السيرة الملتبسة لـ«حركة نور الدين الزنكي»: دور متضخم وفتاوى حربية
برز اسم «حركة نور الدين الزنكي الاسلامية» بالتزامن مع الاندفاعة التركية في ريف حلب الشمالي، ومع وقوف حلب على عتبة منعطف جديد بعد فشل «ملحمتها» الكبرى. فهل يشير هذا التزامن إلى دور ما سيُعطى لـ «الزنكي» في الفترة المقبلة بغطاءٍ إقليمي، أم أن الحركة هي التي تستغل هذه التطورات في محاولة لفرض نفسها لاعباً رئيسياً، وربما وحيداً، على الساحة الحلبية؟ وهل ستنجح، أم بدأت علامات الفشل بالظهور؟
خطوات عديدة شكّلت قفزات نوعية في مسيرة «الزنكي» مؤخراً: الانضمام إلى «جيش الفتح» بعد مصالحة مع «فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً)، محاولة القضاء على تجمع «فاستقم كما أمرت» قبل ساعات من انطلاق الهجمة الثانية لفكّ الحصار عن حلب كما كانت تطمح «ملحمة حلب الكبرى». الاشتباك المُسلح الواسع مع «الجبهة الشامية» في اعزاز، ومحاولة السيطرة على الحواجز ومعبر باب السلامة. هذه التطورات في نهج الحركة وسلوكها، دفعت العديد من النشطاء إلى شنّ حملة إعلامية كبيرة ضدها شبّهتها بـ«جبهة النصرة»، وحتى بتنظيم «داعش»، في تغولهما على الفصائل الأخرى ومحاولة ابتلاعها.
ولكن قادة «الزنكي» يصرّون على أن «الحركة هي تجسيدٌ لصورة الثورة السورية بإطار منظم ومتكامل»، كما قال النقيب عبد السلام عبد الرزاق، المتحدث الرسمي باسم الحركة، مضيفاً أن «الحركة قريباً ستكون هي حركة الشمال كما المدينة (حلب) والغرب، فهي حركة وطن وليست حركة منطقة»، معتبراً أن «الزنكي هي من الفصائل القليلة على الساحة السورية التي تفرض على الدول احترامها بسبب دورها المحوري في الثورة».
ويبدو أن حركة «الزنكي» في سلوكها التصادمي الأخير مع عدد من الفصائل، لم تنطلق من نظرة محدودة تحكُمُها وقتية الحدث وضروراته الراهنة، بل استندت إلى فتوى دينية صادرة من أحد المراجع المقربة منها، هو الشيخ الحلبي ابراهيم سلقيني، ما يشير إلى أن الأمر يتعلق بنهجٍ ثابت وخطة مدروسة. وكان مفاجئاً في الفتوى أنها قرنت بين الحركة وبين «فتح الشام» في ضرورة فرض التوحد على الفصائل الأخرى، بما فيها «أحرار الشام»، ولو بالقوة المسلحة.
وجاء في الفتوى أنه «بناءً على ما سبق، أدعو فتح الشام والزنكي لمهاجمة مقرات باقي الفصائل القاصية والمنفردة والمتشرذمة داخل حلب والاستيلاء على سلاحها، ومنها أبو عمارة وأحرار الشام والجبهة الشامية، وأدعو عناصر الفصائل الأخرى للانتساب لهما وتسليم سلاحهم لهما لتوحيد الصفوف. وهذا ليس رأياً شخصياً، وإنما هو فتوى شرعية بالوجوب؛ لأن التوحد فريضة شرعية».
ولم يكتف سلقيني بذلك، بل عمد بعد أحداث إعزاز إلى توجيه دعوة إلى الفصائل كافة للانضمام إلى «الزنكي»، مشدداً على نقطة في غاية الأهمية، وهي أن «أتباع الجيش الحر يستحيل انضمامهم للتيار القاعدي، وأتباع السلفية الجهادية يستحيل انضمامهم للجيش الحر، فوجب أن تكون هناك كتلتان مختلفتان، ولكنهما متوافقتان». وهو يعتقد أن «الزنكي» هي القادرة على القيام بهذا الدور لأسباب عدة ذكرها في منشور طويل على موقعه الرسمي. وقد حاولنا التواصل مع الشيخ ابراهيم سلقيني، لكنه اعتذر عن الاجابة في الوقت الراهن.
غير أن خصوم «الزنكي»، بمن فيهم بعض الشخصيات التي لديها نظرة موضوعية للأمور، يرون أن ما قامت به الحركة لم يؤثر سلباً عليها وحسب، بل أثرّ على «الجيش الحر» وأدواره المستقبلية. وقال مدير المكتب السياسي في تجمع «فاستقم كما أمرت» الدكتور زكريا ملاحفجي إن «المسار الذي اختاره الزنكي وأفعاله اضرت بالجيش الحر، خصوصاً الممارسات الأخيرة». ورغم أن ملاحفجي شدّد على أنه لا يمكن القول إن «الزنكي» بانضمامه إلى «جيش الفتح» وخطواته التصعيدية ضد بعض الفصائل، قد حسم خياره الايديولوجي، لكنه «بمجرد سيره في هذا المسار، بدأ يُضرّ بالمسار الآخر الذي يرفع علم الثورة وبعيدٌ كل البعد عن الجماعات الايديولوجية».
واستبعد ملاحفجي أن يكون هناك توجه إقليمي يقضي «بتعويم حركة الزنكي تمهيداً لقيامها بأدوار مستقبلية سواء في حلب أو الباب»، معتبراً أن الأمر على خلاف ذلك تماماً، لأن «تصرفات الزنكي أرسلت رسائل سلبية إلى بعض الدول».
في المقابل، أكد المتحدث باسم «الزنكي» النقيب عبد السلام أن «الانضمام إلى جيش الفتح هو عسكري بحت ولأسباب عسكرية، ولم يلغ دور الحركة الأساسي في تدعيم وجود الجيش الحر كونها (الزنكي) الممثل الأبرز له».
وقد شهدت العلاقة بين «الزنكي» و«جبهة النصرة» انقلاباً جذرياً انتقل بها من حالة الخلاف التي كادت تودي إلى حرب شعواء بينهما قبل سنتين، إلى حالة ملتبسة من التنسيق والتحالف، بدأت مع المعارك ضد الجيش السوري في منطقة الملاح وتطورت عبر مشهدين: «الموزة» التي قدّمها زعيم الحركة توفيق أبو شهاب إلى عبد الله المحيسني قاضي «جيش الفتح» على الهواء مباشرة خلال لقاء تلفزيوني بينهما، و «الدبابة» من نوع «تي 90» التي سلمتها الحركة إلى «جبهة النصرة» بعد الاستيلاء عليها في معركة ضد الجيش السوري، وذلك وصولاً إلى انضمام «الزنكي» لـ «جيش الفتح»، ليمثل ذروة التحول النوعي الذي شهدته العلاقة بين الطرفين.
ويأتي هذا السياق من التطور بالتزامن مع تراجع علاقة الحركة مع بعض الدول الداعمة، خاصةً بعد التصرفات التي صدرت عنها واثارت غضباً واسعاً، مثل ذبح فتى فلسطيني في شهر تموز الماضي. علماً أن «الزنكي» كانت مصنفة على أنها فصيل معتدل أميركياً، وسبق لها الحصول على صواريخ «تاو» المضادة للدروع من غرفة عمليات «الموم» التي تردد أنها قطعت الدعم عن الحركة منذ بداية العام الحالي، وهو ما أوقع الحركة في ضائقة مالية شديدة، اضطرت خلالها إلى الانسحاب من عدد من نقاط رباطها في حلب وتسليمها إلى فصائل أخرى.
وما يثير مزيداً من التساؤلات بخصوص «الزنكي» أنها رغم انضمامها إلى «جيش الفتح»، فقد بقيت في «غرفة عمليات فتح حلب»، كما تعتبر فصيلاً اساسياً في «غرفة درع الفرات» بقيادة الجيش التركي. ورغم أن عدداً من الفصائل الأخرى مثل «أحرار الشام» و «فيلق الشام» لديها التحالفات نفسها أيضاً، إلا أن هذا يمكن اعتباره قرينة تؤكد كلام ملاحفجي من أن مسار «الزنكي» الحالي لا يعتبر دليلاً على حسم انتمائها الايديولوجي، وإنما هو من قبيل التكتيك الذي تتبعه الحركة لتحقيق استراتيجية خاصة بها قد يكون هدفها النهائي محاولة الهيمنة على مناطق سيطرة المسلحين في حلب المدينة والريف.
وفي هذا السياق، قال الناشط الاعلامي المستقل زياد محمد إنه «من المعروف عن الزنكي منذ تأسيسه انه يحاول الهيمنة على المناطق التي يدخلها»، ولكنه أشار إلى أن «نجاح الحركة في الريف الغربي يعود لان عناصرها من ابناء هذا الريف ولهم شعبيتهم، ونجاحها في حلب كان بدعم من النصرة وكتائب ابو عمارة»، اما في اعزاز وما حولها، فالأمر مختلف «ولا اتوقع له النجاح لعدم وجود قاعدة شعبية وعدم وجود عناصر من ابناء المنطقة».
وربما تكون فتوى الشيخ ابراهيم سلقيني وحديثه عن «كتلتين مختلفتين لكنهما متفقتان» بمثابة نبوءة لها حظها من التحقق على أرض الواقع، خاصةً أن المعطيات المتوافرة التي لم ينف صحتها أيٌّ من القيادات التي تحدثنا إليها في هذا التقرير، تؤكد أن المشهد الفصائلي مقبل على تطورات جديدة ستنطوي على مزيد من التحالفات، تحالفات بين فصائل «الجيش الحر» من جهة، وتحالفات ضمن «جيش الفتح» من جهة ثانية». وعلى وقع ذلك، ستضطر العديد من الفصائل إلى حسم خياراتها وتحديد هويتها وانتمائها بوضوح، ومنها، بل على رأسها، «حركة نور الدين الزنكي».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد