ارتفاع درجة الحرارة وهبوطها.. يسببان زيادة حوادث المرور
يدرس علماء من مختلف الاختصاصات وقائع تأثير المناخ على البشر، ويعكف على دراسة هذه القضايا خاصةً علماء الطقس والانواء الجوية، وخلال السنوات الاربع الماضية قامت مجموعة من العلماء الاوروبيين، وبطلب من حكومات بلدانهم، بدراسة جميع حوادث المرور وخرجت باستنتاجات غير متوقعة نوعاً ما، فإن تلك الحوادث تزداد ليس أثناء هطل الأمطار أو نزول الضباب، بل عندما يكون الطقس حاراً جداً أو بارداً جداً.
فعندما تزداد السخونة.. يزداد عدد حوادث الطرق بنسبة 20٪، وتزداد الوفيات في حوادث المرور بأكثر من 10٪ عندما يتبدل الطقس، هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه العلماء بعد تحليل ملابسات وفاة حوالي 2.5 مليون شخص في حوادث المرور.
تأثير الطقس على صحة الانسان معروف منذ القدم، فالظروف المناخية تؤثر ليس فقط على حالة الانسان البدنية، بل وكذلك على حالته النفسانية، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر.. تم التأكد من الترابط الملموس بين الطقس والمناخ، وبين مختلف الأمراض، ويلعب الهواء دون شك الدور الأكبر في حياة الناس، فإن حرارته ورطوبته تحددان شروط التبادل الحراري في الجسم، وكذلك التنفس ونشاط القلب والدورة الدموية والبشرة.
،لذلك تؤثر الخصائص المناخية للمنطقة تأثيراً مباشراً في صحة الانسان.
يستهلك الانسان بمعدل كيلو غرام واحد من الطعام وبمعدل ليترين من الماء في اليوم، إلاأنه يحتاج إلى 25 متراً مكعباً تقريباً من الهواء، وللأسف فالهواء الذي نتنفسه غالباً ما يحتوي على مخاليط ضارة بالصحة، فالناس اليوم وخاصةً سكان المدن، يعيشون في جو يحتوي السنتمتر المكعب الواحد من هوائه على أكثر من 10 آلاف من مختلف الجزيئات: الغبار والبكتريا والفيروسات والمخاليط البيولوجية والدخان وغير ذلك من المواد الضارة.
ونظراً لكون الانسان العادي يقضي 70 - 80٪ من وقته داخل المباني فيمكن القول: إن نوعية هواء المساكن تؤثر تماماً على صحة الانسان.
الجزيئات تتسرب إلى الجسم.. ويمكن أن تسبب أضراراً له، ومن بين كل 20 حالة وفاة هناك متوفى واحد بسبب الدخان الذي يلوّث هواء المدن، وتفيد معطيات منظمة الصحة العالمية أن عدد المتوفين من غازات السيارات ودخان المداخن أكثر بثلاث مرات من عدد المتوفين في حوادث المرور.
وتؤكد هذه المعطيات الاستنتاجات التي توصل إليها العلماء الايطاليون والقائلة: إن الغازات والدخان (السموك) في 8 من أكبر مدن العالم تقتل سنوياً 3500 شخص، فيما يقضي ما لا يقل عن 100 ألف شخص نحبهم سنوياً في القارة الأوروبية بسبب تلوث الجو.
وتتوقف على الطقس والمناخ ليس فقط صحة الانسان وطول العمر، فالطقس يؤثر أيضاً في الأبعاد والمواصفات البدنية الفيزياوية، وعلى سبيل المثال متوسط نمو الانسان، ففي الفترة الأكثر دفئاً في التقويم الميلادي (القرن الثاني عشر - الخامس عشر) كان متوسط النمو وعمر الانسان أطول بنسبة 10٪ بالمقارنة مع الفترة االباردة التي حلت بعد ذلك، وقد تأكد العلماء من أن المناخ يؤثر تأثيراً جوهرياً في تكوين بدن الانسان، فان تغيّر أبعاد وأحجام أجسام الكائنات الحية هو أحد أساليب التكيّف للمناخ، وكلما كان الكائن الحي أضخم.. كان التناسب بين سطح بدنه وحجمه أقل، وبالتالي يستهلك طاقةً أقل للحفاظ على درجة حرارة الجسم المطلوبة.
ويرى بعض الباحثين أن ذلك يمكّننا من تفسير سبب تقلص متوسط حجم (كتلة البدن) عند السكان كلما اقتربنا من خط الاستواء. فإن متوسط وزن الاهالي في فنلندة 69.3 كيلو غراماً، وفي منغوليا 55.8 كغ، وفي الفيتنام 50.4 كغ وفي صحراءكالاهارا 40 كغ، الا أن الاستنتاجات الأكثر دقةً.. تتطلب الالتفات إلى السنن البيولوجية والظروف الاجتماعية أيضاً.
ثم إن الظروف المناخية تترك أثرها في تعقد أمراض الحساسية والأمراض السارية، مثل الربو والملاريا وما إلى ذلك، إلا أن التأثير الأشد على جسم الانسان يعود إلى الظواهر قصيرة الأمد المرتبطة بتبدل درجة الحرارة الشديدة ورطوبة الهواء والضغط الجوي وشدة الرياح.
خلال المئة عام الأخيرة... ارتفعت درجة الحرارة 0.6 درجات مئوية، وهو أمر لا يستطيع الجسم أن يلاحظه طبعاً، إلا أننا يمكن أن نقارن تأثير التبدلات الكبيرة في المناخ.. خلال تنقلاتنا ورحلاتنا، ذلك لأن الظروف المناخية في الجو تتبدل كثيراً من المنطقة الاستوائية إلى المناطق القطبية، من شواطىء البحار إلى بطون البراري والقفار.
ويتأثر بتبدلات الطقس خصوصاً الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والشرايين والتهاب الرئتين والقصبات الهوائية، وكذلك من أمراض الجهاز الحركي، ثم إن التكيّف لتبدلات الطقس صعب جداً عند المسنين وكذلك عند الأطفال الصغار (في سن أقل من 5 سنوات) وينبغي لمن أُصيب بالسكتة أو يعاني من أمراض شرايين الدماغ أن يمتنع عن الرحلات الجوية وكذلك عن الجولات في السفن النهرية والبحرية السريعة.
ويمكن لتبدلات الطقس والمناخ أن تشكّل أخطاراً جديدة على صحة الناس، وعلى الرغم من أن الكثير من عواقب تلك التبدلات معروفة الآن، إلا أن العواقب المحتملة ليست مدروسةً جميعها، فلدى ازدياد الدفء مثلاً تتوفرالظروف الملائمة جداً لانتشار مسببات الأمراض المعدية والسارية، مثل البعوض وحكة الجرب، وتفيد بعض الدراسات: إن التبدلات المناخية المفاجئة يمكن أن تؤثر جدياً على الزراعة، وتقول تلك الدراسات: إن حوالي 80 - 100 مليون شخص يمكن أن يتعرضوا للمجاعة في سنة 2080 نتيجة تقلص المحاصيل.
وقد أجرى العلماء الاجانب تجارب لتحديد درجة الحرارة القصوى، التي يمكن لجسم الانسان أن يتحملها في سخونة الجو، وبيّنت تلك التجارب أن الانسان يتحمل درجة 71 مئوية مدة ساعةٍ كاملة، ودرجة 82 مئوية مدة 49 دقيقة ودرجة 93 مئوية مدة 33 دقيقةً، ودرجة 104 درجات مئوية لمدة 26 دقيقةً فقط، ويعتقد العلماء أن درجة الحرارة القصوى التي يتحملها الانسان.. ويستطيع أن يتنفس فيها هي 116 درجةً مئويةً على وجه التقريب، إلا أن التاريخ شهد حالات تمكّن فيها الجسم البشري أن يتحمل درجات حرارية أعلى، ففي سنة 1764 أبلغ العالم الفرنسي تيليه أكاديمية العلوم في باريس بأن امرأة سقطت في فرن حرارته 132 درجةً مئويةً، وظلت على قيد الحياة 12 دقيقةً، وفي بلجيكا سجلت عام 1958 حالة أمضى فيها شخص عدة دقائق في قمرة ساخنة درجة الحرارة داخلها 200 درجة مئوية، مما يعني أن الجسم البشري يمتلك احتياطياً كبيراً على أية حال.
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد