اقتراحات أميركية تسابق تصويت الأمم المتحدة والموقف الأوروبي يعكس هزيمة إسرائيل
يلقي الرئيس الأميركي باراك أوباماً خطاباً أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة يعرب فيه عن دعمه إنشاء دولة فلسطينية، ولكن في إطار مفاوضات، وليس ثمرة خطوة من طرف واحد. كذلك من المفترض أن يعلن أوباما أن المفاوضات يجب أن تكون مقيدة بوقت قصير، وأن تكون مكثفة لأن الشعب الفلسطيني انتظر أكثر من اللازم من أجل الدولة التي يستحقها، وأن المفاوضات يجب أن تجري على حدود العام 1967. وبهذا يكرر أوباما المبادئ الأساسية التي عرضها في وزارة الخارجية الأميركية في أيار الماضي، ولكنه على الأغلب سيضيف إلى كل ذلك مطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وبذلك يكون قد أرضى إسرائيل على الأقل في الوقت الراهن ومن دون أن يضمن قبول الفلسطينيين بذلك.
أما نتنياهو فقد أعلن قبيل سفره إلى نيويورك أمام ممثلي الليكود أنه «من الأسهل الخضوع للضغوط ونيل التصفيق من دول العالم عن طريق تقديم تنازلات مفرطة. اليوم يكمن الخطر في اتفاق متسرّع أو في غياب اتفاق أو في تسوية من طرف واحد وليس فقط استمرار الصواريخ على الجنوب والشمال، وإنما تعريض إسرائيل كلها لخطر الصواريخ. نحن عازمون على الإصرار على حقوقنا والإصرار على حقيقتنا». ويرى معلقون إسرائيليون أن الخطوط العامة لخطاب نتنياهو في الأمم المتحدة لن تنطوي على أي جديد.
الفلسطينيون وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس يبدون تصلباً حتى الآن في موقفهم من طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وقد أعلن وزير الخارجية البريطاني أنه ليس هناك أي تقدم، وأن الفلسطينيين يرفضون كل اقتراح يحول دونهم وطلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
إسرائيل الرسمية تقدر أن سياسة «حافة الهاوية» التي لجأ إليها عباس تهدف إلى الحصول على مزيد من التنازلات، وأنها في النهاية ستتوقف أمام الضغط الأميركي، فالسلطة الفلسطينية، وفق تقديرات صناع القرار في إسرائيل، لا تريد حقاً الاصطدام بالإدارة الأميركية، وأنها في اللحظة الأخيرة سوف تتوقف وتتراجع. أما الوسيلة التي يتوقعونها فهي القبول بالتأجيل المعلن أو المضمر وفسح المجال أمام اقتراحات العودة إلى طاولة المفاوضات.
ويجري الحديث حالياً عن صيغة أميركية يقال إن نتنياهو وافق عليها ولكنها حتى الآن لم تنل موافقة السلطة الفلسطينية. وتخضع الصيغة الأميركية حالياً لتعديلات بهدف تمكين الفلسطينيين من قبولها.
ويشير المراسلون الإسرائيليون إلى أنه تعذر على الولايات المتحدة حتى الآن تجنيد «الكتلة المانعة» التي تحول دون اضطرارها لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد الطلب الفلسطيني. وقد مارست الإدارة الأميركية ضغوطاً هائلة على الدول الأوروبية والدول الأفريقية من أجل تسهيل نشوء هذه الكتلة. كما أن إسرائيل نفسها تشارك في الضغوط على الدول الأوروبية والأفريقية وخصوصاً على الغابون.
ونشر أمس أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز شارك شخصياً في هذه الضغوط واتصل هاتفيا بالرئيس الغابوني بهدف ثنيه عن تأييد الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة. كما أن رئيس الحكومة الإسرائيلية طلب الاجتماع على عجل مع رئيس الحكومة البرتغالية بهدف كسب صوتها أو منعها عن تأييد الفلسطينيين.
وثمة إشارات إلى أن المسألة باتت تتعلق بالصيغة التي سيقدم الفلسطينيون بها طلبهم. ومعروف أن الاتحاد الأوروبي حاول إقناع السلطة بتجنب طلب العضوية الكاملة وضغط باتجاه تطوير مكانة الفلسطينيين من وضعية «منظمة مراقبة» إلى «دولة مراقبة». ولكن، كما هو معلوم لم تجد كل هذه الضغوط نفعاً حتى الآن. ويأمل الأميركيون في أنه إذا لم يفلحوا في منع تقديم الطلب فيمكنهم تأجيل التصويت عليه لأسابيع وربما لأشهر.
وكانت «معاريف» قد نشرت صيغة اقتراح الرباعية لتحديد الاطار الزمني للمفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين بشكل لا يتجاوز 18 شهراً. وبحسب الصحيفة فإن الرباعية تعمل على نشر بيان في الأيام القريبة، يفيد بأن بوسع الفلسطينيين تقديم طلبهم للاعتراف بدولة فلسطينية الى مجلس الامن، ولكن لن يجري تصويت على الطلب. في المقابل، وبعد وقت قصير من ذلك يستأنف الفلسطينيون واسرائيل المفاوضات بينهم.
ويتبين من مداولات الرباعية ان فترة المفاوضات ستُقسم الى مراحل محددة زمنياً. وفي كل مرحلة تُبحث مسألة جوهرية اخرى. المسائل الأولية التي ستُبحث بالتوازي، ستكون مسألتي الحدود والامن. في هذه اللحظة يوجد خلاف بين الولايات المتحدة والاوروبيين في مسألة الزمن اللازم لكل مرحلة ومرحلة، ولا سيما للمرحلة الاولى من المحادثات.
وفي الايام الاخيرة تقلص جزء من الخلافات المتعلقة بالبيان الذي يفترض ان يتضمن الخطوط الأساس لاستئناف المفاوضات، استنادا الى خطاب اوباما في 19 أيار.
وهكذا مثلا تقلصت الفوارق في كل ما يتعلق بطلب اسرائيل ادراج الاعتراف بدولة اسرائيل كدولة الشعب اليهودي، البند الذي يحظى بقبول من الاميركيين ولكن ليس من اعضاء الرباعية الآخرين، أو من الفلسطينيين. كما تقلصت الفوارق ايضاً في كل ما يتعلق بالطلب الاسرائيلي بإدراج الكتل الاستيطانية في القول إن المفاوضات ستستأنف على أساس حدود 1967، بما في ذلك تبادل الاراضي. ومع ذلك، فان كل اعضاء الرباعية يتفقون على أنه لن يكون ممكناً الحصول على الموافقة الكاملة لإسرائيل والسلطة الفلسطينية على كل الخطوط الأساس التي ستعرض في البيان.
جهود الرباعية ستستمر أيضاً في الايام المقبلة، وتتجه النية الى نشر البيان قبل خطابي عباس ونتنياهو يوم الجمعة. والى ذلك تشير برقيات عدة صيغت في وزارة الخارجية الى هزيمة اسرائيلية إزاء اوروبا في كل ما يتعلق بالخطوة الفلسطينية في الامم المتحدة. ويتضح من البرقيات بأن معظم دول الاتحاد ستصوت في الجمعية العمومية في مصلحة رفع مستوى السلطة الفلسطينية الى مكانة دولة مراقبة وليست عضواً.
اذا كان هذا التقدير صحيحاً، فالحديث يدور عن فشل المعركة السياسية الاسرائيلية التي أعلنت عن محاولتها بلورة «أقلية اخلاقية» ولا سيما في اوساط الدول الاوروبية، ضد الخطوة الفلسطينية في الامم المتحدة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد