السوريون «يعيشونها غير»
منذ بداية الشهر الجاري، انتشرت على طول شوارع العاصمة لافتات تحمل شعار «2015: عيشها غير». الإعلانات التي جاء أغلبها داعياً المواطن السوري إلى التفاؤل بمتغيرات السنة الجديدة تزامنت مع القرار الحكومي برفع أسعار الخبز والغاز والمازوت. في حي الصناعة في دمشق، يتزاحم عددٌ من المواطنين لركوب إحدى شاحنات «السوزوكي».
الشاحنة الصغيرة، المخصصة في الأصل لنقل البضائع والخضر، ضاعفت قدرتها لتحمل أكثر من 25 مواطناً في صندوقها الخلفي؛ الميكروباص والتاكسي باتا أملاً صعب المنال بالنسبة إلى هؤلاء، ففيما أضرب عدد واسع من أصحاب الميكروباصات عن العمل، استغل سائقو التاكسي الوضع القائم ليرفعوا من تعرفة النقل ما يوازي ثلاثة أضعاف التعرفة الرسمية. جاء ذلك بعد القرار الحكومي الأخير حول «توحيد أسعار المازوت المنزلي والصناعي» ليصل سعر الليتر الواحد إلى 125 ليرة سورية. قرار الرفع هذا أتى ليزيد من أزمة المادة التي لم تكن متوافرة بسعرها النظامي بشكلٍ واسع في السوق أساساً، فيما تمتلئ السوق السوداء بالمادة بسعرٍ بات يتراوح بين 230 و250 ليرة سورية.
«لم نكن نطلب من الحكومة أن تخفض الأسعار، لكن على الأقل من واجباتها أن تحافظ عليها دون زيادة»، يقول كميل أبو ترابة، الموظف في وزارة الصحة. وبحسبة بسيطة، يجزم الرجل الخمسيني في حديثه مع «الأخبار» بأن «التعويض المعيشي» البالغ 4000 ليرة سورية (حوالى 20 دولاراً)، «لا يكفي لسداد ربع ما سيسببه القرار الأخير من ارتفاعٍ ضخمٍ في الأسعار»، حيث جاء القرار الحكومي ليرفع سعر ليتر المازوت من 80 إلى 125 ليرة، وسعر ربطة الخبز من 25 إلى 35 ليرة، فضلاً عن رفع أسعار أسطوانة الغاز من 1100 إلى 1600 ليرة.
الأزمة لا تقف عند حدود رفع أسعار المواد الأولية فحسب، بل إن توافر تلك المواد في السوق بات «كالبحث عن إبرة في كومة قش». في جرمانا (جنوبي دمشق) خلت محطات الوقود من مادة المازوت. الانتظار لساعاتٍ طويلة - وإن كان عبثاً - بات سبيلاً للكثير من المواطنين. أما مدخل المنطقة، فيزدحم بالشاحنات الصغيرة التي تبيع المادة بما يزيد على ضعف ثمنها، وزبائنها هم غالباً من أصحاب الميكروباصات وسيارات الأجرة الهاربين من انتظارٍ لساعات طويلة أمام محطات الوقود.
يذكر أن حملة «عيشها غير» كانت قد انطلقت في بداية الشهر الجاري. وهي «مبادرة غير حكومية» تقدِّم من خلالها جهات حكومية وخاصة عروضاً وحسومات على خدماتها. غير أن المفارقة كانت في أن حجم «التنازلات» التي قدمتها تلك الجهات كان مدعاةً للسخرية من قبل متابعيها؛ حيث تقدم قناة «سما» الفضائية على سبيل المثال فرصة تدريب 50 طالباً من كلية الإعلام، بمقابل أن ترفع وزارة التجارة المحلية وحماية المستهلك أسعار الوقود والخبز! ومع الأيام الأولى لانطلاق «المبادرة»، رماها السوريون بسهام نكاتهم وتهكّمهم. بات كل خبر عاجل من العيار الثقيل يختم بعبارة «عيشها غير»، كما يترصد هؤلاء صور الإعلانات التي تطلقها الحملة ليجري تعديلها وإعادة نشرها بعد أن ينقلب مضمونها رأساً على عقب.
أحمد حسان: الأخبار
إضافة تعليق جديد