الإعلامي مهنة العصر
ينبغي على كل منا أن يحمل معه طوال حياته مجموعة من الرسائل التي يحاول إيصالها ليستفيد منها الآخرون، ومن الصعب أن تصل رسائل الناس العاديين إلى غيرهم مقارنة بالعاملين في الإعلام، الذين أينما حل معظمهم ضيوفا تحدثوا عن رسائلهم التي يريدون إيصالها، لكن صناديق بريدنا غالبا ماتكون فارغة منتظرة تلك الرسائل الموعودة. ومابين جهودهم وانتظارنا ضاعت الرسائل وكسب بعضهم الوقت لصالحه ليحصل على رتبة إعلامي منحها لنفسه رغما عنا. وقد انتعشت هذه الظاهرة مؤخرا بعد أن تحول معظم الشباب إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ينتحل العديد منهم على مواقع التواصل الاجتماعي صفة إعلامي/ة لمجرد تحويل صفحته إلى حائط للاخبار والعواجل الملطوشة من هنا وهناك
يعبر هذا اللقب عن نوع من البرستيج والتمايز الاجتماعي ويرتبط أيضا بالعديد من المذيعين والصحفيين والكثير من العاملين في الإعلام، فتلك المذيعة ذات الخصر الجميل عارضة الأزياء سابقا والتي تقدم أحد البرامج المنوعة أصبحت إعلامية والشاب الذي ينقل أخبار طلاق الفنانة فلانة وزواج الثانية وزهايمر فلان (باباراتزي عربي) أصبح أيضا إعلاميا، حتى الشيف في برنامج الطبخ ومقدمة النشرة الجوية وربما خبيرة التجميل أصبحوا جميعاً إعلاميين. ناهيك عن ذاك المراسل الحربي الذي أصبح إعلامياً في أول تقرير له من أرض الميدان .
لا أعلم متى كانت المرة الأولى التي استخدمت فيها هذه الكلمة “إعلامي/إعلامية” وماهي الشروط الواجب توافرها في الشخص كي يستحق هذا اللقب على الرغم من محاولاتي الحثيثة لمعرفة ذلك … ربما هو الذي يجمع بين الموهبة، التحصيل الاكاديمي، الخبرة العملية والكاريزما، ومن البديهيات أن يمتلك من يعمل في الإعلام على الأقل لغة عربية جيدة نطقاً وكتابةً وأن يمتلك مخزوناً ثقافياً يدعم حديثه ومقاله وأن يتمتع بأسلوب متميز حتى يكون مقنعاً وملفتاً. وعلى سبيل المقارنة يستطيع صديقي الشاب المجتهد أن ينهي قراءة كتاب أو كتابين أسبوعيا بمعدل خمسة كتب تقريبا كل شهر ٖ ليغني مقالاته وحواراته التي ينشرها في صحيفة محلية دون كلل معتبرا هذا الجهد الشخصي واجباً، كما يجتهد في الحصول على معلوماته الغنية بحضور المؤتمرات والفعاليات الثقافية والفنية من مسرح ودراما وغيرها، يمتلك صفحته الخاصة على الفيس بوك لكنه لايرفق اسمه بلقب إعلامي. في الوقت الذي يقوم به مقدم أحد البرامج على إذاعة محلية بالضحك المتواصل في فترة استماع ذهبية مكرراً عباراته كل يوم ومكتفيا بقراءة رسائل القصيرة لمعجبيه والتعليق على الأغاني خلال أكثر من ساعة يومياً دون أي فائدة وقد أُدرج اسمه في قائمة الإعلاميين المخضرمين
يفاجئك آخر أنه لا يعرف ماهي هيئة الإذاعة البريطانية وآخر يعتقد أن دان براون مصارع عالمي. قد لايكون ضروريا أن يعرف من هو دان براون لكن عليه أن يبحث كي يجد الإجابة عن كل الأسئلة المطروحة عليه وبمتابعة صفحات العديد من الإعلاميين المفترضين على مواقع التواصل ستجد أن بعضهم يكتب كما يلفظ فيما ينسب آخرون كتابات غيرهم لهم
منحت مواقع التواصل كل هؤلاء ما لا يستطيع أحد منحهم إياه في بلد يكاد يكون طموح نصف الشعب فيه هو العمل في الإعلام. سيوزعون على ثلاث محطات تلفزيونية رسمية وأخرى خاصة أشبه بالرسمية مع عدد قليل من الإذاعات الرسمية وعدد لابأس به من الإذاعات الخاصة التي تعاني بمعظمها من ضائقة مادية، ناهيك عن الأسلوب المتبع لاختيار الشخص المناسب للعمل. الأمر الذي يجعلك تفكر مليا وبعد مرور سنوات من الآن! كيف سيكون الإعلاميون مستقبلا إذا استمر الحال على ماهو؟ كيف يمكن وضع الضوابط المناسبة لهذه المهنة ؟ وهل ستعيد وسائل الإعلام الثقة لمتابعيها؟
في نهاية هذا الحديث الذي لا ينتهي وبالبحث المستمر عن منشأ لقب إعلامي/ة في معظم قواميس اللغة ومنها المعجم الوسيط ومعجم المعاني الجامع ستجد أن “إعلامي” هو اسم منسوب إلى الإعلام وهو شخص يتولى النشر أو النقل في الإذاعة أوالتلفزيون أو الصحافة وذكرت هذه المعاجم أن الإعلامي الناجح هو الذي يحافظ على مصداقية الكلمة … إلا أن البعض يعتقد أن هذا التعريف قد يكون أُدخل حديثا إلى تلك القواميس بعد ما شاع هذا اللفظ كثيرا.
شادي عباس - أورنينا
إضافة تعليق جديد