نجاة قصاب حسن بقلم صباح قباني
يقولون في الشام عن متعدد المواهب والاهتمامات إنه «مسبع الكارات»، أي يمارس سبع مهن مختلفة في وقت واحد.
نجاة قصاب حسن هو ذلك الرجل، إنه القانوني الحاذق، والصحفي والكاتب اللامع، والمحدث الجذاب، والموسيقي البارع، ورسام الكاريكاتور، والخطاط الأنيق، وقبل كل شيء الدمشقي الأصيل العريق الظريف.
هو يقول عن نفسه: «أنا لا أريد أن أكون شيئاً واحداً، لأنني أريد أن أحيا. فقصتي مع الحياة هي أصلاً قصة الشوق الذي لا يهدأ إلى كل شيء». كتب ذلك في كتابه الرائع (جيل الشجاعة) رداً على الذين تمنوا عليه لو ركز على جانب واحد في حياته كي ينجز أعمالاً أكبر وأكثر.
وحين جلست مرة لأرسمه رسماً كاريكاتورياً،كعادتي معه وعادته معي كلما التقينا، سألني على أية صورة ستجعلني؟ فقلت له وأنا مستغرق في الرسم: فكرت أن أجعلك كتماثيل الآلهات الهنديات القديمات ذوات الأذرع الكثيرة لأدل على مواهبك المتعددة، ولكن الورقة التي أرسم عليها لا تتسع لها كلها، وسأكتفي اليوم بأن أجعلك محامياً يعزف على القانون!.
وقد يدخل في ظنك أن كل ما مارسه كان من باب الهواية الخفيفة العابرة، إلى جانب المحاماة التي هي مهنته، ولكنك حين تمعن النظر فيما يكتب أو يرسم أو يعزف أو يحاضر تجدك أمام واحد من الأفذاذ في كل ميدان من تلك الميادين.
فمثلاً زاويته (بالعربي الفصيح) التي كان يكتبها في خمسينيات القرن العشرين بأسلوبه الساخر في جريدة (الرأي العام) كانت أول ما يحرص الناس على قراءتها لأنهم كانوا يجدون أنفسهم فيها، فهي تعبر بكلمات بليغة قليلة منتقاة عن كل ما يجيش في صدورهم ومايريدون هم أن يقولوه تعليقاً على أي حدث يومي يشغلهم، فكأنه كان «شفاه من ليس لهم شفاه» كما يقول صديقه الراحل نزار.
أما زاويته الإذاعية الشهيرة «المواطن والقانون» فقد استقطبت على مدى سنوات آلاف المستمعين الذين كان يردّ على استفساراتهم ويزودهم بالحلول والنصائح اللازمة لحل مشاكلهم القانونية، وأذكر يوم أصيبت ساقه بكسر بالغ ووضعت في الجبس وأصبح حبيس الفراش في غرفة نومه ولا مجال لأن يغادرها إلى الإذاعة لتقديم زاويته في موعدها، فكان أن اقتحمت عليه باب غرفته، وكنت وقتها مديراً لبرامج الإذاعة السورية، وجئته مصطحباً معي آلة التسجيل ومهندس الصوت. فبوغت نجاة بدخولنا عليه ومعنا الأجهزة والأشرطة والأسلاك وقال وهو يضحك: ظننتك أتيت تحمل إلي باقة ورد لا هذه (الكراكيب) الكهربائية، فقلت له: جئتك بما هو أهم، «فمستمعوك ينتظرونك على نار» ودفعت إليه رزمة رسائل وردت إلى زاويته ليرد عليها. وأشرت للمهندس أن يستعد لتشغيل الآلة، وسرعان ما نسي نجاة آلام ساقه وراح، وهو مستلقٍ على ظهره، يقرأ الرسائل واحدة ويرد عليها بصوت طبيعي وبأسلوبه الساحر الجذاب وكأنه لا يشكو من شيء. وأذكر أن زاويته في ذلك اليوم كانت واحدة من أجمل الزوايا التي قدمها.
وبعد انتهاء التسجيل توجهت إلى غرفة الاستقبال حيث أودعت فيها لدى زوجته السيدة أم سلمى عند دخولي البيت باقة ورد جميلة، فحملتها وعدت إلى غرفته ودفعت الباقة إليه وقلت له: «تفضل! هذه هي الباقة التي سألت عنها إنك الآن تستحقها!».
صباح قباني
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد