«المركزي» وتدهور الليرة: الفرجة (ليست) ببلاش
شهر رمضان هو شهر «الفرجة» عند الكثيرين، إذ اقترن منذ سنوات طويلة بالدراما ومسلسلاتها، وصار البعض ينتظره كي يتفرّج. ولأنّ لكل قاعدة شواذاً، هناك من احترف التفرّج في كل الشهور، ومن دون الحاجة إلى صنّاع الدراما! خذوا مثلاً مسلسل تهاوي الليرة السورية المستمر أمام «الأخضر»، واليابس! هل نصنّفه تحت اسم التراجيديا؟ أم الكوميديا السوداء؟ هذا ليس مهماً، المهم أن «المركزي» ما زال يتفرّج، رغم أن سعر الدولار كسر في الشهور الأخيرة حاجز الـ500 في السوق السوداء، واستمر بالزحف وصولاً إلى «حيطان الـ600».
اليوم، يزيد سعر «الدولار الأسود» عن نظيره الرسمي بـ140 ليرة، ما يعني فقدان 25% من قيمة العملة الرسمية، ببساطة. المفارقة، أن «الدولار الأسود» ليس مموّلاً للمستوردات، بل الدولار الرسمي، ومع ذلك، وعلى امتداد الحرب، ما زال «الأسود» ذريعة دائمة لارتفاع أسعار السلع. علاوة على ذلك، باتت الفجوة الواسعة بين السعرين، سبباً في خسارة السوريين ربع قيمة الحوالات التي تردهم من الخارج، وتعينهم على سدّ الرمق! فالقوانين تنصّ على تسليم الحوالات بالليرة السورية، ووفق سعر الصرف الرسمي (يرسل قريبك حوالة قدرها 100 دولار، فتقبض أنت 43000 ليرة، أما قيمتها في السوق فتصل إلى نحو 57000 ليرة).
أمام هذا الواقع، بات كثير من السوريين يلجأون إلى استقبال حوالاتهم بطرق أخرى، خلافاً للقانون، عبر بعض صرّافي السوق السوداء وتجار العملات. يدفع السوريون ثمن تهاوي ليرتهم مرات كثيرة، فرواتبهم ما زالت تعيش في زمن «الدولار بخمسين»، أما مدفوعاتهم (من أثمان سلع، وبعض الضرائب، والرسوم) فتُحسب بسعر الصرف الأسود! يمكننا تفهم التمسك بسعر «الدولار الجمركي» منخفضاً هكذا، منعاً لارتفاع أسعار السلع. هذا جيد من حيث المبدأ، لكن الأسعار ما زالت ترتفع وترتفع! يؤذي إهمال سعر الصرف «سمعة الليرة» والاقتصاد عموماً، ويزيد التضخم، ويخفض القوة الشرائية لليرة محلياً وخارجياً. المشكلة أنّ البعض سيعتبر أي نجاح محتمل في إعادة «الدولار الأسود» إلى عتبة الـ500 ليرة «إنجازاً»، برغم أنّه سيظل أعلى من السعر الرسمي بـ70 ليرة، بينما الإنجازات الاقتصادية عادة تتمثل (بعد تغيير سعر الصرف) بتخفيض أسعار البضائع المحلية، لا بتخفيض أسعار الصادرات كما يحدث. هناك من يتجاهل أن الاقتصاد فعلاً متضرر بشدة، نتيجة حرب طويلة رافقها فشل اقتصادي ذو أثر طويل، وعقوبات. من الطبيعي أن يخلف كل هذا تدهوراً في سعر الصرف، يجب حله. لكنّ الأفكار الاقتصادية الحكومية، تفتقد وجود الاقتصاد فيها من الأساس! فلا منهج أو خطة موضوعة لتوجيه السياسة النقدية في البلاد، سواء للارتفاع أو الانخفاض أوالثبات. المهمة متروكة لتيار محسوب على «السوق السوداء»، التي تتحكم بها قوى العرض والطلب (وخارج البلاد أكثر من داخلها). معظم السوريين يستخدم الدولار للادخار لا للتداول، ما يخفض قدرة الشارع على التأثير في سعر الصرف. المتداولون للدولار بيعاً وشراءً، يبقون محدودين إن تحدثنا عن الكتلة النقدية العظمى، وإن تجاهلنا فكرة أن «البنك المركزي» هو أحد مالكي أكبر الكتل النقدية من العملة الصعبة. وإذا افترضنا حسن النية، وأزحنا جانباً فكرة صلة المركزي بقوى العرض والطلب، فهو حتماً يعرف من هم المضاربون الحقيقيون القلائل، لكنه لا يفعل شيئاً، باستثناء العزف على وتر «العامل النفسي». مع العلم أن تأثير هذا العامل لن يتجاوز في أفضل الأحوال هامش الـ10% صعوداً أو هبوطاً، ولو اجتمع على دعم الليرة الشعب كله.
نسرين زريق
إضافة تعليق جديد