«أحرار الشام» تقرّ بضعفها… و«التغلّب» سلاح ذو حدين
في خضمّ السجال المتواصل الذي أثاره «اتفاق المدن الأربع»، صدر عن قيادي كبير في «أحرار الشام» إقرار نادر بضعف الحركة. ويتقاطع هذا الإقرار مع تقرير موسع تناول الحالة المتردية التي أصابت «أحرار الشام» على الصعيدين العسكري والتنظيمي، منذ تأسيس «هيئة تحرير الشام» في شباط الماضي. ورغم أن صدور الفتوى القاضية «بتحريم التغلّب بين الفصائل» جاء من حيث الظاهر للرد على سياسة التغلب التي تُتّهم «هيئة تحرير الشام» باتباعها، لكنه في الحقيقة ينطوي على إقرار خفيٍّ بعدم القدرة على مواجهة «الهيئة» وذلك خلافاً للتسريبات التي تحدثت عن قرب تشكيل تحالف من «فصائل الشمال» تكون مهمته محاربة «الهيئة» بدعم من الولايات المتحدة.
وانتقد أبو عزام الأنصاري، واسمه كنان النحاس، وهو عضو مجلس الشورى في «حركة أحرار الشام الإسلامية»، اتفاق المدن الأربع معتبراً أنه ليس «من حق الفصيلين (في إشارة إلى أحرار الشام وهيئة تحرير الشام اللتين وقعتا الاتفاق) أن يقررا نيابةً عن شعبنا العظيم»، لكن اللافت أن النحاس، وهو شقيق لبيب النحاس رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الحركة، قال في سياق انتقاده للاتفاق ولما نتج عنه من «ضياع الحقوق» – حسب تعبيره – إن سبب ذلك يعود إلى عاملين هما «طمع الهيئة وضعف الأحرار». ويعتبر هذا أول إقرار من نوعه بما أصاب الحركة من ضعف وترهّل في الآونة الأخيرة.
ولم يكتف النحاس بذلك بل صوّر «حركته» وكأنها مجرد تابع لـ«الهيئة» تقودها الأخيرة حيثما تشاء وتفرض عليها مواقفها في القضايا الحساسة والمصيرية، إذ أكد في تغريدة على حسابه الرسمي على «تويتر» أنه «توصلنا منذ فترة لاتفاق يدخل الوعر بهدنة طويلة، ويحقق مكاسب أكبر للثورة، ولكن الجبهة رفضت الاتفاق في اللحظة الأخيرة، ثم رضيت بما دون ذلك بكثير»، ورغم أن النحاس أراد التصويب على «الهيئة» وإظهار عدم كفاءتها في التفاوض، لكنه لم يبين الأسباب التي دفعت «أحرار الشام» إلى مسايرتها والرضوخ لإملاءاتها في كلتا الحالتين، أي الوعر واتفاق المدن الأربع. وكنا قد أشرنا في تقرير منشور في عدد الخميس الماضي إلى «حالة من الاستياء العارم تسود في أوساط حركة أحرار الشام بسبب الترهّل البنيوي والعسكري الذي أصاب الحركة منذ تأسيس «هيئة تحرير الشام» في شباط الماضي». وأضاف التقرير: إن «ما زاد من حالة الغضب لدى شريحة واسعة من قادة الصف الثاني والثالث هو أن انسداد الآفاق العسكرية وتعثر الإصلاحات التنظيمية، ترافقا مع تسريبات تشي بأن القيادة العامة بدأت بتغيير موقفها إزاء ملف المحادثات السياسية لحل الأزمة السورية». وانتهى التقرير إلى تأكيد حقيقة «أن ما فقدته الحركة ليس مجرد بضعة مسلحين أو مكونات غير منسجمة مع توجهاتها كما دأبت على القول دعاية الحركة المضادة لموجة الانشقاقات التي تعرضت لها، بل هي فقدت القدرة الذاتية على العمل العسكري، وأصبحت كالجسد المشلول الذي لا يقوى على القيام بأي حركة إلا إذا حصل على مساعدة من غيره».
ويبدو مستغرباً أن يصدر انتقاد «اتفاق المدن الأربع» عن جناح الحركة الأكثر قرباً من دولتي قطر وتركيا وهو الجناح السياسي الذي يمثله الشقيقان لبيب وكنان النحاس، وخاصةً أن قطر لعبت دوراً بارزاً في ترتيب الاتفاق وتوقيعه، كما كان لها مصلحة حيوية في إتمام تنفيذه تمثلت بالإفراج عن أمرائها الذين كانوا محتجزين لدى جهة مجهولة في العراق منذ عام 2015. غير أن صدور هذه الانتقادات بعد تنفيذ مرحلتين من الاتفاق يشير إلى عدم رغبة الحركة في عرقلة تطبيقه، أو الأدق، عدم قدرتها على ذلك.
ولعلّ الإفراج عن الأمراء القطريين لم يكن البند السري الوحيد في اتفاق المدن الأربع، لأن مجمل التطورات التي تزامنت مع تنفيذ هذا الاتفاق تدل على وجود بنود سرية أخرى.
وفي هذا السياق، لا يمكن القول بأن مسارعة «المجلس الإسلامي السوري» وهو مرجعية شرعية لعدد كبير من الفصائل المسلحة، إلى إصدار فتوى تقضي «بتحريم التغلّب بين الفصائل بالتزامن مع تنفيذ الاتفاق، كانت بمحض المصادفة.
وجاء في الفتوى أنه «لا يجوز لأي فصيل أن يقلد ما هو غير مشروع في الأمانة الكبرى لينقله إلى حالة الاقتتال بين الفصائل الآن، ليتغلب أحدها على الباقين ويحكم سورية، لأنه لن يستطيع ذلك أبداً، وسيؤدي هذا الفعل الشائن إلى مفاسد عظمى»، وأشار «المجلس الإسلامي» إلى أن «التغلب بدعة قاعدية داعشية، مارسته داعش ضد الفصائل المجاهدة، واستخدمته جبهة النصرة لتبرير قضائها على الفصائل التي لا ترضخ لها».
ورغم التصويب الواضح على «جبهة النصرة» في هذه الفتوى التي يلاحظ أنها لم تستخدم اسم «هيئة تحرير الشام»، فإن فحوى الفتوى إنما يصب في خدمة مصالح «جبهة النصرة» ويؤدي إلى طمأنتها على المديين القريب والمتوسط. ذلك لأن الفتوى كما تحرّم تغلب «النصرة» على الفصائل، تحرّم في المقابل تغلب الفصائل على «النصرة». وتعتبر هذه الفتوى تراجعاً من «المجلس الإسلامي» عن فتوى سابقة صدرت عنه في نهاية العام الماضي اعتبر فيها «جبهة النصرة» من «الخوارج» وطالب بقتالها واستئصالها. وقد يكون هذا الموقف من «المجلس الإسلامي» جاء نتيجة حالة الضعف التي تمر بها «أحرار الشام» لأنها الفصيل الوحيد القادر على مواجهة «النصرة» شرعياً وعسكرياً، ولاسيما أن أغلبية الفصائل الأخرى في الشمال السوري انضمت إلى «أحرار الشام» في وقت سابق باستثناء «فيلق الشام». وفي هذه الحالة لا يمكن اعتبار الفتوى إلا إقراراً بالعجز عن قتال «النصرة» مع سعي لقطع الطريق أمامها لشرعنة «التغلب» على الفصائل في المرحلة المقبلة.
وثمة تناقض جليّ بين هذه الفتوى والتسريبات التي تحدثت عن إيعاز واشنطن للفصائل المدعومة من «غرفة عمليات الموك» بالاندماج بينها من أجل تأسيس كيان واحد تكون مهمته محاربة «جبهة النصرة». ويشير هذا التناقض إما إلى أن واشنطن تراجعت عن مشروع محاربة «النصرة» حسب التسريبات، أو إلى أن ثمة جهات إقليمية ما تزال تحاول تلميع صورة «النصرة» وإقناع واشنطن بإمكانية الاستفادة من جهودها. ويبدو من اللافت في هذا السياق أن الغارات الجوية لطيران التحالف الدولي ضد قادة «جبهة النصرة» قد توقفت مؤخراً بشكل مريب، بعد أن بلغت حدها الأقصى في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما.
عبد الله علي
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد