أحدهما بالعناية المشددة .. القصة الكاملة للاعتداء على طبيبين في حلب
ضجت مدينة حلب بحادثة الاعتداء على طبيبين في مشفى “الطب العربي الجراحي” الخاص بحي الخالدية من قبل ذوي مريضة فارقت الحياة بعد إجرائها عمل جراحي في المشفى.
والطبيبان اللذان تعرضا للاعتداء هما مدير المشفى الدكتور جواد تركي والدكتور المسؤول عن حالة المريضة الأستاذ الجامعي محمود ماردنلي الذي تعرض لإصابات خطيرة وهو موجود حالياً في العناية المشددة.
وفي تفاصيل حادثة الضرب، فإن “أربعة أشخاص من ذوي المتوفية، (أحدهم ضابط شرطة) هاجموا بدايةً الدكتور الشهير محمود ماردنلي أمام باب المشفى وانهالوا عليه بالضرب المبرح الذي وصف بأنه “وحشي”، ما أدى لسقوطه على الأرض، ليستمر المهاجمون بركله بأقدامهم”.
وسبب الاعتداء على الطبيب هو “ادعاء ذوي المتوفية بأنه مسؤول عن فقدانها لحياتها”، وبحسب ما أكد مصدر طبي لتلفزيون الخبر فإن “الدكتور ماردنلي تعرض نتيجة الاعتداء لجرح في الرأس وارتجاج بالدماغ وفقدان توازن، وهو حالياً في العناية المشددة وحالته غير مستقرة”.
أما مدير المشفى الدكتور جواد تركي، فتعرض للدفع على درج المشفى من قبل المهاجمين، ما أدى لإصابته برضوض أيضاً.
التفاصيل على لسان أحد ذوي المتوفية
تحدث أحد أقارب المتوفية التي تبلغ من العمر 47 عاماً أنها “توجهت للمشفى وهي تمشي على قدميها وبحالة صحية جيدة لإجراء عمل قثطرة قلبية لا داعي له، إلا أن الطبيب كان في كل مرة يقول لها أنها يجب أن تقوم بالعملية”، بحسب قوله.
وتابع المتحدث أن “الطبيب بكل مرة كان يقول للسيدة: “انت كيف عمتقدري تمشي على رجليكي بدك عملية عالسريع”، متهماً الدكتور أنه “كان يصر على إجرائها العملية من أجل الكلفة المالية”.
وأكمل: “بعد انتهاء العملية حصل مع المتوفية انتكاسات بسبب فشل العملية، وبقيت 48 ساعة ومن ثم توفيت، ونحن طلبنا طبيب شرعي وقاضي شرعي كشفوا على سبب الموت وقالو إنه بسبب فشل العملية التي لم تكن بحاجة لها على الإطلاق”، وبحسب ما قاله ذوي المتوفية فإن “تلك التقارير موجودة لدى الشرطة”.
ولم ينفِ قريب المتوفية حادثة الاعتداء على الدكتور ومدير المشفى، دون أن يعلق عليها، ليكتفي بالقول: إن “العملية تمت دون الحاجة إليها ومن أجل المال، حيث تصل كلفتها لنحو المليون ليرة ما عدا الأدوية وكل ليلة تقضيها بالعناية المشددة بـ 600 ألف”، بحسب تعبيره.
ردود أفعال عنيفة من قبل الوسط الطبي
حادثة الاعتداء التي وصفت بـ “الوحشية” وأدخلت الطبيب ماردلي للعناية المشددة، نتج عنها ردود أفعال عنيفة مستهجنة للاعتداء من قبل مختلف الأوساط الطبية في حلب وخارجها، حيث انتشرت عبر مواقع التواصل الإجتماعي العديد من المنشورات التي تندد بهذا الاعتداء وتطالب بمعاقبة الفاعلين.
وتجتمع معظم الآراء على أن “هذا العمل مدان أخلاقياً وحضارياً قبل أن يكون قانونياً”، و”حوادث الوفاة في الطب عديدة، سواء كانت بالخطأ أو دونه، ولا يجب الرد عليها على مبدأ آخذ حقي بإيدي، فهناك قضاء وهناك لجان طبية هي من تحدد مسؤولية الطبيب من عدمها”.
هل الوفاة مبرر للاعتداء ؟
يتحدث رئيس جمعية المشافي الخاصة في حلب الدكتور عرفان جعلوك حول ذلك، موضحاً في بداية حديثه أنه “لا يوجد طبيب يسعى لموت مريضه، فنفسياً ومهنياً وأخلاقياً الأمر يعود بالضرر عليه حتى وإن كان ليس له علاقة بالموت ولم يرتكب خطأ”.
وعبر جعلوك عن فكرة بمجال العمل الطبي، (بغض النظر إن كانت دفاعاً أم لا)، قائلاً: “هناك أمر مؤلم لكل طبيب في العالم، هو فكرة أن موت الإنسان بمعظم الحالات تكون على سرير مشفى وأمام أعين طبيبه عندما يأتي القدر الذي لا أحد يستطيع منعه”.
وأضاف: “بالطبع جميعنا نشهد حالات تحدث في أروقة المشافي من أهل المرضى المتوفين بشكل عام، تكون ناتجة عن انفعالات وحزن شديد على فقيدهم يطال الطبيب والكادر التمريضي”.
وأردف: “إلا أن هذه الانفعالات يمكن أن تصل لحد التهجم اللفظي أو الضرب أيضاً، لكن ليس بهذا الشكل المتعمد الذي حصل مع طبيب يعد من أشهر وأكثر أطباء حلب خبرة”.
وأكد جعلوك هنا أن “الاعتداء الذي حصل كان متعمداً ولم يحصل من قبل شخص فقط بل أربعة أشخاص منهم ضابط في الشرطة، انهالوا على الطبيب بالضرب المبرح، دون وجود أي دليل فعلي ورسمي على أن سبب الوفاة هو خطأ الطبيب”.
“خرجت من المشفى على قدميها وعادت باليوم التالي”
وبالعودة للحالة الطبية للمريضة ورداً على اتهامات ذويها السابقة، ابتدأ مدير جمعية المشافي الخاصة في حلب الدكتور عرفان جعلوك شرحه لتلفزيون الخبر بالترحم على السيدة، قائلاً: “بشكل عام وأمر معروف لدى الجميع، فإن أهل أي متوفى غير مؤهلين لتقييم إن كان سبب الوفاة خطأ طبي أم اختلاطات، وهذا الأمر من مسؤولية الأطباء المختصين”.
وأضاف: “بحال الشك في الطبيب المختص، هناك أطباء آخرين يمكن أخذ رأيهم بالحالة كاستشارة، وصولاً للجنة طبية ممكن أن تكشف على الحالة إن كان ما زال هناك شك من ذوي المتوفى أو المتوفية بأن الطبيب يتحمل مسؤولية ما”.
وشرح جعلوك أنه “في الحالة المذكورة فالمريضة المتوفية سكرية (أي تعاني من مرض السكر)، وعندها مشاكل ضغط ومشاكل قلبية ودخلت للمشفى لإجراء عمل قثطرة طبيعي يجري مئات المرات في اليوم”.
وتابع جعلوك: “المريضة دخلت المشفى على قدميها وخرجت منه على قدميها أيضاً وعادت لمنزلها دون معاناة مع أي مشكلة، أي أن العملية حصلت وانتهت بنجاح وتم تخريج المريضة بعد التأكد من حالتها الصحية كاملاً”.
وأشار جعلوك إلى أنه “في اليوم التالي عادت المريضة بساعات الصباح الأولى وهي بحالة صحية سيئة نتيجة تعرضها لاختلاجات بعد العملية التي نكرر أنها كانت ناجحة وعادت المريضة لمنزلها بشكل طبيعي”.
وأردف جعلوك: “أدخلت المريضة إلى العناية المشددة ووضع لها أوكسجين وخضعت لمراقبة طبية كاملة مع كافة الإسعافات والإجراءات اللازمة، إلا أنها لم تتحسن وفارقة الحياة بسبب تدهور حالتها وعدم تحملها العملية وحدوث اختلاجات لها”.
وأكد مدير الجمعية على أن “حالة حدوث الإختلاجات بسبب عدم تحمل المريض لعمل جراحي ما هو أمر معروف طبياً، وبأسف شديد فهو حصل مع المريضة وأدى لوفاتها”.
هل حصلت العملية بسبب “ضغوطات الطبيب” كما يتهم الأهل؟
ورداً على ما تحدث عنه أهل المتوفية من أن المريضة لم تكن بحاجة العملية بالأصل وأجرتها بسبب “تخويف” الطبيب لها، كان تعليق الدكتور جعلوك واضحاً بـ “ليس من المنطق ولا يعقل أن تكون المريضة جاءت بنفسها وعلى قدميها للمشفى من أجل إجراء عمل جراحي غير مقتنعةً بضرورته”.
وبحسب رأي جعلوك، فإن “اتهامات الأهل مبالغ فيها بشكل ما، هناك طبيب أبدى برأيه لمريضة تقوم بمراجعته بالأصل، والمريضة لو كانت بالفعل لا تعاني من شيء، ما كانت لتراجع المشفى وما لجأت لأي طبيب بالأصل”.
وتساءل جعلوك: “لماذا يأتي أي شخص لطبيب إن كان لا يعاني من مشكلة ما؟ مردفاً: “السيدة المتوفية كانت تعاني مشاكل صحية هي سبب مراجعتها الطبيب، وهذا الطبيب قدم رأيه الطبي وتشخيصه بأنها بحاجة عملية قثطرة، وانتهى الموضوع هنا”.
وأضاف مدافعاً عن الدكتور المعتدى عليه محمود ماردنلي: “كيف يعقل لطبيب أن يبتز مريضاً لديه من أجل إجراء عمل جراحي لا حاجة له به؟، ولنفرض أن العملية لا حاجة لها، لماذا حصلت بالأصل ولماذا وافقت المتوفية وذويها على إجرائها وقدموا للمشفى إذاً؟”.
ونوه جعلوك بأن “ما يصور به الأمر هو أنه لم يكن هناك حاجة للعملية بالأصل، ولكن هذا الأمر ليس منطقياً، والدكتور الموجود في العناية المشددة يوجه له اتهامات بالابتزاز والجشع للأسف، علماً أنه من أقدر أطباء البلد، وكافة تلك الاتهامات لا تستند على أي دليل واضح”.
أما عن حادثة الوفاة ورد فعل الأهل بالاعتداء على الطبيب، أكد جعلوك أن “الموضوع لا يعالج بهذه الطريقة من ضرب واعتداء وحشي، بل يكون عبر رفع دعوى قضائية ولجنة خبرة طبية هي من تبحث وتكشف وتحدد إن كان هناك خطأ أم أن الوفاة سببها الاختلاجات بالفعل”.
بيد القضاء
ونوه رئيس الجمعية بأن “دعوى قضائية ضد المعتدين رفعت حالياً، كما أن لجنة خبرة طبية أولى تشكلت وجاء في تقريرها أنه لم يكن هناك خطأ من الطبيب، ورغم ذلك فإن لجنة أخرى ستشكل أيضاً، وقانونياً يمكن الاستعانة بلجنة خبرة طبية من أعضاء من خارج محافظة حلب لضمان حق الأهل وحق الطبيب بشكل كامل”.
ولفت الدكتور إلى أن “هذه هي الإجراءات القانونية التي نلتزم بها، والحادثة بتفاصيلها وتقاريرها وحتى كاميرات المراقبة التي وثقت حادثة الاعتداء على الطبيب وهو بحالة غير مستقرة، تم تسليمها للجهات القضائية المختصة التي ستحكم بكامل الأمر وتعطي كل ذي حق حقه”.
ونهايةً، طالب رئيس جمعية المشافي الخاصة الدكتور عرفان جعلوك عبر تلفزيون الخبر من مجلس الشعب، “تقديم مشروع تشريع من شأنه حماية الأطباء الذين يتعرضون لاعتداءات مستمرة عليهم بغض النظر عن شدتها”، مشدداً على “ضرورة وجود عقوبات رادعة شديدة من شأنها حماية الأطباء”.
وبحسب رأي الدكتور فإن “هكذا حوادث يعاني منها الآلاف من الأطباء تعطي ردود أفعال خطيرة، كأن يمتنع مثلاً طبيب ما عن استقبال مريض حالته خطرة، ليس شكاً بقدراته، بل تخوفاً من موت المريض والتعرض للاعتداء والضرب من قبل ذويه وتحميله مسؤولية الوفاة حتى وإن كان لا علاقة له بها”.
وفا أميري – الخبر
إضافة تعليق جديد