الرهـانـات على معـركـة حـلـب تطـيـح أنـان
دق المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا كوفي أنان أمس، المسمار الاخير في نعش أشهر طويلة من محاولات التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة، فشلت كلّها في الحؤول دون الانفلات الكامل لنار العنف السوري، الذي وصل فعلياً إلى مستوى «المعركة المفتوحة» من طرفي القتال، متجسدة بمواجهة حلب التي تبدو وشيكة، مع استقدام الجيش السوري تعزيزات ضخمة قبل شنّ الهجوم على المدينة التي نجحت المعارضة المسلحة في التمركز في العديد من احيائها مستفيدة من رهانات اقليمية ودولية على المضي قدما في معركة اسقاط دمشق من البوابة الحلبية.
عند ذروة الازمة، حيث يحتاج ملايين السوريين لمساعدات غذائية عاجلة، ناهيك بملايين النازحين واللاجئين، أعلن أنان استقالته من منصبه نتيجة «الانقسام والتعقيد» القائمين في المجتمع الدولي، ومجلس الامن الدولي تحديدا، حول سوريا.
بالتعبير الأدق الذي تمسكت به دمشق لتأجيل إعلان فشل الخطة السداسية النقاط، اعلن أنان نيته عدم تجديد مهمته حي تنتهي مدتها في آخر آب الحالي. روسيا أعربت عن «أسفها» لذلك، وسارعت واشنطن إلى تحميل موسكو وبكين مسؤولية التطور اللافت، بينما تبيّن أن الرئيس الاميركي باراك اوباما وقع مذكرة استخباراتية سرية تجيز لأجهزته دعم المعارضة السورية المسلحة.
أما تركيا، فبدا أكثر تركيزها منصباً على العنصر الكردي في الأزمة السورية، الذي قد يشكل الذريعة الأساسية لأي توغل تركي ممكن داخل الشمال السوري، مع الاحتدام المتوقع في حلب المجاورة. وأكد وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو من اربيل تنسيق أنقرة مع السلطات الكردية في شمال العراق، حول منع «الجماعات المتشددة» من استغلال «الفراغ في السلطة» داخل سوريا.
واعلن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في بيان ان انان ابلغ الامم المتحدة والجامعة العربية «نيته عدم تجديد مهمته حين تنتهي مدتها في 31 آب 2012». وقال انان ان «العسكرة المتزايدة (للنزاع) على الارض والانعدام الاكيد للوحدة في مجلس الامن، غيرا في شكل جذري الظروف لأمارس دوري بشكل فعلي».
كذلك، اعرب انان عن اسفه لعدم «تلقي كل الدعم الذي تتطلبه المهمة»، لافتا الى «انقسامات داخل المجتمع الدولي»، وخصوصا مجلس الامن. واكد ان «كل ذلك ادى الى تعقيد واجباتي». وانتقد انان في هذا السياق عدم «اخذ» مجلس الامن بخلاصات اجتماع جنيف. وشدد على ان «انتقالا سياسيا يعني ان على الاسد التنحي عاجلا ام آجلا».
واوضح أنان انه باشر مشاورات مع الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي لـ«الاسراع في تعيين خلف (لانان) يستطيع مواصلة جهود السلام الاساسية»، مشددا على ان الامم المتحدة «تظل ملتزمة بذل جهود ديبلوماسية لوضع حد للعنف» في سوريا، لكنه اسف لكون «الانقسامات المستمرة داخل مجلس الامن اصبحت عائقا امام الديبلوماسية وجعلت تحرك اي وسيط اكثر صعوبة».
وأعربت دمشق عن «أسفها» لنبأ طلب أنان عدم التمديد له في مهمته. وأكدت أنه «لطالما أعلنت سوريا وبرهنت عن التزامها التام والكامل بتنفيذ خطة أنان ذات النقاط الست، وتعاونت مع فريق المراقبين في تحقيق المهمة المرجوة لكن على الدوام كانت الدول التي تستهدف زعزعة استقرار سوريا، والتي وافقت وصوتت لمصلحة الخطة المذكورة في مجلس الأمن الدولي، هي ذاتها الدول التي عرقلت وما زالت تحاول افشال هذه المهمة لأن النيات لم تكن صادقة أبداً في مساعدة سوريا على تخطي أزمتها بما يتوافق مع إرادة وتطلعات الشعب السوري. وقد تمثلت العرقلة في دعم وتسليح وإيواء المجموعات الإرهابية المسلحة، ما أدى لاستمرار العنف الدائر في سوريا».
وأكدت سوريا أنها تبقى «ملتزمة محاربة الإرهاب وفقاً للقوانين السورية وقرارات مجلس الامن الدولي ذات الصلة بهدف استعادة الامن والاستقرار في البلاد، وأيضاً بهدف حماية المواطنين السوريين الأبرياء وحفظ الممتلكات العامة و الخاصة، كما أن الحكومة السورية ما زالت تؤمن بأن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو الحوار الوطني الشامل والمصالحة الوطنية بين الأفرقاء السوريين من دون أي تدخل أجنبي بهدف تحقيق تطلعات الشعب السوري في الوصول لسوريا المتجددة».
كما أكدت دمشق استمرار التزامها التعامل مع فريق المراقبين الدوليين.
وذكرت وكالات انباء روسية ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال في لندن حيث التقى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، انه يأسف لاستقالة كوفي أنان كوسيط دولي بشأن الازمة السورية ووصف الوضع هناك بأنه «مأساة». وقالت وكالة «انترفاكس» ان بوتين قال في لندن «كوفي انان رجل محترم جدا.. ديبلوماسي ممتاز ورجل متواضع جدا.. ولذلك فإنه شيء مخجل فعلا.» واضاف «لكنني اتمنى ان تستمر جهود المجتمع الدولي الهادفة لانهاء العنف».
وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني متحدثا في طائرة الرئاسة (اير فورس وان) ان استقالة انان تظهر كذلك رفض نظام الرئيس السوري بشار الاسد وقف الهجمات «الاجرامية» ضد شعبه. واضاف ان «استقالة انان تبرز اخفاق روسيا والصين في دعم قرارات مجلس الامن الدولي الجادة ضد الاسد والتي كان من الممكن ان تحاسب الاسد». وقال كارني ان الرئيس باراك اوباما يقدر قيام انان بدور المبعوث لسوريا، وجهوده للقيام بعملية انتقال سلمي وسط القتال المرير.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في بيان ان «استقالة كوفي انان، الموفد الخبير والحائز جائزة نوبل للسلام، تظهر المأزق المأسوي للنزاع السوري». واضاف ان «الموفد الخاص للامم المتحدة والجامعة العربية ينسحب، لكن وقفا لاطلاق النار وتنحي (الرئيس) بشار الاسد و(البدء) بانتقال سياسي يحترم كل المجموعات السورية، هي موضوعات اكثر الحاحا من اي وقت».
وقال وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام إيرفيه لادسوس «يجب أن تبقى الأمم المتحدة في سوريا بأي شكل من الأشكال»، مشيراً إلى أن المعارضة حصلت على دبابات وأسلحة ثقيلة.
وأعلن مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن «جميع الأطراف لم تلتزم بخطة أنان وتوقف العنف في سوريا»، معتبراً أنه يجب عدم إنهاء عمل المراقبين الدوليين في سوريا، وذلك بعد أن أعلن مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة جيرارد أرو، الذي تترأس بلاده مجلس الأمن لهذا الشهر، أن مجلس الأمن لن يمدد، على الأرجح، مهمة المراقبين التي تنتهي في 19 الحالي.
ويأتي ذلك بينما أفادت محطتا «ان بي سي» و«سي ان ان» نقلاً عن مصادر لم تحدداها ان اوباما وقع على وثيقة دعم للمعارضة السورية المسلحة في اطار ما يعرف بـ«التقرير الرئاسي»، وهي مذكرة تجيز لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) القيام بتحركات سرية.
وذكر بيان نشره موقع «رئيس» اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني ان داود اوغلو والبرزاني اتفقا على «التعاون والتنسيق في جهودهما» لمساعدة الشعب السوري «لتحقيق تطلعاته المشروعة لسوريا ديموقراطية حرة وتعددية». وقال البيان الذي صدر بحسب الموقع بعد لقاء داود اوغلو والبرزاني في اربيل عاصمة اقليم كردستان امس الأول ان الجانبين اعربا عن «قلق عميق ازاء عدم الاستقرار والفوضى التي تعم سوريا».
وقال البيان انه «سيتم النظر في اي محاولة لاستغلال الفراغ في السلطة من قبل اي جماعة او تنظيم متشدد وان امرا كهذا يعتبر تهديدا مشتركا وتنبغي معالجته بتنسيق مشترك». وتابع قائلا «يجب ان تكون سوريا الجديدة خالية من المجموعات والمنظمات المتشددة والارهابية المتطرفة»، بينما أفادت مصادر تركية بأن تدريبات تجريها القوات التركية على الحدود مع سوريا تستهدف بشكل أساسي حزب «العمال» الكردستاني الذي تتهمه أنقرة بانه تسلّم من دمشق مسؤولية مناطق عدة في الشمال السوري.
وفي حلب، حيث قام «الجيش الحر» بقصف مطار منغ العسكري باستخدام دبابة استولى عليها من قوات النظام، شدد الجيش السوري قصفه على حي صلاح الدين، بينما تواردت أنباء حول «اقتراب ساعة الحسم» في المدينة، مع انقطاع الاتصالات عن المدينة بشكل واسع، ما ينذر بأن التعزيزات الضخمة التي استقدمها الجيش إلى حلب ستعمل على اقتحام معاقل المعارضة المسلحة خلال اليومين المقبلين.
ومن المتوقع أن تصوت الجمعية العامة للامم المتحدة اليوم على مشروع قرار عربي، تم تعديله بشكل لا يتضمن الدعوة الصريحة إلى فرض عقوبات ومطالبة الأسد بالتنحي، بعد تأجيل التصويت الذي كان متوقعا أمس. لكن وزارة الخارجية الروسية اعتبرت مشروع القرار «أحادي الجانب وغير متوازن»، وأنه «يشجع موقف المعارضة في القتال المسلح الرافض للتسوية مع الحكومة السورية».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد