السارق والمسروق في الفن التشكيلي السوري
تريثت طويلاً قبل أن أكتب عن موضوع السارق والمسروق في الفن التشكيلي السوري لأنني لا أريد ان اضع الاخرين في قفص الاتهام , دون تقديم الصور والوثائق المطلوبة.
فالصور الفوتوغرافية المأخوذة عن اللوحات الاصلية واللوحات المنسوخة تستخدم عادة كوثائق مقارنة وتحليل في خطوات اثبات الادانة التامة التي لا تقبل الجدل أو النقاش أو التأويل او الاجتهاد.اذ تكفي هنا المقارنة دون تعليق.
- في عودة تاريخية لنتاج جيل الرواد الاوائل في الحركة التشكيلية السورية نجد أن هواجس نسخ اللوحات العالمية, قد برزت في تجارب بعض الأسماء,ويشار في هذا الصدد أن لوحة (أبو عبد الله الصغير ) الموقعة باسم توفيق طارق (18751940) والمحفوظة في قاعة العرض الدائمة بمتحف دمشق, هي في الاساس منسوخة عن لوحة استشراقية عالمية,مع بعض التعديلات الطفيفة في اللباس والبنى الزخرفية.ولقد شاهدنا لوحات منسوخة أو منقولة في أكثر من معرض جماعي أقيم في دمشق,ومن ضمنها المعرض السنوي العام.
فبعض اللوحات التي يختارها خبراء التحكيم عندنا للمعارض الرسمية,تتشابه أحياناً إلى حدود التطابق مع بعض لوحات الكبار, والذي يعود إلى دليل المعرض السنوي لعام ,2000يجد في الصفحة 102 لوحة لشريف أورفلي منسوخة عن لوحة لعمر حمدي,مما يزيد الانطباع بأن أعضاء لجنة التحكيم لا يتحملون عناء الاطلاع الكامل.
والشيء نفسه ينطبق على لوحة (غ. د) التي عرضت في معرض اللوحة الصغيرة العام 2006 والمأخوذة عن لوحة العروس لحمود شنتوت.كما أننا نستطيع أن نعثر في (كتالوجات ) المعارض الجماعية الرسمية,على بعض اللوحات التي تقترب من الناحية التشكيلية والتقنية,من أعمال بعض الفنانين البارزين (وبالأخص لوحات فاتح المدرس ونذير اسماعيل).إضافة إلى اللوحات التعبيرية والتجريدية التي تقترب من اجواء لوحات كبار الفنانين اللبنانيين (ولاسيما لوحات شفيق عبود وحسن جوني )علاوة على اللوحات المحلية المفتوحة بقوة على تجارب كبار فناني الحداثة العالمية وما بعدها .فمجمل التجارب التشكيلية المحلية التي تستوحي الزخرفة العربية وإيقاعية الأرابيسك بإضفاء المزيد من الاختصار والاختزال على ايقاعية الخط المسترسل بليونة انما تأخذ جوهر حركة الدوائر والاقواس والكتابات والزخارف التي استخدمها فرانز كافكا في لوحاته منذ مطلع العقد الثاني من القرن الماضي وهذا الاتجاه سرعان ما تبلور في تجارب عالمية شهيرة وبالاخص عند هارتونغ وشنايدر وماتيو.
رحلة البحث عن خصوصية محلية في الفن التشكيلي السوري هل اثمرت حقا اساليب تشكيلية خاصة لا اعتقد ذلك لأن معظم التجارب المحلية لا تزال تحاول الانفلات من شراك الشرنقة المتأزمة في الفن المعاصر دون القدرة على ايجاد فواصل او حدود تفصل وتفرق بين اللوحة العربية واللوحة الاوروبية.
- هل نتخلى عن عقدتنا المزمنة تجاه الفن الاوروبي ونرسخ دعائم الحوار الثقافي المفتوح على الغرب ام نبقى نخادع انفسنا بأن ما نقدمه للغرب يؤكد هوية فنانينا وابداعهم العالمي والى متى هذا التقوقع في الاطار التنظيري دون اهتمام فعلي بمواقع اقدامنا.
فمن الضروري مناقشة وتحليل المعطيات التي وصل اليها التشكيل السوري لأن التغاضي عنها يزيد من حدة المراوحة والاستنساخ .
لابد من اجراء نقد ذاتي للنتاج الفني المحلي الذي يعاني من الوقوع في التكرار والانجراف وراء تقليد التيارات الاجنبية والمراوحة في احيان كثيرة في عرض النتاج الزخرفي والحروفي المستهلك والسطحي والاستعراضي.
لابد هنا من الاشارة الى الفرق بين الصناعة الفنية والابتكار اذ ان بعض العارضين عندنا يتجهون نحو تجسيد ما هو متوفر في الصورة الضوئية دون ادنى شعور بضرورة الخروج عن قواعد المهنة او الصنعة.
كأنهم يزاولون الحرفة ضمن قوالب جامدة ودون ابتكار.
فمن بديهيات القول: ان اللوحة يجب ان تطرح فكرة اوصياغة جمالية غير مألوفة وغير متوقعة فالفن لا يعني الجمود واجترار مفردات وشعارات جاهزة وانما يعني ترويض ايقاعات القلق الفني للوصول الى تحول نوعي فكل جديد في الفن يصدم , وعدم ظهور الاعمال الفنية الصادمة عندنا الا فيما ندر يفسر في سياق الازمة الفنية التي هي وليدة السوق الفنية هي وليدة السوق الهابطة والتي لم تشهد على الصعيد التشكيلي والتقني ادنى تغييرات جذرية ماعدا بعض التجارب القليلة فالفن في مألوفه الصالوني لا المحترفي ساهم الى حد بعيد بتراجع او باضمحلال الموقف الفني والاتجاه الى مزاولة الفن كحرفة او كمهنة الشيء الذي يشجع على استنساخ لوحات الاخرين والانفتاح على المألوف والجاهز والمقبول وهذا يؤدي بالطبع الى فقدان الذاكرة المحرضة على الابتكار والتجديد داخل اللغة الفنية ذاتها.
أديب مخزوم
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد