالاته المتعددة ومكتبته الثقافية والُبعد التاريخي الذي أضافه على أجواء المؤتمر، ونتمنّى أن يستمر مسؤولو هذا المكان للإنجاز بإمكانياته الكبيرة لعب دور فعّال في الحركة الثقافية العربية في المهجر.
شارك في الأمسية الأدبية الأولى كل من الشاعرة الفلسطينية ـ الأميركية «نعومي شهاب ناي» بقصائد تعبّر عن الضياع العربي في فلسطين والمأساة السياسية الحالية، والكاتب الفنان اللبناني ـ الأميركي «ربيع علم الدين» بمقاطع من كتابه الجديد الذي لم يصدر بعد «الحَكَواتي».
خلال اليوم الثاني والثالث، عقدت حلقات بحث عديدة في صالات المتحف المتعددة، عالجت التحديات الرئيسية التي تواجه الكتاب العرب الأميركيين في عالم مابعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وقضايا ثقافية متعلقة بالحركة الأدبية الأميركية العربية. من أهم المواضيع التي تمت مناقشتها:
« المثقفون العرب وحرب مابعد 11 أيلول على الإرهاب»، «انشغالات الرواية العربية الأميركية»، «النشر في المجلات الأدبية»، «الحرب في الكتابات العربية الأميركية»، «كتابة وتدريس الأمميّة: فلسطين في البيداغوجيا والأدب»، «العرق، الإثنية، والعربية الأميركية»، «التدريس عن العالم العربي من خلال أدبه»، «القبول والمقاومة: السياسة في زمن الحرب في كتابات العرب الأميركيين وعملهم الثقافي»، «الكتابات العربية والانسلاخ»، «المفاوضات البصرية للهوية العربية الأميركية». شارك في حلقات المؤتمر وقراءاته الأدبية سبعون كاتباً وأديباً وباحثاً معظمهم من العرب الأميركيين المعبّرين عن نتاجهم باللغة الانكليزية بشكل رئيسي، بالإضافة لمشاركة بعض الكتاب العرب المقيمين في المهجر، ومن المهم توضيح الفروق في النشأة والتأثر الثقافييْن ووسائل التعبير اللغوي بين الكتاب العرب الأميركيين المعاصرين وأقرانهم العرب المهجريين المقيمين في المنافي، وما يلحق ذلك من علاقة غير دقيقة تُنسب بينهم ـ أي الكتاب العرب الأميركيين ـ وبين رواد الحركة العربية المهجرية من أمثال: جبران خليل جبران ونعيمة، وهذه نقطة لا يتسع حيّز هذا المقال بالاسترسال فيها.
جيل جديد
حضر المؤتمر 150 مهتماً بهذا الحدث الثقافي، تخلله في اليوم الثاني غذاء عمل لمناقشة الأسماء المرشحة لقيادة «راوي» في المرحلة المقبلة، وأقيمت فيه أمسية شعرية ثانية شارك فيها الشاعر العراقي فاضل العزاوي الذي صدرت حديثاً روايته «آخر الملائكة» باللغة الانكليزية بالإضافة للشاعرة الأميركية الرائدة من أصل لبناني «د. هـ. ملحم». قامت الناشرة والمحررة لمجلة بانيبال الصادرة باللغة الانكليزية «مارغريت أوبانك» بإلقاء قصائد العزاوي باللغة الانكليزية بعد سماعها أولاً بالعربية بصوت العزاوي، ولم تقلّل الترجمة من تفاعل الجمهور المذهل مع المعاني والصور الشعرية لقصائد العزاوي، تبِع الأمسية عرض فيلم قصير بعنوان «ديترويت أن ليدد» لكاتبته ومخرجته الفنانة اللبنانية ـ الأميركية «رولا ناشف»، تصوّر فيه الحياة العربية الأميركية في مدينة ديترويت. اختُتم المؤتمر في اليوم الثالث بقراءات شعرية للجيل الجديد من الكتاب العرب الأميركيين قرأ خلالها كل من: «أليس ألوزي»، «أهيمزا تيموتيو بودهران»، «هَيان شرارة»، «ماريان حداد»، «نتالي حنظل»، «لارا حمزة»، «فادي جودة»، «بولين كالداس»، «فيليب ميتريس»، «كيفن رشيد»، و«ديما شِهابي». صوّرت قصائدهم الكثير من التناقضات التي تعيشها الهوية العربية الأميركية، خاصة في المناخ السياسي والثقافي السائد بعد أحداث 11 أيلول، وعبّر الكثير منها عن رغبة ظاهرة أو دفينة في التواصل مع اللغة والثقافة الأمّ. تُلِيَت القصائد جميعها بالانكليزية باستثناء قصيدة واحدة لماريان حدّاد كتبتها وقرأتها بالعربية، ولم تخلُ بعض القصائد من كلمات عربية في متن النص الانكليزي تعكس التمازج بين الثقافتين العربية والأميركية. انتهى المؤتمر بعشاء وحفل توزيع للجوائز الأدبية، حصلت فيه الشاعرة اللبنانية الأميركية «د. هـ. ملحم» على جائزة «راوي» للمُنجز الإبداعي الحياتي، والأستاذة المساعدة في جامعة ميشيجان «إيفلين السلطاني» على جائزة «راوي» للخدمة المميّزة لعملها البارز في أنشطة «راوي». أما جوائز المسابقات الكتابية فذهبت إلى كل من الكاتبة الفلسطينية ـ الأميركية «سحر كيّال» والكاتبة الأميركية العربية «هدى المراشي جعفر» والكاتبة الأميركية «أنجلي إليس».

فادي سعد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...