البيان الوزاري يُنجز ... والتحفظات تبدّد مصداقية الحكومة اللبنانية
لكأن البعض أراد للمشهد اللبناني أن يعوّض المشهد الإسرائيلي. أن تسقط المقاومة »سهواً« أو بفعل »خطأ طباعي«، من البيان الوزاري، في مشهد يعوض الإطاحة سياسياً برئيس وزراء »حرب تموز« الإسرائيلي إيهود أولمرت.
لكن البيان الوزاري، بصيغته شبه النهائية، جاء مكملاً لا متناقضاً مع المشهد الجامع لاستقبال لبنان الرسمي والسياسي والشعبي للأسرى الأحياء والشهداء، قبل أسبوعين، وليس على شاكلة ما كان يشتهيه البعض، سواء بأن »ينفض يده« من المقاومة أو أن يكبلها ويقيدها، وكأن البعض لم يقرأ جيداً في كتاب المقاومة في لبنان، في الستينيات والسبعينيات، وخصوصاً في الثمانينيات، عندما انطلقت المقاومة، من قلب بيروت، بلا مرسوم أو بيان وزاري، وعكس التيار المحلي والإقليمي والدولي، بينما كانت حكومة أمين الجميل تبرم اتفاق السابع عشر من أيار المشؤوم مع الإسرائيليين!
اليوم، وبعد شهرين من التجميد المتعمد لانطلاقة العهد الجديد، بينها خمسة أسابيع للتأليف الحكومي وثلاثة أسابيع للمماحكات السياسية واللغوية بشأن البيان الوزاري، ترفع لجنة الصياغة المسودة النهائية لبيانها، ممهورة بتحفظات على عبارات متفرقة، يمكن القول أن لا قيمة قانونية لها، بينما تعيد سياسياً تثبيت ما هو ثابت، بعدم تجاوزها موضوع المقاومة.
بذلك، يكون رئيس الحكومة قد قرر تقديم »انتصار« معنوي جديد لخصومه، على شاكلة »انتصار علي قانصو المجاني«، إلا اذا طرأ، اليوم، تعديل جديد على البيان، وهو أمر موضوع في الحسبان، أو أن يذهب البيان مزنراً بالتحفظات، ليجد نفسه مجدداً على طاولة مجلس الوزراء، أمام حفلة جديدة من »الزجل السياسي«، على خلفية انتخابية بحتة.
وحسناً فعلت قيادة الجيش اللبناني، عشية صدور البيان الوزاري واحتفال الفياضية، بإصدارها تعميماً ليلياً تضمن نصاً مصححاً لـ»أمر اليوم« الصادر عن قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري، لمناسبة عيد الجيش، اليوم، تضمن دعوة »للحفاظ على الإنجازات الوطنية الكبرى، التي حققها الجيش والمقاومة والشعب، والتي أضيف إليها مؤخرا تحرير الأسرى اللبنانيين من سجون العدو الإسرائيلي واستعادة رفات المقاومين الشهداء« بعدما كانت الجملة التي تتحدث عن أن الإنجازات حققها »الجيش والمقاومة والشعب« قد غابت عن النص المعمم نهاراً، وهو الأمر الذي فاجأ المتابعين، ذلك أن رئيس الجمهورية قد واظب منذ اليوم الأول لتبوّئه سدة قيادة الجيش أن يضمّن »أمر اليوم« إشارة كهذه تتعلق بالجيش والمقاومة.
وتركزت الاتصالات السياسية، قبيل الاجتماع الثالث عشر للجنة الصياغة وخلاله، على النص المتعلق بالمقاومة، في ضوء الصياغة التي قدمها رئيس الجمهورية للمعارضة والموالاة، وأمكن في نهاية الأمر التوصل الى النص الأكثر مقبولية، والقابل للتعديل لفظياً اليوم، ومفاده، »حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في استكمال تحرير بقية الأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي محتمل«.
وقد طلب رئيس الحكومة أن تضاف الى هذه الجملة أكثر من صيغة منها »تحت كنف الدولة« أو »بإشراف الدولة« أو »برعاية السلطة الشرعية اللبنانية«.
ولم يدم موعد اجتماع اللجنة طويلاً، وقد سبقته سلسلة اتصالات مكثفة بين بعبدا والسرايا وعين التينة، بالإضافة الى بعض القيادات السياسية وخاصة »حزب الله«، حيث تولى كل من المعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله« الحاج حسين الخليل ووزير العمل محمد فنيش تبادل الاقتراحات، فيما كان النائب علي حسن خليل ينشط على خط عين التينة ـ القصر الجمهوري.
وتبين لاحقاً، وخاصة من خلال مجريات الاجتماع الأخير، أن قائد »القوات« سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل قد لعبا دوراً أساسياً في التحريض ضد نص المقاومة، وهو الأمر الذي عبّر عنه أحد ممثلي الموالاة في لجنة الصياغة علناً، طالباً من ممثل »حزب الله« أن يأخذ ذلك في الاعتبار!
وكما تحفظ كل من رئيس الحكومة والوزير نسيب لحود والوزير محمد شطح على نص المقاومة النهائي، تحفظ الوزير جبران باسيل على النص المتعلق بباريس ـ ،٣ والوزير وائل أبو فاعور على النص المتعلق بالمفقودين في لبنان، لتصبح المحصلة كاريكاتورية وتعبر فعلياً عن مضمون حكومة الوحدة الوطنية الواعدة!
وإذا لم تبرز عقبة جديدة في اللجنة اليوم، فإن مجلس الوزراء مرجح انعقاده يوم غد السبت، لكن في ظل معطيات حاسمة بأن البيان الوزاري لن يحظى بإجماع في مجلس الوزراء، لا بل ثمة اتجاه لدى فريق من الوزراء(خمسة أو ستة على الأرجح بينهم نسيب لحود ووزراء »القوات« والكتائب إبراهيم نجار وأنطوان كرم وإيلي ماروني)، لإعلان تحفظهم على البيان وتحديداً الفقرة المتعلقة بالمقاومة، وهو الأمر الذي أبلغه جعجع للنائب الحريري ليل أمس، تماماً كما فعل من قبل بتحفظه على اتفاق الدوحة، فيما كان الوزير شطح يردد »أن الإجماع أهم من المقاومة«.. ولذلك سأتحفظ بدوري على البيان!
وقد أثار موضوع التحفظ المحتمل إشكالية بارزة، لعلها الأولى من نوعها في تاريخ تأليف الحكومات في لبنان، وتتمثل في مدى قدرة الحكومة على تنفيذ بيان وزاري تعلن جهاراً بلسان رئيسها وزراء فيها تحفظها عليه، وثانياً، أين هو مبدأ التضامن الوزاري، ولو بحده الأدنى، الذي طالما شكّل ركيزة في عملية تأليف الحكومات، وثالثاً، كيف يمكن لمجلس نيابي أن يعطي الثقة لحكومة جاءته ببيان لم يحظ بثقتها الإجماعية، ورابعاً، كيف يمكن لمجلس نيابي أن يعطي الثقة لحكومة تعد اللبنانيين قبل أن تولد بأنها حكومة وحدة وطنية، وعندما تضع بيانها الوزاري تعلن أنها حكومة الانقسام الوطني بامتياز؟
في كل الأحوال، طلب رئيس الحكومة من وزير العمل مساعدته على تبديد بعض التحفظات في الفترة الفاصلة عن موعد اجتماع اليوم، ولكن الأخير أبلغه أنه استنفد طاقته وأن »حزب الله« أعطى كل ما باستطاعته أن يعطيه.
وفي انتظار جلسة اليوم الأخيرة للجنة الصياغة، كان رئيس الجمهورية يستعد لموعد القمة المنتظرة بينه وبين نظيره السوري بشار الأسد، مطلع الأسبوع المقبل، حيث من المتوقع أن يجري اتصال بين الجانبين في أعقاب عودة الأسد من طهران التي سيزورها غداً ويعود منها الأحد، بينما كان الرئيس بري يحتسب موعد جلسة الثقة يوم الجمعة المقبل، ذلك أن مهلة الثماني والأربعين ساعة تحتسب اعتباراً من صباح الاثنين، بينما سيكون متعذراً عقد الجلسة الخميس بسبب انشغال المجلس باستقبال ضيفه رئيس البرلمان الأوروبي، على أن تبدأ جلسات المناقشة العامة المنقولة على الهواء مباشرة، اعتباراً من بعد ظهر الجمعة وطيلة نهار السبت ثم الاثنين، إلا إذا قرر رئيس المجلس مواصلتها الأحد.
ونقل زوار الرئيس بري عنه قوله إن التأخير ليس في مصلحة أحد، بل يفوّت على لبنان موسماً سياحياً واعداً وفرصاً اقتصادية، مجدداً دعوته للاستفادة من الربيع السياسي منذ الآن وحتى الانتخابات النيابية، لعلنا نستطيع أن نحوله الى ربيع دائم، وقال بري إن المقاومة لم تنشأ بقرار أو بمرسوم بل هي كانت استجابة شعبية وسياسية من الشعب اللبناني إزاء واقع الاحتلال، وبالتالي هي نتيجة وليست سبباً، وكل ما جرى من نقاش في اللجنة الوزارية كنا بغنى عنه، والدليل ما نشهده من تداعيات مستمرة لحرب تموز في إسرائيل.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد