الأفلام السورية القصيرة..سينما تبحث عن الجمهور
لا يعني الإبداع السينمائي أن تنتج فقط، فيلماً من ساعتين بطريقة فنية ومتكاملة، وأن يكون محملاً بالأفكار والرسائل، فالإبداع أيضاً هو أن تنتج فيلماً من دقيقتين مثلاً، ويكون على سوية فنيّة عالية وتُحسن تمرير الفـــكرة أو الأفكار التي تريدها بكثير من البساطة وقليل من الوقت، وهو ما يُســـمّى بلغة السينمائيين الفيلم القصير أو فيلم «الفكرة».
الفيلم القصير الذي وَجَدَ مئاتُ الشباب السوري ضالته فيه، يُعدّ اليوم المنفذ الوحيد للمواهب الجديدة لِتُفرغ بعض ما في جعـــبتها من خلاله، حيث صُنعت خلال السنوات الخمس الماضــــية آلاف الأفلام التي لم يبصر النور إلا جزء يسير منها، في حين بقي أغلبها حبيس المهرجانات وأدراج صناعها.
شيوع الفيلم القصير بين أوساط الشباب فرض حالة جديدة في السينما السورية تمثلت بمهرجانات الأفلام القصيرة التي عوّضت غياب الصالات ووفرت للمتلقي فرصة ولو قصيرة للاحتكاك مع هذه التجارب والاطلاع عليها، كما عملت لجان التحكيم على تقييم المحتوى الخاص بها والسوية.
طقوس
تقول المخرجة الشابة زهرة البودي: «تفتقد هذه الأفلام حتى الآن للحالة الجماهيرية، حيث إنها لم تستطع التأسيس لطقوس المشاهدة التي افتقدناها سينمائياً، نظراً لكونها تعرض غالباً في المهرجانات». بينما يؤكد الكاتب محمود عبد الواحد أن سوق العرض السينمائي في سورية ليس على ما يُرام ويضيف: «في دمشق هناك صالات سينما الكندي العائدة للمؤسسة وهناك صالة قطاع خاص حديثة هي سينما سيتي. ما عدا ذلك ليس هناك صالات عرض».
الأفلام القصيرة عمرها الفعلي في سورية قرابة عقد ونصف من الزمن، وفي مرحلة ماقبل الحرب كانت تتركّز بشكل أساسي على قصص الحب والعواطف، جاء ذلك في ظل سهولة في الإنتاج ومرونة في العمل نتيجة حالة الاستقرار التي كانت تشهدها البلاد آنذاك. وقد شكلت الحرب منعطفاً بالنسبة إلى الفيلم القصير من ناحية المحتوى الذي فرضته بمفاعيلها ونتائجها على المجتمع السوري وباتت محوراً لمعــــظم المنتج الفيلمي من العام 2011 إلى الآن بحسب المخرج الشاب سيمون صفية.
وفّرت الحرب مواضيع وأفكاراً من واقع المأساة يمكن تناولها، لكنها في الوقت نفسه عكست الانقسام السياسي على المحتوى الفني، وبات كل طرف يقدم فيلماً يعبر عن الطرف الذي يمثله وينتقد الآخر، ولم تستطع هذه الأفلام توحيد الوجع السوري ككل وإن كانت لامسته كثيراً لكنها ركزت على جزء منه دون المشهد الكلي.
تقول البـــودي: «الحرب بيئة خصـــبة للسينما، وسورية اليوم مكان محرّض للفـــكر، بالنســـبة إليّ حرضني هذا الواقع على تناول موضوع الضحايا سيـــنمائياً وركزت اهتمامي على الأطفال، وأعتقد أن الكثيرين مثلي حفزهم الواقع وحماسهم الشخصي وهوس الميديا وتوفر أدواتها».
أن تحمل كاميرا في سورية وتصور أي مشهد في الشارع أمر صعب جداً وقد تدفع حريتك ثمناً لذلك، فهي عدو مشترك على ما يبدو لمختلف الجهات، ما جعل عملية التصوير أكثر صعوبة بكثير عما كانت عليه قبل الحرب، لكن هذا الأمر لم يمنع المخرجين من العمل، بل على العكس، إذ زاد حجم الإنتاج كثيراً، وإذا ما أحصينا الأفلام المصوّرة داخل سورية ما بين 2011 و2016 فإن عدد الذي حصل منها على موافقة بالتصوير لا يفوق 25% من حجم الإنتاج السوري، لذلك نجد أن معظمها تمّ تصويره في الأرياف أو في أماكن مغلقة بعيداً عن أعين الرقابة والأجهــزة الأمنية، والبــــعض الآخر صور على عجل، فالحصول على موافقة يحتاج جهة تغطي الفيـــلم، قد تكون هذه الجهة شركة إنتاج أو المؤســـسة العامة للسينما أو غيرها. وهذا ليس سهـــلاً حالياً، علماً أن المؤسسة تتبـــنى سنوياً عدداً لا بأس به من الأفلام القصيرة وتحتضن القائمين عليها.
هامش حرية
الأفــــلام التي لم تمر على حاجز الرقابة حصلت على هامش أكبر من الحرية، فالأفلام العاطفية تجاوزت القبل وما بعدها بأشــــواط، والأفلام التي تستمد أفكارها من وحي الأزمة كــانت أكثر جرأة في طرحها السياسي والاجتماعي والعســـكري أيضاً، ما جعلها أكثر قرباً من الجمهور القليل الذي تســـنّى له مشـــاهدتها، حتى أن بعضها نال جوائز في مهرجانات عالمية بألمانيا وأميركا وغـيرهما.
يعلق المخرج «صفية» على هذه الجوائز بالقول: «إن عدداً منها تمّ منحه على أساس سياسي لا فني، فقد أخذ بعين الاعتبار في الفيلم انتقاده لطرف بعينه مثلاً ومهاجمته له، أكثر مما أخذ بعين الاعتبار الصورة والصوت والسوية والحالة الفنية والإبداعية».
ويضيف «صفية»: قليلة هي الأفلام التي ابتعدت عن السياسة وركزت على الانسان السوري. وبالتالي فإن معظم الأفلام لا تعبر عن الألم الحقيقي وفيها استسهال بالإنتاج وعدم بحث في العمق، لكن بالتوازي، مع ذلك فإن هناك أفلاماً بالفــعل كانت على مســــتوى عالٍ واستطاعت أن تكون في الوسط الإنساني بالنسبة للصراع وإن كان عددها قليل». صنّاع هذه الأفلـــام يفتــــقدون للتدريب العلمي الحديث وإن كان هناك بــعض الأكاديميات التي تقدّم طاقتها في الداخل، يقول الكاتب محـــمود عبد الواحد: «المهم في هذه الأفلام أنــــها تعبر عن أحلام وآلام جيل الشباب، لقد أصبحت دراسة السيـــنما في البلدان الأجنبية مكلفة للغاية وصعبة بالنســـبة لشبابنا الحالي، وخاصة بعد انهيار المنظـــومة الاشتراكية التي كانت تقدّم تســـهيلات كبيرة لشبابنا الراغبين بدراسة هذا الفن».
الأفلام السورية القصيرة من وجهة نظر عبد الواحد هي حالات تعبيرية في مرحلة تشكل وتطور، ويضيف: بالنسبة للشـــباب الهواة فهو زمن الأفلام القصيرة فعلاً، لأن تحقيق هذه الأفلام، بفضل تطوّر التقنيات، غدا أكثر سهولة بما لا يقاس من ذي قبل وثمة أفلام ناضجة من إنتاج هؤلاء الشـــباب، وبعــــض منها برأيي يفوق إنتــاج المحترفين، ولكن بعضها الآخر لا يزال بذرة واعدة بسينما حقيقية.
ويختم عبد الواحد بالقول: أنصح الشباب الراغبين باقتحام هذا المجال بالعمل جيداً على السيناريو. إذاً يمكن لمخرج سيئ أن يخرب نصاً جيداً، ولكن لا يمكن لأفضل المخرجين أن ينقذ نصاً سيئاً.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد