التقشـف يضـع أوروبـا علـى عتبـة أزمـة جديـدة
العلاج لم ينجح. الأزمة المالية في منطقة اليورو كان عنوانها الديون السيادية، الآن هي في طور التحول إلى أزمة ركود وبطالة. فرنسا انضمت علناً إلى صف من ينعون سياسات التقشف وفشلها. وزير ماليتها بيار موسكوفيشي حضر إلى بروكسل خصيصاً ليعلن ذلك. أطل على وسائل الإعلام، عبر حديث للبرلمان الأوروبي ومؤتمر صحافي، ليقول «أبحرنا مستخدمين البوصلة الخطأ. لكن لم يكن من السهل محاججة ربان سفينة، مثل ألمانيا ودول غنية أخرى دفعت القسط الأكبر من فواتير خطط الإنقاذ».
لذلك يقول موسكوفيشي إن الأمر لم يكن خيار بلاده في الأساس. وأوضح «لم أؤمن أبداً أن التقشف هو الرد الصحيح (على الأزمة). الجدية، نعم»، مضيفاً «علينا محاربة الدين، وعلينا خفض عجز موازناتنا، واتباع مسار ضبط أوضاع المالية العامة. أنا أتفق تماماً مع ذلك. ولكن في الوقت ذاته، يجب علينا الموازنة بين ذلك وبين إيجاد طريقنا للحفاظ على النمو».
تحت لافتة «فشل التقشف في أوروبا»، جلس الوزير الفرنسي إلى جانب رئيس «مجموعة الاشتراكيين الديموقراطيين» في البرلمان الأوروبي هانس سوبودا. أما المناسبة فهي صدور نتائج مسح مستقل، أنجزته عدة جهات ومؤسسات، حول النمو السنوي في الاتحاد الأوروبي.
الأرقام مخيبة، فالركود متوقع له أن يستمر هذه السنة أيضاً، صحيح أنه أقل من واحد في المئة، لكنه يبقى مرادفاً لانعدام أي أمل في النمو. التقشف وُضع لحل مشاكل الميزانية والدين، ومع انعدام النمو لن تتوافر موارد لسداد الديون التي ستزداد في المحصلة. والأمر لا يتوقف هنا، فالبطالة والركود مرشحان للتعمق، في حال استمرار سياسات الاقتطاع من الإنفاق العام، وجعل معيار ثلاثة في المئة لعجز الميزانية المسموح به أوروبياً، حاداً كالمقصلة.
سوبودا، الذي ينادي بالمرونة ويحمل راية «الاقتصادي التقدمي»، يقول إن «ما يلزم هو رؤية الواقع»، مشيراً إلى أن «دولاً عديدة لم تخرج من (أزمة) الديون برغم التقشف المتطرف، فقد خلق بطالة جديدة وقلل موارد الحكومات من الضرائب». وهو يؤكد أن كلامه ليس للتهرب والمراوغة إزاء مشكلة يقرّ بجديتها، بل أن «الأمر لا يتعلق أبداً بالقفز فوق تقليل الديون، بل بتمديد الوقت لإعطاء الدول مهلة أطول لتقلل عجزها، وإلا فإن المواطنين سيوقفون دعمهم للحكومات الوطنية وللاتحاد الأوروبي».
لا يتحدث الرجل من فراغ. البطالة تتزايد بمعدل مقلق وصل إلى 12 في المئة في منطقة اليورو. اسبانيا على حافة تمرد اجتماعي مع بطالة تقارب 27 في المئة. وايطاليا تصوت ضد السياسات الأوروبية التي لا ترى منها سوى التقشف والبطالة. هذه ليست أي دول، بل ثالث ورابع اقتصادات منطقة اليورو على التوالي. واقع يراه موسكوفيشي ويؤكد عدم إمكانية تجاوزه.
ويقول الوزير الفرنسي إنه «بما أن أوروبا تمر بحالة نمو بطيء أو حتى في حالة ركود، فعندما يعبر بعض الناس أو بعض الدول عن قلقهم، فعلينا الاستماع إليهم، وعلينا التفكير جماعياً حول كيفية تعزيز النمو في أوروبا». وبحسب رأيه، فإن لا مفر أمام تكتل العملة الموحدة من مد يد العون، ويوضح أنه «يجب علينا أيضاً تطوير نهج أكثر تعاوناً بين الدول التي لديها الفوائض، والدول التي تعاني العجز، ويجب علاوة على ذلك، قطعاً، المحاربة من أجل تطوير الاستثمار في جميع دولنا».
باختصار، الوصفة برأيه نقل الحلول للعمل على محور آخر، أي «بدل التقشف نركز على النمو».
تفكيك محور العمل السابق، أو «الفاشل» كما يقرون، هو إيقاف ممثلي الجهات الدائنة وممثلي المفوضية الأوروبية الحارسة للقواعد المالية، عن التجول بين البيانات المالية، وكأنهم «بوليس» ضبط الموازنات للدول التي حصلت على خطة إنقاذ.
وفي الأساس لم تنفع كل الصرامة في تحقيق نسبة العجز المستهدفة. فرنسا تطلب سنة إضافية، وطابور حاملي ذات الطلب على باب المفوضية يطول. والمفوضية بدأت فعلاً تلين، وهي ترى أن التقشف يكاد يقلب أزمة الدين إلى أزمة ركود وبطالة.
رئيس «مجموعة الاشتراكيين الأوروبيين» يعلق بأن هناك قواعد قديمة لا تفوت صلاحيتها، «ليس كل شيء جديد وحديث هو صحيح. لذلك فلنعد إلى الأسس الجوهرية: التمعن في حالة الدولة من منظور التفاوت في نمو الدخل، وتقليل هذا التفاوت لكي يمكن توفير أموال أكثر للناس الفقراء للإنفاق».
وبحسب رأيه، فإن شروط هذه القاعدة الاقتصادية لا يجب أن تُشوه، ويوضح «اليوم، في الولايات المتحدة، صحيح أن بعض الناس لديهم المال لينفقوا لكنهم أغنياء جداً، وهذا ليس فقط غير مجد اقتصادياً بل غير مقبول اجتماعياً وخطير على المستوى السياسي».
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد