احتدام الحرب الباردة في لبنان بين الفريق الغربي والفريق الشرقي
لم يتقدم وسيط محلي او عربي جدي حتى الآن لردم هوة الجسور المقطوعة بين فريقي الاكثرية والاقلية اللبنانية، على خلفية موقفهما من قضية استعادة التوازن السياسي، في ظل استمرار التحشيد السياسي والعملي من الجانبين، استعدادا لفصل جديد من فصول مواجهة سياسية، بين طرفين يسيران في اتجاهين متعاكسين.
وفي انتظار توفر المبادرة، يواصل مدير التشاور رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري جولته الخارجية التي ستقوده من ايران الى الكويت وربما الى دولة ثالثة، في اشارة موجهة منه الى فريق الاكثرية، في معرض تحميله اياها مسؤولية افشال طاولة التشاور، معتبرا ان الكرة في ملعب الآخرين، ملمحا امام بعض من تواصلوا معه هاتفيا امس، الى ان مطلب الثلث زائد واحد صار ثانويا، وأقل بكثير من الحد الادنى المطلوب، وهو الامر الذي اكد عليه ايضا كل من النائب ميشال عون وقيادة حزب الله اللذين ألمحا الى خيار الذهاب نحو الانتخابات النيابية المبكرة على اساس قانون انتخابي عادل تضعه حكومة محايدة ومن ثم اجراء انتخابات رئاسية فتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وفي المقابل، بدا فريق الاكثرية، كأنه رسم خارطة طريق موازية، تتمثل في طرح سلة حل متكاملة، لخصتها مصادر رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة بقولها ان عناصر الحل المتكامل هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وتشكيل حكومة تصدر قانونا للانتخاب يكون مقدمة لاعادة صياغة الحلول لكل المشكلات المطروحة. وأشارت الى ان الخروج من الأزمة، التي لا يمكن انكارها، يتطلب الوصول الى تسوية،
والتسوية تعني أن يتقدم كل طرف نحو الآخر خطوة، وهي كما ترتسم اليوم تتطلب من الجميع التقدم خطوات.
وفي اطار البحث عن مخارج، طرحت جريدة السفير اللبنانية سؤالا مشتركا على عدد كبير من قيادات الاكثرية والمعارضة وبعض الشخصيات السياسية، في محاولة لتقديم ما يمكن ان يطمئن اللبنانيين الى حاضرهم ومستقبلهم، في ظل حالة قلق آخذة بالتنامي تعبر عنها مشاهد الحياة العامة والاسواق، يوميا، كما صرخة الهيئات الاقتصادية والعمالية والمهنية التي بدأت تدرس فكرة الدعوة الى عقد مؤتمر انقاذ وطني، فيما كشف رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود ان الهيئات مجتمعة تدرس امكان اللجوء الى الإقفال الشامل وتسليم مفاتيح المؤسسات الى السياسيين واعتبار هذه الخطوة آخر الدواء.
وقالت مصادر الرئيس اميل لحود ان المخرج من المأزق الراهن يكون باقتناع الاكثرية بضرورة اتخاذ قرار عاقل وحكيم بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشترك فيها كل الاطراف، وتكون مكانا يلتقي فيه الجميع للبحث في كل النقاط العالقة والمختلف عليها، ويكون مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لتلاقي الجميع في هذا الحوار. فلا يجوز تغييب فريق لبناني كبير له تمثيله الشعبي والسياسي عن المشاركة في القرار داخل السلطة، وإلا تكون السلطة والحكومة عرجاء.
وقال رئيس الحكومة اللبنانية السابق الدكتور سليم الحص ان المخرج الوحيد للأزمة الراهنة لا يكون الا بالعودة الى طاولة الحوار الوطني، والعنوان الوحيد للحوار يجب ان يكون الوضع الحكومي غير الطبيعي، متسائلا عن سر قدسية هذه الحكومة حتى لا تتبدل او تتغير؟ وقال حتى في اكبر ديموقراطيات العالم تتبدل الحكومات، فلمَ الاصرار على هذه الحكومة سوى انه شاهد على هزال الديموقراطية في لبنان؟.
وقال رئيس الحكومة اللبنانية السابق عمر كرامي انه بعد اصرار الاكثرية على عقد جلسة مجلس الوزراء الاخيرة من دون مشاركة الوزراء المستقيلين، هل ما زال حزب الله والتيار الوطني الحر يقبلان بمطلب الثلث المعطل، ام ان المسألة تخطت هذا الامر؟.
من جهته، وصف السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية في حديث لوكالة رويترز، مطالب حزب الله وحلفائه بأنها استبداد وطغيان الاقلية، وحذر من ان احتجاجات حزب الله في الشارع قد تقود الى تظاهرات وتظاهرات مضادة وقد تعرض مؤتمر باريس 3 للضياع.
واشار النائب سعد الحريري الى ان رئيس الجمهورية اللبنانية يقول ان الحكومة غير دستورية وان جلسة مجلس الوزراء غير دستورية، بينما يقول الرئيس بري بدستورية الجلسة والحكومة (تراجع بري عن ذلك امس)، وقال نحن نوافق على ضرورة اكتمال النصاب الطائفي، وهذا أمر بحاجة الى مخارج دستورية وقانونية يجب أن تُبحث مع الرئيس بري بالدرجة الاولى، ومع سائر الاطراف المعنية. كما ان ايجاد هذه المخارج هو ما يسعى اليه رئيس الحكومة الذي سبق واعلن تمسكه ببقاء الوزراء المستقيلين.
وأضاف الحريري نحن لن نقطع الطريق امام اي مخرج يعيد الاعتبار لمنطق الحوار. هناك من يروّج ان البلاد وصلت الى جدار مسدود ونحن لا نعتبر ان ذلك حاصل حتما. نعم هناك مخارج لكنها تبدأ بالعودة الى منطق الحوار ووقف منطق التصعيد والتدهور والشارع.
وقال الحريري ان المخارج تُبحث في الاطر الدستورية المعروفة وفي المؤسسات وليس في الشارع أو اي اطر تهديدية أخرى. ونفى وجود اي اتصالات لعقد اجتماع مع السيد حسن نصر الله عبر السفير السعودي او الجماعة الاسلامية، وقال لا توجد اتصالات، ولكن ليس لدينا مانع.
ورأى الحريري في حوار اجرته معه فضائية العربية امس، ان استقالة وزراء امل وحزب الله من الحكومة في اللحظة التي كانت تتم فيها مناقشة مسودة المحكمة الدولية على طاولة مجلس الوزراء، كانت خطأ يجب عدم حصوله، وكان من الممكن الانتظار قليلا لأن الشعب اللبناني، كان مجمعا على معاقبة القتلة المجرمين.
ورفض تبني المعلومات القائلة بوجود تورط لحزب الله في الاغتيالات الداخلية، قائلا: هناك اربعة ضباط في السجن متورطون وأنا يمكنني ان اجزم ان حزب الله ليس متورطا. انا اعرف حسن نصر الله واعرف طريقة عملهم، وأعرف انهم وطنيون ويحبون رفيق الحريري الذي كانت تجمعهم علاقة جيدة معه. وقال ردا على سؤال انه في حال نزول الآخرين الى الشارع سننزل ولدينا خطة للمواجهة.
وقال النائب وليد جنبلاط لشبكة وورلد نيت ديلي أمس، إن السوريين يحاولون انتهاز الظروف من خلال خلق حالة من الفوضى، ومن خلال استخدام حزب الله للإطاحة بالحكومة من اجل التخلّص منا. وقال إن هذه الاحتجاجات (استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة) يمكن أن تولّد العنف والفوضى، مضيفا ما كان ليحصل ذلك من دون دعم سوريا. وأوضح جنبلاط أن قرار الرئيس الاميركي جورج بوش بغزو العراق كان أمراً صائباً، معتبراً أن انسحاباً مبكراً قد يرسل إشارات خاطئة لسوريا وإيران، ما قد يتسبب في زعزعة الاستقرار في المنطقة.
ورأى رئيس الهيئة التنفيذية لالقوات اللبنانية سمير جعجع ان الحل في عودة الوزراء عن استقالاتهم وتمثيل كتلة العماد ميشال عون في الحكومة. وكشف انه ناقش والنائب سعد الحريري عبر اتصال هاتفي اجرياه امس في كيفية العمل على توسيع آفاق الحلول وايجاد مخارج ترضي جميع الاطراف. وبحثنا مجددا امكانية طرح تسوية عبر معالجة موضوع رئاسة الجمهورية والحكومة معا، مشيرا الى انه يمكن للرئيس بري ان يساهم في بلورة حلول عبر اتصالات مباشرة أو غير مباشرة أو عبر طاولة حوار جديدة. وفي النهاية نحن محكومون بالتوافق.
وقال نائب مجلس النواب اللبناني ميشال عون ان المخرج الوحيد المتاح الآن، والذي ربما لن يكون متاحا لاحقا، يتمثل في ان تقبل الاكثرية بتعديل تركيبة الحكومة الحالية، وفقا لقاعدة الثلث المشارك، وهذا هو الحد الادنى الذي لا يمكن التنازل عنه، على ان تتم بعد ذلك معالجة قضية المحكمة الدولية تبعا للأصول الدستورية من خلال حكومة مكتملة المواصفات وتتمتع بالصفة التمثيلية. وكشف عون عن ان المفاجأة السارة التي سبق ان تحدث عنها ستكون في الشارع، حيث ان هذه الحكومة التي لم تعتد على احترام الأصوات في صناديق الاقتراع ولا على الاصغاء للأصوات تحت قبة البرلمان، قد تجد ذاتها مضطرة لسماع صدى أصوات الأقدام في الشارع، أما توقيت اللجوء الى هذه الخطوة فيخضع للدرس مع الحلفاء، منبها الى ان شعار التحرك الشعبي، متى بدأ، ربما يرتفع الى مستوى المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة.
واتهم عون فريق الرابع عشر من شباط بأنه دق بما اسمها الرفات المتبقية من صلاحيات رئيس الجمهورية اللبنانية والمتمثلة في المادة 52 من الدستور، كما انه انتهك حرمة النظام التوافقي حين قفز فوق مقدمة الدستور التي تؤكد ان السلطة لا تكتسب شرعية خارج مظلة العيش المشترك وتمثيل الجميع.
ولم يشأ عضو قيادة حركة امل النائب علي حسن خليل التوسع في الكلام حول ماهية المخرج المطروح من جانب الرئيس نبيه بري وامل، واكتفى بالقول اننا امام التطورات المستجدة خلال الايام القليلة الماضية، وما صدر عن فريق الاكثرية، ندرس كل الاحتمالات بروية، وخطواتنا المقبلة سنحددها انسجاما مع المصلحة الوطنية.
اما موقف حزب الله، فقد عبر عنه النائب حسن فضل الله، الذي قال ان قوى 14 شباط ارتكبت خطيئة وطنية، ليس بحق رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب او طائفة بأكملها، انما بحق صيغة العيش المشترك والوفاق الوطني، وهددت هذه الخطيئة تركيبة لبنان. وحزب الله لا ينظر اليها باعتبار انها وليدة قرار محلي فقط، انما هي نتيجة تعليمات خارجية. وبالتالي، فإن الأزمة تجاوزت ما كان يتم التداول به على طاولة التشاور.
اضاف فضل الله: ان المخارج التي كانت مطروحة سابقا، لم تعد مطروحة على جدول اعمال حزب الله والمعارضة. وقال ان المجموعة الحالية برئاسة السنيورة، ليست لها اي صفة دستورية، بل صفة سياسية. وكل قراراتها تُلزم فريقها فقط، لذلك ان المخرج هو بتكوين سلطة جديدة وفق انتخابات نيابية مبكرة وعلى اساس قانون انتخابي عادل.
من جهة ثانية، نقلت فرانس برس عن مصدر حكومي لبناني توقعه ان يقر مجلس الامن الدولي في غضون ايام قليلة مسودة مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي للمحاكمة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد