الجيش يتقدّم في مزارع الملّاح: خُطط عسكريّة جديدة لحلب
جبهات حلب على موعدٍ مع تغيّر تكتيكي في آليات إدارة المعارك وتوجيهها. ووفقاً للمعلومات المتوافرة، فإنّ ما شهدته المدينة خلال اليومين الأخيرين على محاور عدة لا يعدو كونَه مقدمات تمهيدية حتى الآن.
معسكر الجيش السوري وحلفائه كان خلال الأسبوع الأخير مسرحاً لجملة تنقّلات وتبديلات، سواء لجهة إعادة توزيع نقاط التجمّع والتحشيد، أو لجهة طريقة توزّع القوات والاختصاصات على تلك النقاط. وانطلقت الخطط المستجدة من إعادة تبويب الأولويات الاستراتيجية، مع التركيز على المحاور الأقرب إلى المدينة. علاوةً على تثبيت الثقل الهجومي على المحاور الشمالية، وإرجاء العمل على محاور الريف الجنوبي البعيدة إلى مرحلة تالية. وتضافرت معطياتٌ عدّة في إعادة توجيه بوصلة المعارك شمالاً، منها ما هو ميداني ويرتبطُ بـ«العمق الاستراتيجي» الذي تحظى به «جبهة النصرة» وحلفاؤها في الريف الجنوبي بفعل متاخمته لريف إدلب، ومنها ما هو سياسي ويعودُ إلى تحفّظ روسي على خطط الريفين الجنوبي والغربي في المرحلة الراهنة. وتأخذ التكتيكات الجديدة في عين الاعتبار حرمان المجموعات المسلّحة المتوزّعة على المحاور من إمكانية تبادل الدعم والمؤازرة بين محور وآخر، وبطريقة تُعيد إلى الأذهان أسلوب «تشتيت الجبهات» الذي سبق للجيش وحلفائه أن اعتمدوه غداةَ التدخّل العسكري الروسي المباشر. الجديد هذه المرة هو تقسيم المحور الواحد إلى جبهاتٍ عدة بالاستفادة من الغطاء الناري الكثيف الذي عادت الطائرات الروسية إلى توفيره خلال اليومين الأخيرين بوتيرة يمكن القول إنّها غير مسبوقة. وتمنح التكتيكات الجديدة أفضليّة التقدّم البري المُباغت في اتجاهات عدة من دون التقيّد بـ«جدولٍ زمني» مُسبق، لا سيّما بعد أن عُبّئت القوات بطريقة تلحظ إمكانيّة فتح عمليات تقدّم برية على محاور عدة في وقت واحد مع ترك التقديرات لقيادة غرفة العمليات وفقاً لمُعطيات الميدان.
وفي سبيل ذلك تلقّت وحدات الاقتحام (التي أعيد توزيعها على المحاور) تعليمات بالتزام الجاهزية القصوى على مدار الساعة. وهو ما يمكن عدّه إحياءً لخُطط كانت قد وُضعت مطلع الشهر الجاري ، قبل أن تُعيد التداخلات السياسية تجميدها. ونجح الجيش وحلفاؤه أمس في السيطرة على الجزء الشمالي من مزارع الملاح (ريف حلب الشمالي)، لتواصل القوات تقدّمها نحو المزارع الجنوبية وسط اشتباكات عنيفة. ووفقاً للمعلومات فإنّ التقدّم الأخير على محور مزارع الملاح يأتي بمثابة «بروفة» أولى مرشّحة للتكرار في أي لحظة، وبمجرد توافر الظرف الميداني المناسب. اللافت في تحرّك الجيش نحو مزارع الملاح أنّه جاء في خضم قصف جوي ركّز في الدرجة الأولى على حي «بني زيد» الشهير، ما أوحى بأنّ التقدم البري قد يستهدف طريق الكاستيلّو المتاخم للحي. وتوضح مصادر ميدانية سورية أنّ «المجموعات المسلّحة كانت تتوقّع تحركنا على محور الكاستيلّو وحاولت جرّنا إليه، لكنها تلقّت المفاجأة على محور آخر». ومن شأن بسط السيطرة المستقرّة على مزارع الملاح (في حال اكتماله) أن يُشكّل جبهة إشغالٍ للمجموعات المسلحة المتمركزة في مدينة حريتان ويحول بينها وبين تقديم أي دعم لنظيرتها على طريق الكاستيلّو، ما يُعزّز فُرص الجيش وحلفائه في السيطرة لاحقاً على هذا الطريق المفتاحي. وعلاوةً على ما تعنيه هذه السيطرة من خنقٍ فعلّي للمجموعات المتمركزة في أحياء حلب الشرقية، فإنّ من شأنها أن تؤمّن للجيش إمكانية التقدّم البري نحو حي بني زيد الذي يشكّل نقطة «إسناد ناري» شديدة الفاعليّة للمجموعات المسلحة على مختلف المحاور. وعلى نحوٍ مُشابه لما تشهده الجبهات البعيدة، يحرص الجيش السوري وحلفاؤه على فتح «جبهات مُشاغلة» مُماثلة تستهدف مختلف القطاعات داخل المدينة (مثل قطاعي سيف الدولة، والخالديّة). وتجدر الإشارة إلى اختلاف جوهري تلحظه خطط العمليّات بين جبهات القطاعات داخل المدينة وتلك المفتوحة على المحاور خارجها. ففي حين تعمل خطط المحاور على انتهاز الفُرص متى أتيحت للتقدّم وتثبيت النقاط، فإنّ خطط قطاعات المدينة تلحظ «ضرورة تجنّب التوغّل داخل أي قطاع، والاكتفاء بالمشاغلة والاستنزاف». وينبع هذا الاختلاف من خطورة التوغّل داخل مناطق يحظى فيها المسلّحون بعمق مفتوح، وبمتاريس وخنادق عملوا على تحصينها طويلاً، خلافاً للمحاور الخارجية في الريف المتاخم والتي استمرّت ساخنةً باستمرار.
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد