اقتصاد الرصيف، البسطة تبحث عن أسواق تلم بضائعها
يفترش أبو عبدو يومياً جزءاً من رصيف البرامكة كما تفترش أم محمود جزءاً آخر من الرصيف وعلى خلاف الاثنين يدفع أبو أحمد عربته متجولاً بين حارات دمشق القديمة. على حين يتابع سامر بيع الألبسة في سوق باب توما وصديقه وسام يبيع الأحذية في سوق الصالحية.
ما يجمع هؤلاء على الرغم من اختلاف مشاربهم واختلاف أنواع بضائعهم أكثر مما يفرقهم، فهم من دون عمل واضطروا بحثاً عن لقمة العيش أن يسترزقوا لقمة أبنائهم من هذه البسطات، إلى ذلك فكلهم غير متعلمين وأجبرتهم ظروف الحياة على امتهان ذلك. والأكثر من ذلك أن كلاً منهم يعيل أربعة أولاد أو خمسة أو ستة.
لا تجد للقمة العيش مكاناً تستجر منه غير البسطة. وهي ذات الظروف التي تجمع سامر الذي يعيل إخوته بعد وفاة والده، على حين يحاول وسام الذي لم يجد عملا بشهادة الثانوية الأدبية أن يخط طريقاً له في عالم التجارة عن طريق البسطة.
فأم محمود تبيع ما تنتجه في قريتها بالقرب من دمشق إضافة إلى ما تشتريه من الجيران أو أبناء القرية الآخرين الذين لا تستطيع أحوالهم العائلية أن تسمح لهم بقضاء الساعات على رصيف البرامكة. أما أبو أحمد، فلا يجد بديلاً من عربته التي تعود أن يدفعها في حواري دمشق القديمة كمصدر رزق لأولاده مما يبيعه من خضراوات يشتريها في الصباح الباكر من سوق الهال، وينظفها ويرتبها على طريقته الخاصة. وعلى خلافه فإن أبو عبدو يبحث فيما يشتريه من بضائع الكترونية وأدوات كهربائية عن تأمين قوت أولاده ويرفض أبو عبدو الكشف عن الآليات التي يحصل فيها على بضائعه، لكنه يؤكد أن ما يبيعه من أدوات كهربائية والكترونية مضمون وأنه ليس من مصلحته أن يبيع أدوات يكتشف المستهلك عندما يصل إلى بيته أنها لا تعمل. ويؤكد سامر أن الألبسة التي يبيعها في الشارع هي لمحل قريب في السوق لكن المحل يعطيه سعراً خاصاً يسعى من خلاله إلى تسويق أكبر قدر ممكن من البضاعة. في حين يشتري سامر الأحذية التي يبيعها بسعر الجملة ليبيعها بأقل من سعر المفرق.
وبخلاف ما يجمعهم من ظروف إنسانية وحياتية فإن ما يجمعهم أيضاً ملاحقة دوريات الشرطة لهم فلا يعلمون بأي لحظة تظهر الدورية فيلملم كل منهم بضاعته بسرعة قبل أن تسطو عليها الشرطة فيصعب بالنتيجة استعادتها أو يضطر أي منهم لترجي الدورية لإعادتها، ترجٍّ قد يفلح في أحيان ولا يفلح في أحيان كثيرة فيضطر أي منهم للعمل أسابيع قبل أن يرمم خسارته. على الرغم من أنه تفلح في بعض الأحيان صفارة أحد الشباب، في تفادي ذلك، بالهرب أحياناً أو بجبران خاطر الشرطة أحياناً أخرى.
ويرى بعض أصحاب المحال التجارية في باعة الرصيف منافساً حقيقياً لبضائعهم، فهؤلاء الباعة يطرحون بضائعهم بأسعار منافسة لأسعارهم، إضافة إلى احتلالهم أماكن الرصيف أمام المحال التجارية أو بالقرب منها. في حين يعتبر البعض الآخر أن باعة الرصيف لا يؤثرون في محالهم فنوعية البضاعة هي التي تفرض نفسها.
المستهلكون لهم روايتهم الخاصة حول البضائع التي تباع على البسطات، فهذه البضائع لا شهادة تثبت مصدرها، كما لا يوجد ما يثبت إمكانية صلاحيتها للعمل وخصوصاً الأجهزة الكهربائية والالكترونية ليبقى الثابت الوحيد في شرائهم لها هو رخص أسعارها مقارنة بنظيراتها كما يروي أحمد إسماعيل الذي يبين أن الغش اساس عملهم وخصوصاً في الأدوات الكهربائية، التي لا تستطيع تجربتها على الرصيف الأمر الذي يعني أنك قد تصل إلى البيت وتفاجأ بأن جهاز الهاتف الذي اشتريته لا يعمل، أو أن المكواة معطلة أو أن الساعة التي اشتراها ليهديها في مناسبة قريبة قد تعطلت قبل المناسبة. المطلب الرئيس لجميع هؤلاء هو أسواق سواء في دمشق أو حولها حيث يستطيع المستهلك والتاجر تبادل السلع وان يكون في هذه الأسواق تحت رقابة الدولة التي تقوم على تأجير بسطات يعرض البائع عليها بضاعته وبذلك تفيد وتستفيد. أو أن تحدد أماكن محددة من الأسبوع من دمشق كالأماكن حول الملاعب الرياضية أو ساحات معينة حيث يستطيع المستهلكون والتجار تبادل سلعهم فيها.
عبد المنعم مسعود
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد