الحسكة: الأكراد يتقدمون والوساطة الروسية مستمرة وحل «الدفاع الوطني» و«الأنصار»
من دون استعمالٍ للقوة المتاحة، وتحت تأثير معارك واشتباكات متوسطة ومتقطعة، انسحبت قوات الجيش السوري و «الدفاع الوطني» من نقاط عدة داخل مدينة الحسكة، ليسيطر الأكراد بالكامل على حي النشوة الشرقية الذي يضم مركز «الدفاع الوطني»، وعلى أجزاء واسعة من حي الليلية جنوب المدينة والقسم الشرقي من حي غويران شرق المدينة، إضافةً إلى مراكز حكومية عدة، فيما شكلوا طوقاً حاصروا من خلاله مقارّ حكومية وأمنية عدة، بينها فرع المرور والهجرة والجوازات والسجن المركزي، لتنحصر سيطرة الحكومة على المربع الأمني في المدينة.
التقدم الكردي السريع الذي جرى خلال بضع ساعات، جاء بعد خرق لاتفاق تهدئة وقع بإشراف روسي مساء الأحد، حيث لم تمض ثلاث ساعات على بدء التهدئة، حتى اندلعت معارك انتهت بتقدم الأكراد وانسحاب قوات الجيش السوري و «الدفاع الوطني». وسجل خلال الاشتباكات سقوط عدد من الضحايا، فيما لم تسجل أي طلعة جوية لسلاح الجو السوري. وسجلت أيضاً مقاومةٌ كبيرة من قبل قوات الجيش السوري وعناصر الشرطة في المراكز الحكومية التي رفضوا الانسحاب منها، بينها دائرة النفوس (السجلات المدنية)، وفق تأكيد مصادر ميدانية.
وبسيطرة الأكراد الأخيرة، تغدو معظم مدينة الحسكة بأيديهم، بما يعادل نحو 80 في المئة من مساحتها، وفق تقديرات مصادر ميدانية وأهلية في الحسكة، قبل أن تهدأ وتيرة الاشتباكات.
في هذا السياق، ذكر مصدر أمني في المدينة أنّ وفداً كرديّاً غادر مطار القامشلي بعد ظهر أمس وتوجه نحو قاعدة حميميم الروسية في مدينة جبلة في اللاذقية، وذلك للتوصل إلى اتفاق نهائي ينهي اشتباكات الحسكة. وبحسب المصدر، فإنّ الحكومة السورية وافقت على حلّ «الدفاع الوطني» و «اللجان الشعبية» (الأنصار)، فيما سيتم نقل المراكز الحكومية إلى المربع الأمني داخل المدينة، مقابل فتح الأكراد الطرق التي قطعوها نحو المدينة (طريق القامشلي) وتوقف العمليّات القتاليّة. ويطالب الأكراد بالإضافة إلى ذلك، بعدم سوق الأكراد إلى الخدمة الإلزامية، حيث تخضع عمليات السوق إلى الخدمة لسلطة «قوات سوريا الديموقراطية». القضية الإشكالية التي يطالبون بها أيضاً تتعلق باعتراف دمشق بالإدارة الذاتية، إلا أن رفضاً قاطعاً خلال الفترة الماضية من القيادة السورية تسبب بتفاقم الاشتباكات في المدينة، ويبدو أن الأكراد اقتنعوا بعدم إمكانية الحصول على اعتراف دمشق بالفدرالية، الأمر الذي دفعهم للقبول بـ «مكاسب أقل».
وقال دارا مصطفى، المسؤول الإعلامي في «حزب الاتحاد الديموقراطي»، لـ«السفير» إن المطلوب كردياً هو «حل الدفاع الوطني وتسليم مناطق سيطرتها لإدارة الأسايش، ووقف التحريض على قوات الأسايش ووحدات حماية الشعب ووقف التجنيد ووقف الاستفزازات المتكررة»، الأمر الذي يؤكد أن بنود الاتفاق باتت فعلياً جاهزة بانتظار التوقيع النهائي.
وشارك في الهجمات الكردية الأخيرة فصائل كردية عدة مكونة لـ «قوات سوريا الديموقراطية» أبرزها «وحدات حماية الشعب»، «وحدات حماية المرأة»، «الأسايش»، و «المجالس العسكرية العربية»، فيما قاد المعارك قياديون أكراد قادمون من جبل قنديل، وفق مصادر كردية وميدانية، واتخذت قوات «السوتور» السريانية موقف الحياد.
وبانتظار التوقيع على الاتفاق الذي ينهي الأزمة في الحسكة، تشهد المدينة هدوءاً حذراً، إضافة إلى حركة نزوح كبيرة من داخل المدينة نحو الأرياف القريبة. وإذا تم الاتفاق على حل قوات الدفاع الوطني، تدرس القيادة العسكرية السورية إمكانية ضمهم إلى قطاعات الجيش السوري النظامية، الأمر الذي يضمن «انضباطها» وعملها في كنف هرمية عسكرية واضحة ذات مرجعية سيادية تضمن فرض عقوبات على المخالفين، خصوصاً أنّ سلوك بعض عناصرها مثّل الركيزة الأساسية للأكراد خلال تبريرهم الهجوم الأخير، بعدما قامت قوات «الدفاع الوطني» بشن حملة اعتقالات طالت مواطنين أكراداً بهدف تشكيل ضغط شعبي وسياسي لوقف هجمات الأكراد الأخيرة، وهو ما اعتبره الأكراد خلال المفاوضات «اعتداءات على المدنيين من دون وجود سلطة شرعية».
ومن بنود الاتفاق الذي يجري برعاية روسية، إطلاق سراح عدد من المعتقلين الأكراد، وإطلاق سراح مدراء حكوميين خطفتهم القوات الكردية خلال الهجمات الأخيرة، استعملوا أيضاً ضمن عمليات الضغط السياسي.
في العموم، وإذا تمّ توقيع الاتفاق الذي يجري وضع لمساته الأخيرة، تضمن الحكومة السورية بقاءها في الحسكة، وإن في المربع الأمني على أقل تقدير، الأمر الذي يعرقل عملية سلخ الشمال الشرقي السوري كاملاً في ظل السيطرة السياسية على قلب المحافظة، فيما يضمن الأكراد سيطرة ميدانية على معظم أرجاء الحسكة، وهو ما يبدو أنّه أمر مقبول بالنسبة للقيادة السورية التي تضمن بذلك عدم تشتت قواتها، خصوصاً أنها تخوض معارك على جبهات عدة في آنٍ معاً، أبرزها معارك مدينة حلب، والتي نفى الأكراد أمس قيامهم بقطع الطريق المؤدي إليها عبر استهداف طريق «كاستيلو».
وفي حلب، استعاد الجيش السوري أمس تلة أم القرع جنوب غرب حلب، فيما أقر المسلحون بمقتل عدد من عناصرهم، وبينهم قياديان في «جبهة النصرة» (أبو محمد التركستان) و «أحرار الشام» (أبو صلاح).
كذلك سيطر الجيش السوري وحلفاؤه على معظم الكلية الفنية، فيما واصل الهجوم على بقية الكليات مع قصف وغطاء ناري كثيف.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد