إطلاق أول مكتبة عمومية للأطفال
اعتقد أسامة الحلبي «40 سنة» والعائد إلى وطنه بعد رحلة اغتراب طويلة أن بإمكانه قضاء جزء من وقته وإجازته الطويلة بشيء أكثر فائدة ومتعة له وللعائلة، خصوصاً أنه لم يقصر فقام بعدة زيارات ترفيهية وسياحية معهم، وأول ما خطر بباله أن يصطحب أطفال أخيه لقضاء بعض الوقت في القراءة والمطالعة، فتوجه معهم إلى مكتبة الأسد. وباستغراب بدأ يكمل الحادثة لي فقال: أليست هذه أكبر مكتبة في سورية؟... أليست أكبر صرح ثقافي لدينا في البلد؟... وتابع: تخيلي أخذت أطفال أخي لنتمتع بعض الوقت في القراءة في المكتبة وعندما وصلنا هناك... رفضوا إدخالنا.. ممنوع دخول الأطفال إلى المكتبة وهي مخصصة للكبار فقط.. وعاد ليسألني: أين يذهب الأطفال للقراءة والمطالعة..؟ ألا يوجد أماكن خاصة من مكتبات أو نواد لذلك مثل الكبار؟.
لوهلة شعرت بالإحراج أمامه... وكي لا أجيب بلا قاطعة في وجهه سألته: وماذا فعلت بعد ذلك مع الأطفال؟ بماذا عوضتهم عما وعدتهم به؟ فقال: اشتريت بعض القصص وذهبنا إلى البيت لقراءتها.. ولكن!! اليوم استطيع القول لأسامة:
مساء أمس كان الموعد في اللاذقية لافتتاح أول مكتبة عمومية للأطفال من عمر الأشهر حتى الخامسة عشرة مع مرافقيهم، وتتسع لحوالى مئتي طفل وتحتوي مبدئياً على 3500 عنوان بالإضافة إلى 200 مقطوعة موسيقية ومجموعة كبيرة من الأفلام والرسوم المتحركة وبقاعات وأقسام متنوعة من القراءة حتى الكمبيوتر والإنترنت إلى الألعاب.
مساء أمس افتتحت السيدة أسماء الأسد المكتبة العمومية للأطفال في اللاذقية. ليعلن بذلك وعبر وضعها في الخدمة التوجه إلى جمهور جديد «هم الأطفال» الذين طالما غضضنا الطرف عن أهمية زرع حب القراءة والمطالعة فيهم بشكل جماعي منظم ومركز منذ الصغر ولنعيد بذلك دور الكلمة المطبوعة وأهمية الكتاب والقصة والقصص عبر المكتبات كحافظة للتراث الفكري والثقافي للإنسان بدءاً من طفولته.
وتبدو أهمية هذه المكتبة ليس من كونها حافظة للتراث الفكري فقط بل من كونها تتوجه أيضاً إلى جمهور غير تقليدي هم الأطفال في سن مبكرة ومن عمر الأشهر حتى الخامسة عشرة. إضافة لتنوعها بدءاً من المطالعة إلى نادي السينما إلى استضافة ضيف كل أسبوعين في المكتبة يقوم بقراءة قصص الأطفال ويحاورهم بعدها. أضف إلى ركن مخصص للكمبيوتر وركن آخر للانترنت وركن لمرافقي الأطفال وركن للاستماع للموسيقا.
السيدة أسماء الأسد على هامش حفل الافتتاح وفي حواراتها مع المشاركين والمعنيين رأت أن هناك أشكالاً جديدة من المعرفة التي يجب أن يزود بها المواطن اليوم. إلا أن الكلمة المكتوبة تبقى المدخل الرئيسي لكل هذه الأشكال وأضافت: إن أهمية هذه المكتبة لا تنبع فقط من كونها للأطفال إذ إن الكتاب هو المدخل السحري للأطفال يزودهم بطريقة لفهم الحياة عن طريق التجارب التي يعايشها مع بطل الكتاب عن طريق مخيلته، بل من خصوصية تجربة القراءة. فالعالم الذي يخلق بين الطفل والكتاب الذي يقرؤه عالم سحري لا يمكن لأحد أن يخترقه وما إن يحس الطفل بهذه الخصوصية حتى يعتنق الكتاب مدى الحياة.
منذ عام ونصف تقريباً بدأت ثلاث جهات أهلية وحكومية بالتحضير لإنشاء هذه المكتبة هم جميعة قوس قزح لطفولة أفضل بالتعاون مع وزارة الثقافة ومحافظة اللاذقية ولم يتوان القطاع الخاص ورواده عن دعم هذه المكتبة فنياً ومادياً لجعلها بهذا الشكل الحضاري المتنوع والمتعدد الفائدة والأهمية.
ولا يفوتني هنا الإشارة إلى مشاركة نادي الرسم المجاني للأطفال في اللاذقية إلى جانب المكتبة العمومية على طريقتهم الخاصة فاحتلوا جزءاً من المكان ليقيموا فيه ما سموه «شارع أوغاريت» وهو تجسيد عن رؤيتهم وزيارتهم إلى مدينة أوغاريت، حيث بنوا تصوراتهم لمدينة أوغاريت، هذا الشارع في قلب المركز الثقافي بأقسام متعددة، وبابتكارات جديدة من مخيلتهم سواء بالمنحوتات أو الرسوم أو الحروف أو الأختام والعملة النقدية.
ولم يخل حفل الافتتاح من عرض مسرحي للأطفال أعادوا علينا فيه رواية وقصة اكتشاف مدينة أوغاريت وكيفية اكتشاف اللقى الأثرية هناك، ليضيفوا بعداً آخر للزمان والمكان والتاريخ والثقافة ببساطة وعفوية وجمال.
السيدة هديل حسن المديرة التنفيذية في جمعية قوس قزح قالت: تعمل مؤسسة قوس قزح منذ نشأتها 2003 على ثلاثة محاور رئيسية هي تقديم الرعاية الأسرية البديلة للأطفال المحرومين منها من خلال مشروع بيوت قوس قزح والمحور الثاني هو مشروع حماية الطفل والمحور الثالث هو مشروع ثقافة الطفل من خلال عدة مشاريع وأنشطة وفعاليات تهدف لإثراء ثقافة الطفل ومنها على سبيل المثال متحف الأطفال الذي أنشئ قبل فترة بدمشق ومشروع مكتبة الأطفال العمومية التي تفتتح الآن وهناك بالتأكيد مشاريع قادمة نعمل عليها ونأمل أن نعمم أيضاً هذه المشاريع في كافة المحافظات.
وعن فكرة إنشاء مكتبة للأطفال قالت السيدة هديل: جاءت الفكرة من كون مؤسسة قوس قزح تعنى بأحد محاورها بثقافة الطفل السوري وفي صلب اهتماماتها واخترنا اللاذقية إحياءً لدور أول مكتبة سورية كانت موجودة في أوغاريت تاريخياً، وطبعاً نفكر ونتمنى بتعميم هذه الفكرة وإنشاء مكتبات أخرى في كل المحافظات وهذه هي البداية وحلمنا أن نصل إلى مكتبة في كل حي.
أما عن فريق العمل في المكتبة فقالت: قمنا خلال عام بتأهيل 30 شخص للعمل مع الأطفال في المكتبة منهم من سيكون فريقاً ثابتاً في العمل ومنهم من سيكون فريقاً داعماً لعملنا في الأنشطة الموازية لعمل المكتبة سواء داخل المكتبة أو خارجها، وتم تحديد اشتراك رمزي جداً وسنوي هو مئة ليرة في المكتبة، لتشجيع الأهالي مع الأطفال على ارتياد المكتبة، وعما يميز تجربتهم في المكتبة قالت: إضافة إلى أهمية الشريحة التي توجهنا إليها كنا محظوظين بدعم المجتمع المحلي والقطاع الخاص والحكومي.
وحول أهداف تأسيس مكتبة عمومية للأطفال قالت: حددنا أهدافاً واضحة وقابلة للتحقيق والقياس كتقديم الخدمات الثقافية والترفيهية للأطفال على اختلاف أطيافهم وأوضاعهم المعيشية لتنمية روح الثقة والشعور بالانتماء لديهم من خلال تزويدهم بمصادر المعلومات وتنشأتهم بطريقة إيجابية تكسبهم المهارات التي من خلالها يصبحون قادرين على المشاركة والتعبير وكل ذلك من خلال نوعين من الأنشطة التي تقدمها المكتبة إما أنشطة داخلية وإما أنشطة خارج المكتبة موازية لعملها فمثلاً الأنشطة الداخلية كاستعارة الكتب ومجموعة أنشطة تلقّ ثقافي وبرامج تدريبية تفاعلية، أما الأنشطة الخارجية الموازية فهي عبارة عن مكتبة متنقلة ونشرات دورية وندوات حوارية متنقلة ومسابقات وملتقيات بين الأطفال في كافة المحافظات.
والفنان رسام الكاريكاتير عصام حسن عن مشروعهم نادي الرسم المجاني للأطفال: أراد الأطفال المشاركة على طريقتهم بتجسيد تصوراتهم بعد زيارتهم لمدينة أوغاريت الأثرية للمشاركة في حفل افتتاح المكتبة العمومية من خلال شارع أوغاريت حيث بنوا تصوراتهم عن المدينة داخل المركز الثقافي بجوار المكتبة العمومية، وأردنا من خلال التعاون مع مؤسسة قوس قزح إشراك الأطفال بإبداعاتهم وتصوراتهم وأقيمت عدة ورشات عمل سابقة تحضيرية منذ بداية الشهر، على اعتبار أن المكتبة للطفل ونحن في مدينة أوغاريت فكان الخيار أن يكون للأطفال دور خاص في افتتاح مكتبتهم بشيء خاص من أوغاريت، وعن مراحل العمل قال: حاولنا تجميع علب الكرتون من شوارع المدينة وأعدنا أطفال نادي الرسم وبدؤوا العمل بعد زيارتهم لأوغاريت وأعيدت صياغة التصورات لتأخذ هذا الشكل. والفكرة ليست لنسخ التاريخ لأوغاريت كما هو بل هي أوغاريت مع تدخل الحاضر فيها، فخصص للأطفال مكتبة بالإضافة الى بنك يحوي عملات من صنع الأطفال ومخيلتهم كما قاموا بتصنيع اختام اسطوانية الشكل ومحفورة لختم الرقم الطينية من خلال الرسم والتعبير الحر.
أما لماذا توجه لهذا المشروع؟ فقال: لاحظت من خلال المدارس ان طرق تعليم الرسم تقليدية جداً وتلقينية، وهناك أربع صور نراها دائماً «شجرة ـ نهر ـ طير أكبر من البيت أحياناً» ومن خلال العمل في النادي والورش نحاول ابعادهم عن الطرق التقليدية قدر الإمكان ووضعهم في مكان حر وإعطاءهم مساحة لاستغلال خيالاتهم الفنية والخصبة جداً. ولمسنا أشياء جميلة عندهم بعد توفير هذه الفرصة، وابتكارات جديدة ونجد مثلاً هنا زاوية للرسم وجهة هي مكتب إعلامي للأطفال وقسماً للبنك... وهي كلها تقاطعات لأفكار الأطفال.
وفي وقفة مع الأطفال قال جعفر زيدان «10 سنوات» حاولت من خلال اطلاعي على التراث وثقافة أوغاريت تصنيع رموز خاصة بنا وجديدة من أفكارنا، مصدر معلوماتي السابق كان والدي يحضر لي القصص ولكن اليوم سأقوال له ليصطحب اخوتي وأنا إلى المكتبة لنقرأ ونرسم ونستمع للموسيقا هنا في المكتبة الخاصة بالأطفال.
أما زياد عباس «سبع سنوات» فقال: أشارك في التمثيل ولكن ذلك يكون أفضل كلما قرأت وتعلمت أكثر وها هي مكتبة أنشئت خاصة بنا لنطور أنفسنا ونتعلم أفضل.
في حين رأت رائدة علي «45 عاما» أم لثلاثة أطفال ان وجود مكتبة بآلاف القصص والكتب سيمكنها بشكل دوري من اصطحاب أطفالها اليها لقضاء وقت في القراءة والحوار لتوسيع مداركهم ومعارفهم وخصوصاً بوجود كمبيوتر وانترنت وبشكل مجاني وأضافت: وهذا يراعي أوضاعنا الميعيشية والمادية فبدل شراء الكتب والقصص يمكن استعارتها وإعادتها فيما بعد وتمكن الأهل من مشاركة أبنائهم أيضاً لقراءاتهم المتنوعة.
لاشك أن افتتاح أول مكتبة عمومية للأطفال سينعكس بشكل مباشر على تنوع مصادر المعرفة والتعلم عند الأطفال وهي كلها مفاهيم تدخل حياتنا يوماً بعد يوم بشكل أكبر. لكن هذا الإنجاز كم سينعكس على الأطفال وماذا عن بقية الأطفال في المحافظات؟ ندرك أن المهمة ليست سهلة وتحتاج للكثير من الجهد لكننا نأمل ونحلم كما يحلمون في قوس قزح ان يعمل الجميع: الحكومة والقطاع الخاص والأهلي ليكون الكتاب بمتناول الجميع وأن نؤسس لمكتبة في كل منطقة وقرية لنفتح آفاقاً جديدة لأطفالنا فهل يتحقق الحلم؟! سؤال نتركه مفتوحاً أمام كل من يعنيه أن يستثمر في الأطفال وفي تشكيل عقولهم، وتنمية مهاراتهم وإبداعاتهم.
فريال زهرة
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد