التسرب المدرسي هدر لرأس المال البشري وخسارة لحقوق الطفل
حسب التقرير الوطني الثاني للتنمية البشرية في عام 2005، فإن نسبة عدم الالتحاق بالصف الأول الأساسي مرتفعة وتصل إلى 6،1٪ من مجموع الأطفال المقبولين سنوياً، وإن هذه النسبة تتفاقم طرداً مع ارتفاع المرحلة التعليمية،
وأن تفاقمها في الريف أكثرمنه في الحضر.. وبين الإناث أكثر منه بين الذكور فهناك 25٪ من طلاب مراحل التعليم الأساسي يتسربون منها قبل إتمامها إلى مصيدة الفقر وضعف مهارات القدرات البشرية.
ومع أن السياسات التربوية توجهت خلال الأعوام السابقة إلى التعليم المهني بنسبة 70٪ إلى 40٪ من الناجحين في شهادة التعليم الإعدادي إلا أن نحو 41،2٪ من عدد الطلاب المقبولين في التعليم المهني قد عزفوا عن مجرد التسجيل فيه، مختارين الانخراط في سوق العمل دون تعليم مهني وكل ذلك يدخل ضمن مايسمى هدر رأس المال البشري.
ولكن وبمقارنة الإحصائيات السابقة مع ماقدمه لنا الأستاذ عبد السلام سلامة مدير التخطيط والإحصاء في وزارة التربية نجد أن نسبة الالتحاق إلى التعليم أصبحت تشكل في عام 2009 - 99،8٪ وقد انخفضت نسبة التسرب إجمالاً من 4٪ إلى 2،7٪، وفي الحلقة الأولى من التعليم الأساسي نسبة التسرب أقل من 1٪، في حين النسبة الأكبر تكون بين طلاب الحلقة الثانية وخاصة في المناطق الشمالية الشرقية لأسباب تتعلق بالمعيشة، والحاجة إلى عمل أفراد العائلة، والزواج المبكر وغيرها من القناعات.
انخفاض النسب لايعني انحسار الظاهرة بشكلها المطلوب، وهناك الكثير من الأسباب والمشكلات المتعلقة بها، والتي تحتاج لتوضيح وخاصة أن الوزارة اليوم وبالتعاون مع اللجنة الدولية للإغاثة (ERC) تعمل على برنامج العودة السليمة إلى المدارس، حيث يؤكد الأستاذ عهد شلغين من مديرية المناهج والتوجيه أن التسرب ظاهرة اجتماعية بالدرجة الأولى لها عدة أسباب وقد يكون الوضع المعيشي للأسرة في مقدمة هذه الأسباب، إذ نلاحظ كيف تزداد عمالة الأطفال بشكل مستمر، بظروف عمل غير نظامية وبعيداً عن المدارس، وهناك أسباب تتعلق بالعادات الاجتماعية التي تفضل تزويج الفتاة بدلاً من تعليمها، بالإضافة للمشكلات داخل الأسرة التي تبعد الطفل عن التفكير في مستقبله.
أما الأسباب الأخرى التي تحدث عنها الأستاذ شلغين فإنها تتعلق بالبيئة المدرسية أي شعور الطفل بالأمان والراحة النفسية داخل المدرسة ودور المعلم في تشجيع الطالب على التعلم من خلال ترغيبه في المواد وطريقة المعاملة وإيصال المعلومات، في الواقع نجد الكثير من الطلاب تركوا مدارسهم، لأنهم كانوا على علاقة أونظرة غير جيدة للمعلم، أولأنهم لايحبون مادة معينة.
عن حيثيات البرنامج الذي يتضمنه مشروع إعادة المتسربين، أفادنا الأستاذ عهد قائلاً: يقدم البرنامج دورات للمدرسين الذين يهتمون بالطلبة، وأجرت المنظمة لقاءات مع أهالي الطلبة المتسربين موضحة لهم الفائدة التي سيجنيها أولادهم من العودة إلى المدرسة، وهناك مواد مكثفة في الرياضيات والعربي والإنكليزي خلال فترة زمنية محددة بشكل تجعل عودتهم سليمة.
وبمتابعة الموضوع مع الدكتور قاسم الخبير الإقليمي في منظمة الإنقاذ الدولية قال: توصلنا إلى 88 طالباً متسرباً فقط والسبب أننا لم نستطع الوصول إلى المجتمع المحلي بسهولة، ولكن عندما تمكنا من الوصول إلى هؤلاء وحسب برنامجنا، أجرينا مقابلة مع الأهل وحددنا المشكلات الحقيقية التي دفعته، لترك المدرسة مع مدة الانقطاع، ثم نضع برنامجاً تعليمياً مكثفاً نصل بالنهاية إلى التعليم النظامي، ونحن نؤهل الطالب لكي يتمكن من القراءة والكتابة الجيدة ومن تعلم المواد الأساسية، وقد شكلنا مركزاً لتنفيذ البرنامج الذي ستكون مدته ثلاثة أشهر لكل دفعة طلاب.
وفي سؤالنا له، عن أسباب التسرب التي توصل إليها من خلال لقائه للمتسربين؟ أشار إلى إن هذه الظاهرة منتشرة في كثير من المدارس والأسباب ليست محددة لكنها تصنف بأربعة مجالات (أسباب مرتبطة بالطالب نفسه، وأسباب مرتبطة بالمجتمع، وأخرى بالبيئة المدرسية والإدارية وأسباب مرتبطة بالمعلم».
ولو نظرنا إلى الجانب الذي يخص المعلم، فإن الأكثر شيوعاً بين الأسباب هو تعرض الطالب لإهانات نفسية أوجسدية من قبل المعلم وخاصة في الصف الخامس ومابعده، لأن الطالب في هذه السن يبدأ في تكوين معالمه الشخصية وإذا شعر أن شخصيته غير آمنة في هذا المكان يبحث عن مكان آمن آخر، ربما يكون الشارع، أوالعمل الحر، أوالمطبخ والمنزل بالنسبة للفتاة لأن الإهانات أمام زملاء الصف هو أمر إنساني يفترض الانتباه إليه.
والسبب غير المباشر بالنسبة للمعلم هوعدم توزيع الوقت بالتساوي بين الطلاب وعدم مراعاته للفروق الفردية، واهتمام المدرس بمجموعة من الطلاب على حساب طلاب آخرين، يدفع هؤلاء بطريقة غير مباشرة للشعور بالإهمال وبالتالي أنهم عناصر غير فعالة في الصف، فيتركون صفوفهم المدرسية.
وفي الحديث عن الأسباب المتعلقة بالبيئة المدرسية، لابد من الإشارة إلى تجهيزات الصفوف، ألوان المقاعد والسبورة والأبواب، باحة المدرسة التي يجب أن تكون واسعة تسمح لممارسة اللعب والرياضة، وجود ألعاب رياضية، مكتبة، قاعة كمبيوتر وفي الواقع غالبية المدارس لاتوجد فيها مساحات كافية للعب ولاوقت لحصة الرياضة التي تلغى في أغلب الحالات وكأنها من الممنوعات.
ولا شك في أن وضع الطالب خمس ساعات على المقعد الدراسي، أمر لانتحمله نحن الكبار، فكيف بالطفل الذي يحتاج لإفراغ طاقته بشكل إيجابي وكافٍ من الحركة، وأيضاً: (والكلام للخبير الإقليمي) المنهاج المدرسي له دور والكتاب وحجم الواجبات والوظائف التي تعتبر بمثابة عمل إضافي يستهلك كل وقت الطالب في المنزل، نكون دافعاً لإهماله لها وخاصة إذا كان مستواه أقل من الجيد والوسط.
وتقول السيدة نورة الشيخ عيسى مشرفة تعليم باللجنة الدولية: إن نسبة التسرب في القرى الصغيرة أعلى منه في المدينة حيث يفضلون الأعمال الأخرى على التعليم، وحسب ماوجدناه في هذا البرنامج إن الطالب نفسه لايقبل العودة إلى المدرسة لأنه يكون قد حدد حياته وهدفه في المجتمع، وبمجرد أن يتعلم المراهق تحصيل المال، يصعب عليه ترك العمل، حتى الأهل يأخذون موقفاً من مسألة العودة بحجة أنه كان لهم تجربتهم المرة مع التعليم وأن ابنهم لن يعود إلى المدرسة إلا برغبته.
ونحن لاحظنا أن أكثر الأسباب التي دفعت الطلاب الموجودين معنا في البرنامج لترك مدارسهم هي أن المدرس كان يضربهم، التعامل داخل الصف سيئ والخلافات بين الطلاب أنفسهم في المراحل المدرسية الأولى والمترافق بعدم انتباه إدارة المدرسة لهذه الخلافات والمشكلات التي ينتج عنها «ضرب بعضهم لبعض، التدافع.. الخ».
كيف نلخص ولو بخطوط عريضة دور الوزارة في محاربة التسرب المدرسي؟ سؤال توجهنا به للأستاذ عبد السلام سلامة الذي أجابنا قائلاً: «يمكن أن تبدأ بإلزامية التعليم حتى نهاية المرحلة الإعدادية وكان لذلك دور مهم في الحد من الظاهرة.. ولكن الوزارة قامت بعدة دراسات لتحسين جودة التعليم وعليها وضعت العديد من المشروعات الكبيرة، ومنها: مشروع تطوير المناهج، باعتبار صعوبة المناهج هي أحد أسباب تخلي الطالب عن المدرسة، مشروع القناة التربوية السورية التي تساهم في إعطاء دروس تعليمية لجميع المراحل، مشروع التغذية المدرسية في المناطق الأكثر احتياجاً، مشروع مدرسة صديقة للطفولة الذي تنفذه الوزارة بالتعاون مع اليونيسف ويشمل 140 مدرسة، مشروع دمج التكنولوجيا بالتعليم والذي يهدف إلى تغطية 85٪ من المدارس بقاعات كمبيوتر، مشروع الاهتمام بالتعليم المهني، فقد وضعت الوزارة معايير وطنية لـ 26 مهنة في سورية مع تأمين التمويل اللازم من قبول بالجامعات والمعاهد المهنية.
ويؤكد سلامة أن التدريس المهني لم يكن في السابق مهيأ بشكل فعال ولكن الوزارة اليوم في طور تشكيل هيئة مستقلة للتعليم المهني ولتحسين نظرة المجتمع للمهن وتحفيز الأهل لدفع أولادهم إلى التعليم المهني.
مشيراً إلى أن المشكلة ليست في نسبة الالتحاق المدرسي، بل في البقاء والاستمرار في التعليم، مع ضرورة أن يعطى للتعليم قيمة وأهمية معنوية يجتمع على تحقيقها جميع أطياف المجتمع والوزارات الأخرى وخاصة وزارة الثقافة والإعلام.
ميساء الجردي
المصدر: الثورة
التعليقات
الجهل ضمان مستقبل من ؟؟؟؟
إضافة تعليق جديد