إعادة الألق للكوميديا السورية
يستعدّ الفنان السوري أيمن رضا لإطلاق حلقات جديدة من السلسلة الكوميدية «بقعة ضوء»، بعدما انسحب منها في السنوات الماضية، نتيجة خلافات حادة مع المخرج الليث حجو. آنذاك، اعتبر أن السلسلة الكوميدية التي حققت نجاحاً كبيراً، فقدت بوصلتها، وابتعدت عن أهدافها الأولى التي تتمثل بروحها الكوميدية الشعبية، إضافة إلى غياب الأفكار الخلّاقة والحبكة المتينة التي تفتقدها معظم النصوص المقترحة. وعلى رغم أن حصّة الكوميديا في الإنتاج التلفزيوني السوري تشكل نسبة عالية من كمية الأعمال المنتجة سنوياً، دخلت معظم هذه الأعمال منطقة التهريج من بابه الواسع، وابتعدت مسافة كبيرة عن أصالة أعمال الرواد، تلك التي أرسى دعائمها الثنائي: دريد لحام ونهاد قلعي في حقبة الستينيات من القرن المنصرم. ويراهن أيمن رضا على اختزال المسافة من جديد واكتشاف مناطق الكوميديا الحقيقية النابعة من روح الحارة الشعبية وأناسها. ويرى صاحب «مرزوق على كل الجبهات» أن نهاد قلعي كاتب من طراز خاص يصعب تكرار تجربته الكوميدية العميقة في نبش أعماق الشخصية الشعبية. والدليل أن أعمال مثل «حمّام الهنا»، و«صح النوم»، لا تزال في واجهة الأعمال الكوميدية السورية، وتلقى الإقبال نفسه من جمهور المشاهدين في كل إعادة لهما. ولم يستطع أي كاتب سوري آخر، تأصيل شخصيات كوميدية صارت اليوم جزءاً من ذاكرة الجمهور على مستوى العالم العربي مثل غوار الطوشة، وحسني البورظان، وأبو عنتر، وأبو كلبشة، وفطوم حيص بيص، وأبو صيّاح، وياسين بقّوش...
ويعلّق كاتب السيناريو نجيب نصير: «إن الشخصية السورية التي تقترحها الدراما اليوم، شخصية غائمة ومتجهّمة عموماً، تفتقر إلى روح الكوميديا، على العكس من الشخصية المصرية مثلاً. إنها كوميديا تنهض على الهجاء والنكتة العابرة والثرثرة المجانية». من جهته، يشير باسل خياط إلى أنه يرفض المشاركة في أعمال تستنسخ نفسها باستمرار، ما جعل الشخصيات متشابهة، وهذا ما قادني إلى الانسحاب من أسرة «بقعة ضوء».
كوميديا الاستنساخ تصلح لأن تكون عنواناً لمعظم الأعمال المنجزة في السنوات الأخيرة. بعد نجاح الجزء الأول من مسلسل «عيلة خمس نجوم» للمخرج هشام شربتجي، استنسخت الجهة المنتجة سبعة أجزاء لاحقة، لم تلق نصيبها من النجاح. ولم تتمكن من استعادة الحضور الكوميدي البارع لأبطال الجزء الأول، مثل سامية الجزائري، فارس الحلو، أمل عرفة وأندريه سكاف. كما صور أيمن زيدان ونورمان اسعد جزءين من «جميل وهناء». وحتى حين حاول دريد لحام استعادة شخصية غوار الطوشة في مسلسل «عودة غوار»، تعرّض العمل إلى فشل ذريع بغياب المقوّمات الأساسية للشخصية التي ابتكرها الراحل نهاد قلعي، بكل هامشيتها ومكرها وشعبيتها وظرفها التاريخي. الأمر ذاته تكرر مع شخصية أبو الهنا التي جاءت مزيجاً هشّاً من غوار وشخصية الرجل الصغير المغلوب على أمره. أما بالنسبة إلى كاتب كوميدي كبير من طراز محمد الماغوط، فهو لم يستطع أن يستعيد أمجاده القديمة، حين حاول الاتكاء على أدوات قديمة في إثارة الضحك. هكذا جاء عمله الأخير «حكايا الليل والنهار» باهتاً ومكروراً، ويفتقر إلى الحد الأدنى من الإضحاك.
في الفترة الأخيرة، حاول كاتب كوميدي جديد هو محمد أوسو، تسليط الضوء على واقع الحارة الشعبية اليوم، وحياة بشر الأحياء العشوائية، في عملين ناجحين تميزا بالبساطة والقدرة على ملامسة الحس الكوميدي لدى بشر هامشيين ومهملين على قاعدة «شرّ البلية ما يضحك»، هما «بكرا أحلى»، و«كسر الخواطر». وهو ما أنعش سجلّ الكوميديا السورية بما سبق وافتقدته في أعمال أخرى. وكان ياسر العظمة صاحب السلسلة الشهيرة «مرايا» قد اتّهم ورشة «بقعة ضوء» بتقليد عمله واستنساخه. لكن العظمة، في حقيقة الأمر، هو أول من استنسخ «مرايا» التي كانت في بداية انطلاقتها قبل نحو عقدين من الزمن نموذجاً للكوميديا الراقية. لكن إصرار صاحبها على استمرارها، أبعد الجمهور عنها، وخصوصاً أنها تقارب في أسلوبية كتابتها وإخراجها الأسلوبية الإذاعية باعتمادها الحوارات المطوّلة، وهيمنة ياسر العظمة على تجسيد معظم شخصياتها، حتى تلك التي لا تتناسب مع شخصيته بغياب مخرج يتحكم بإدارة العمل، بدليل تعاقب عشرات المخرجين في تحقيق هذه السلسلة.
في السابق، وصلت شهرة الأجزاء الأولى من «بقعة ضوء» و«مرايا» إلى صحف ومحطات عالمية، بينها «سي إن إن». يومها، تناول الإعلام الغربي أعمالاً سورية نجحت في تجاوز الخطوط الحمراء، والحديث عن الفساد والقهر والجوع وهموم المواطن السوري. فهل سيعيد «بقعة ضوء» في نسخته الجديدة الألق إلى الكوميديا السورية؟ هذا ما يراهن عليه أيمن رضا والورشة الجديدة للعمل التي بدأت البحث عن النصوص والمخرج المناسبين.
خليل صويلح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد