مراكز الأبحاث السورية بدون ترخيص حتى تاريخه

21-06-2006

مراكز الأبحاث السورية بدون ترخيص حتى تاريخه

شهدت سوريا في الأعوام الأخيرة طفرة استثنائية في نشوء مراكز الأبحاث والدراسات السياسية واختصاصات أخرى، في محاولة، كما يبدو، لملء الفراغ الموجود رسميا في هذا المجال.
ويجمع عامل واحد المبادرات والمراكز في سوريا، التي تنقسم بين رسمية وشبه رسمية وخاصة، وهو الشعور العميق بتعقد الوضع السوري حاليا، والمستند إلى معطيات أبرزها حالة انعدام التواصل السياسي مع الغرب من جهة، وتردي الأداء الإعلامي المزمن من جهة أخرى، يضاف إلى ذلك، الشعور العام بغياب روح المبادرة، والانطباع بأن الحالة السورية تخضع لرد الفعل، أكثر منها إلى اتخاذ المبادرة السياسية.
ولم ترخص السلطات، بالمعنى القانوني، لأبرز هذه المراكز، وهو ما يدل على غياب الخطوة الأولى الحكومية، إذ تعمل غالبية هذه المراكز بالاستناد إلى رخصة تجيز لها العمل كدار أبحاث ونشر سجل تجاري، لا كمركز دراسات.
مركز الدراسات والأبحاث
ويمكن البدء بالاستثناء، وهو مركز الدراسات والأبحاث الذي يديره الخبير رزق الله الياس منذ العام ,2002 وهو المركز الرسمي الوحيد في سوريا، ويتبع لمكتب الأمن القومي، أعلى سلطة أمنية في البلاد من الناحية الدستورية.
ويختص مركز الدراسات والأبحاث بدراسة كل ما له تأثير على الأمن القومي السوري، بما في ذلك الأوضاع الداخلية والخارجية، وتحيط أبحاثه بتطورات المنطقة، من الساحة الداخلية في إسرائيل، إلى تركيا والعراق وإيران، وبالطبع لبنان وفلسطين. وتتم دراسة أبحاث المركز، التي لا يعلن عنها، ضمن دائرة اتخاذ القرار ومحيطها. إلا أن الطفرة الحقيقية كانت بدأت مع مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية التابع لجامعة دمشق، الذي أسسه الياس أيضا، وذلك بعد المفاوضات العربية الإسرائيلية في مدريد في العام ,1991 حيث رأى الياس حاجة ماسة لوجود مثل هذا النشاط في سوريا، وتم تأسيس المركز وإلحاقه بجامعة دمشق للاستفادة من الخبرات الجامعية فيها.
ويرأس المركز الآن عضو مجلس الشعب فيصل كلثوم، الذي يؤكد على فاعليته، من خلال الإشارة إلى عضويته في تجمع المراكز الأوروبية ومراكز دول المتوسط (اليورو ميسكو)، بما يؤكد وجوده على مستوى العلاقات الدولية، ونشاطه في مجال دعم العلاقات مع تركيا، كمثال على امتداد التأثير في العلاقات الإقليمية.
وكان المركز، الذي يقدم دراسات اقتصادية وسياسية، أجرى دراسات عن علاقة العرب بالجوار، والصراع مع الولايات المتحدة، وتنظيم القاعدة، ولديه، وفق ما يذكر كلثوم، أهم وحدة عمل في مجال الاستبيانات، إذ يقدم مباشرة إلى صناع القرار دراسات واستبيانات لا تنشر، بينها واحدة أجريت مؤخرا حول الديموقراطية والأحزاب السياسية في سوريا، إلا انه يوضح أن هذه المراكز صنعة جديدة في البلاد، وأنه ما زال هناك ذهنية سياسية لا تؤمن بالاعتماد عليها، في وجه ذهنية أخرى تؤمن بضرورة الاستماع لها.
المركز العربي للدراسات
ويرأس الخبير والوزير السابق عصام الزعيم مركزا للأبحاث، كان أسسه في منتصف التسعينيات الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد. ويقدم المركز العربي للدراسات الاستراتيجية أبحاثا فكرية وسياسية، وكان بدأ بإصدار موسوعة حركة القوميين العرب، وأخرى عن الأحزاب السياسية في العالم العربي، بالإضافة إلى إقامة حلقات نقاش حول قضايا استراتيجية، بينها ندوات عن إعادة نشر القوات الأميركية في العالم، وخصوصا العالم العربي، وخصخصة الحرب، ونشر الحلف الأطلسي في الوطن العربي، وقضايا أخرى ذات طبيعة اقتصادية أو اجتماعية ثقافية.
ويقول الزعيم إن للمركز مخططات سنوية، مضيفا انه ليس منعزلا عن الكفاءات العربية التي يستقطبها بأجور رمزية، مشيرا إلى أن المركز بصدد مضاعفة موازنته، التي تستند حاليا للاشتراكات والمساعدات.
لكن ليس لدى الزعيم أوهام، إذ يدرك أن ثمة مشكلة كبيرة تعاني منها مختلف المراكز الموجودة في سوريا، معتبرا أنها جعجعة بلا طحين. ويوضح أن المراكز غير محددة الأهداف أو متخصصة، وباحثيها غير متفرغين، وندواتها لا تأتي ضمن استراتيجية طويلة الأمد. ويسأل هل يعقل الا يكون لدينا مركز متخصص بالدراسات الإسرائيلية حتى الآن، ما الذي لدينا الآن بشأن الصين والهند؟، لافتا إلى أن الأمر استغرق سوريا 15 عاما حتى تأقلمت مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانفتحت على روسيا.
ولا يرى الزعيم إمكانية تحقيق نجاح إذا لم تكن هناك سياسة للدولة لتأييد البحث ودعمه، مشيرا إلى أن مركز الدراسات الاستراتيجية السوداني لديه موازنة بمليون دولار، تدفع الحكومة السودانية 45 في المئة منها، داعيا إلى التركيز على الحاجة للتفاعل بين صناع القرار ومراكز الأبحاث، موضحا أنه في ندوة، عقدت مؤخرا في المركز، دعونا 18 دبلوماسيا من (وزارة) الخارجية السورية، جاء منهم أربعة، وبقي اثنان فقط حتى نهايتها، معتبرا أن صناع القرار لا يستفيدون من المراكز الغير متطورة بشكل كاف.
مركز المعطيات
وفي السياق، أسس المعلق السياسي والكاتب عماد فوزي شعيبي مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية في أوائل العام .2004 ويتركز عمل المركز على جمع المعلومات والأبحاث وإعادة توزيعها على المشتركين، إضافة إلى إعداده قراءة مستقبلية للأوضاع الإقليمية. ويقول شعيبي لالسفير إن المركز يملك موقعا على شبكة الانترنت يسجل حضورا لافتا، حيث يطالعه حوالى 150 الف شخص يوميا، موضحا أن الدراسات التي يعدها المركز يستفاد منها على كافة الاصعدة.
شعيبي اختار الا يجيب على سؤال عما إذا كانت هذه الدراسات ترسل إلى جهات رسمية، إلا انه اعتبر أن أبحاث وترجمات مهمة للمركز كان بإمكانها أن تحدث فرقا، لو تم التدقيق فيها، مشيرا إلى أن مركزه يحظى باهتمام غربي، حيث زاره دبلوماسيون غربيون، بينهم مدراء مكاتب الشرق الأدنى وسوريا ولبنان والعراق في وزارة الخارجية الأميركية، بالإضافة إلى باحثين وصحافيين أجانب.
المكتب الاستشاري للتنمية
ويرى المحلل والخبير الاقتصادي نبيل سكر، من جهته، أن مركزه المكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار يقع خارج تصنيف المراكز الاستراتيجية، كون عمله الحالي يقتصر على إعداد أوراق يمكن أن تكون أرضية للبحث والنقاش في المؤتمرات، من دون أن يستبعد إمكانية أن يعد في المستقبل دراسات استراتيجية، أو ذات طابع سياسي، إذا طلب منه ذلك.
مركز الشرق للدراسات
أما آخر المراكز الشرق للدراسات، فقد أنشأه منذ أشهر فقط، المحلل السياسي والطبيب سمير التقي. وبرغم ما أشيع عن كونه تابعا لوزارة الخارجية السورية أو أداة تنسق معها، فإن الوزارة تنفي رسميا أية علاقة به أو بنشاطاته. وكان سمير التقي، بما له من ارتباط بالسياسة السورية الخارجية، والمعروف بتحركاته المكوكية إلى تركيا والولايات المتحدة ومؤخرا فرنسا، يعزز النقاش غير الرسمي مع أطراف كثيرة في تلك الدول، حول قضايا التعاون الإقليمي والعلاقات الدولية.
وتقول مصادر مطلعة على تجربة التقي إن هدف المركز هو دعم صناع القرار بمعلومات عن البلدان التي يتم العمل معها، ومعرفة آلية اتخاذ القرار فيها، وطرح الحلول لتحرك سوريا خارجيا، وتقديم اقتراحات، وذلك ضمن خطة عامة تهدف إلى وضع تصور جديد للدور السوري في المنطقة.
وبرغم أن القناعة متوافرة لدى الباحثين، عموما، بأن السياسة الخارجية السورية تخضع لتأثير صناع القرار في القصر الجمهوري وحزب البعث وإدارات الأمن، إلا أن الرأي هو أن هذه المراكز، خصوصا مركز الشرق تستطيع أن تقدم طبقا مختلفا عن بقية المطابخ صاحبة الطروحات السياسية الخارجية، وأن هدف عمل مجموعات الباحثين في المركز، بناء ما يسمى بجدوى الشك تجاه الطروحات التقليدية، والتأسيس لأخرى.
ويحكم التفاؤل عمل المختصين، برغم أن تأثير هذا النوع من الدراسات والتقييم لا يمكن تحديده نظرا لقصر سن التجربة، بأن تأثير أبحاثهم واقتراحاتهم يمكن أن يؤسس لمحور مواز من الخبرة، للمحور الرسمي التقليدي.

 

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...