الدراجات النارية تقتل في قرية واحدة ثلاثة شبان خلال عشرة أيام
شهدت مدينة جيرود خلال الأيام العشرة الفائتة ثلاث حالات موت نتيجة حوادث دراجات نارية كان أولها موت الشاب ذي الثمانية عشر ربيعاً محمد إثر اصطدامه بسيارة عابرة على طريق زراعية ومن شدة سرعته طار عن الدراجة ليقع على رأسه فوق صخرة كبيرة ما أدى إلى موته مباشرة، أما الشابان اللذان توفيا مؤخراً فكان حادثهما مروعاً حيث اصطدمت دراجتاهما ومع كل واحد منهم رفيق يجلس خلفه فسقط الجميع على الطريق فتوفي سائقا الدراجتين الناريتين الذين فضل أهلهما عدم ذكر اسميهما، ورغم هول ما جرى لم يتخل عشرات الشبان في المدينة عن دراجاتهم النارية وما زالت شوارع جيرود تزدحم ازدحاماً كبيراً بالدراجات النارية.
لكن التعاطف مع الدراجات النارية «زاد الطين بلة» فظاهرة انتشار الدراجات النارية وأعدادها التي تتكاثر يومياً، أنتج نوعاً خطراً من الحوادث المميتة على الطرق الريفية السورية، وتسببت تلك الدراجات بعشرات المآسي وأفجعت الكثير من العائلات نتيجة الرعونة في القيادة وغياب أبسط قواعد السلامة، وتحولت (الدراجات النارية) بحسب تصريح خبير السلامة محمد الكسم لـ الوطن «من وسيلة نقل رئيسية في مدن وقرى الريف إلى قاتل رئيسي للشبان واليافعين في سورية فهي تحصد بحسب تقديرات الكسم (3) قتلى يومياً وحسب دراسات (المنظمة العالمية للوقاية من حوادث الطرق) فإن استخدام الدراجات النارية أخطر بـ(10) أضعاف من بقية المركبات وغالباً ما تكون الإصابات الشديدة في الرأس والصدر وهي مميتة، ويؤكد الكسم أن (الجهل) الناجم عن غياب مادتي (التربية المرورية والصحة العامة) بشكل احترافي في مناهجنا التعليمية في مرحلة التعليم الأساسي، وعدم إلمام الشبان بأصول قيادة الدراجات، وتفشي (الفوضى والطيش والرعونة) أثناء القيادة، إضافة إلى عدم وجود (مفارز للشرطة المرورية) في معظم مدن الريف، هي الأسباب الرئيسية في ازدياد خطورة تلك الحوادث.
ويشير الكسم إلى أن خوذة حماية الرأس مثلاً وهي غير معتمدة لدى أغلبية مستخدمي الدراجات النارية «تخفف (65 %) من خطورة الإصابة، وتشدد دراسات علمية عديدة قامت بها جمعية (يازا الدولية) المتخصصة بقضايا السلامة العامة على فعالية وأهمية (خوذ حماية الرأس النظامية) في الحد من الإصابات»، .
أما إصابات الصدر والجسم فلا يمكن تجنبها برأي الكسم إلا بالحذر وارتداء ملابس السلامة، وهي ملابس جلدية أو قماشية متينة وغالباً ما تكون ذات قطعة واحدة، وارتداء حاميات الركبتين والكوعين، وارتداء نظارة حماية العينين ما لم تكن مدمجة بالخوذة لمنع دخول الغبار والحشرات والحصى المتطاير للعينين.
ما سبق من إحصائيات غير دقيق بسبب عدم تدوين أغلبية حوادث الدراجات النارية لدى قوى الأمن الداخلي فهذه الحوادث قانوناً تعاقب في حال وقوع اصطدام دراجة نارية وحدوث إصابات بمصادرة الدراجة وتغريم صاحبها ثلاثة أضعاف ثمنها، إضافة إلى حجز جميع السائقين المشتركين بالاصطدام، ما دفع بأغلبية المصابين وأهلهم إلى التستر على تلك الحوادث فساهموا في عدم الحصول على المعلومات الصحيحة عن عدد ضحايا الدراجات النارية وإخفائها، وهذا الإخفاء بحسب الكسم ذو «أثر سلبي لأنه يخفف من عدد الضحايا الذين يعلن عنهم بالإحصائيات الرسمية على حين تكون الحقيقة أكبر من ذلك بكثير»، فبرأيه إذا ما أجري استطلاع لسائقي الدراجات النارية عن تعرضهم لحوادث فإن أكثر من 42% منهم سيقر بأنه تعرض لتجربة حادث واحد على دراجة بأقل تقدير.
ورغم جميع ما سبق من المخاطر والحوادث المميتة إلا أن بيع الدراجات النارية علني في أغلبيته إن لم يكن جميع القرى والأرياف السورية ووصلت الأمور إلى حدود البيع بالتقسيط وبأسعار تبدأ بخمسة وعشرين ألف ليرة سورية ولا تنتهي عند رقم محدد وهنا يسأل الكسم «هل يعقل المتاجرة بحياة الأطفال من أجل كسب المال؟ وأين الرقابة التموينية والتجارية والمرورية على مئات المحال التي تبيع دراجات الموت للمراهقين والأطفال بأرخص الأثمان؟ وكيف يستطيع التجار تصنيع وتجميع الآلاف من الدراجات حيث تأتي بكميات هائلة كقطع صغيره تجمع لاحقاً؟»، وبالطبع وفي إحصاء صغير أجرته «الوطن» مع قرابة ثلاثين دراجة نارية في ريف دمشق وجد أن أكثر من النصف دون أوراق وجميعها دون لوحات مرور و28 منها تعود لشبان تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاماً.
وهنا تتكشف حجم الظاهرة وخطورتها بعدم وجود سجلات لهذه الدراجات التي أصبحت تستخدم في بعض المناطق للسرقة على الطرق العامة ما يستدعي ضرورة الوقاية والحماية من هذه الظاهرة من خلال مجموعة من الإجراءات كتسجيل تلك الدراجات وحصرها وإتباع من يقودونها لدورات متخصصة بالوقاية والسلامة ويرى الكسم بأن «تلازم حملات التوعية مع تطبيق القوانين أمر شديد الأهمية»، ويتابع: إن «الدراسات العلمية بينت أن حملات السلامة المرورية تتصف بفعالية مستدامة، فقط في حال تكاملت التوعية الاحترافية المستمرة مع وجود قانون مروري فعّال وصارم يطبق على الجميع، وذلك لأن فئات شعبية كثيرة لا تلتزم إلا تحت سيف النهي والزجر القانوني الشديد». وهنا يأتي دور قانون السير الذي يحاسب الدراجين المسببين للحوادث كبقية السائقين، ويفرض أقصى العقوبات المادية والمانعة للحرية على مجرمي الطريق ويراعي مبدأ تصاعدية العقوبة تبعاً لشدة خطورة المخالفة الواحدة، مع مبدأ النقاط حيث يعطى كل سائق (16) نقطة، ومع كل مخالفة تسحب نقاط من ملفه المروري بحسب حجم المخالفة وصولاً إلى سحب رخصة القيادة من الذين تتكرر مخالفاتهم الخطرة والمميتة، وهنا يصر الكسم على أن «سائقي الدراجات كبقية السائقين ولا بد من التأكيد على تطبيق القانون عليهم».
جابكر بكر
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد