الصحة: نصف الأطباء النفسيين غادروا البلاد وارتفاع ملحوظ بعدد المرضى
كشف مدير برنامج الصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور محمد رمضان محفوري أن عدد الأطباء النفسيين في القطاعين العام والخاص في سورية تضاءل من 70 طبيباً قبل الأزمة إلى نحو 35 طبيباً يعمل نحو 20 منهم فقط في القطاع العام على حين يعمل الآخرون في عيادات خاصة.
وقال الدكتور محفوري : نحن في حاجة إلى زيادة عدد الأطباء النفسيين بشكل كبير، فحاجتنا خلال الأزمة هي طبيب نفسي لكل 25 ألف مواطن، وحاجتنا في الظروف الاعتيادية هي طبيب لكل 50 ألفاً إلى 100 ألف مواطن، وهذا أمر معروف عالمياً، ولذلك تعمل وزارة الصحة على رأب هذه الفجوة من خلال تنفيذها دورات تأهيلية وتدريبية للأطباء من مختلف الاختصاصات تمكنهم من تقديم الخدمات الطبية النفسية، وخاصة لتدبير الحالات التي تتسبب بها الأحداث التي تمر بها البلاد، فقد أجرينا 5 دورات من هذا النوع نهاية العام الماضي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، لأطباء من محافظات مختلفة، بمعدل 30 طبيباً في كل دورة تدريبية، ما ساهم ولو بشكل ضئيل في توفير قدر أكبر من الخدمة الطبية النفسية، ومع هذا نحن بحاجة إلى إجراء المزيد من هذه الدورات لتدريب الأطباء من مختلف الاختصاصات، والممرضين والمرشدين الاجتماعيين في وزارة التربية لرأب الفجوة، وكذلك علماء النفس، لافتاً إلى أن نحو 15 عالم نفس موظفين في وزارة الصحة يعملون عملاً إدارياً لا علاقة له باختصاصهم، «وأنا مع أن تجرى هذه الدورات لكل أطباء سورية لتمكينهم من علاج 10 حالات على الأقل مثل الاكتئاب والفصام والذهانات والشدة النفسية والصرع وغيرها»، وذلك لقطع الطريق على مخالفي القانون والمشعوذين، مشيراً إلى أن «أكثر من 90% من الحالات التي تراجعنا كأطباء نفسيين، نكتشف أنها لجأت إلى مشعوذين وشيوخ يصنعون الحجابات، قبل اللجوء إلى الطبيب النفسي، لأنه تزداد مخالفة القانون ونسبة مخالفيه خلال الأزمات، وإن لم نفعّل جميع الاختصاصات الطبية للتعامل مع المتضررين نفسياً لتقديم الدعم النفسي والأدوية التي لا تؤذي إن لم تقدم فائدة، فنحن نسمح للمشعوذين بالدخول على الخط، وخاصة أن نحو 90% من الضغوط النفسية التي تتسبب بها الأزمات تتلاشى مع انتهاء الأزمة أو بعد انتهائها بأشهر قليلة، وهنا تزداد شعبية المشعوذين وكأنهم هم من أزالوا هذه الضغوط النفسية».
وأضاف: كان لدينا في دمشق قبل الأزمة 8 أو 9 عيادات نفسية، اختُصرت خلال الأزمة إلى أربع عيادات، والسبب هو تناقص أعداد الأطباء النفسيين الذين كانوا يعملون في هذه العيادات بسبب مغادرتهم البلاد للعمل في الخارج، مشيراً إلى نقص شديد ومزمن حتى قبل الأزمة في اختصاص الطب النفسي مقارنة مع عدد السكان في البلاد.
وأضاف الدكتور محفوري: إنه لم يبق في سورية سوى مشفيين اثنين متخصصين بعلاج الأمراض النفسية يقعان في دمشق وريفها وهما مشفى ابن سينا بمنطقة الريحان التابعة لدوما، ومشفى ابن رشد مقابل كراج العباسيين الذي لم يسلم من الأذى ومن تعرضه المتواصل لقذائف الهاون التي تطلقها المجموعات الإرهابية المسلحة، أما مشفى ابن خلدون في حلب فلم يمض أكثر من سنتين على افتتاحه كمشفى نموذجي كلف الدولة مئات الملايين، حتى اقتحمته المجموعات الإرهابية المسلحة وأطلقت المرضى النفسيين البالغ عددهم نحو 400، وزودت بعضهم بأحزمة ناسفة ليتم تفجيرها عن بعد بين المدنيين وقرب الحواجز العسكرية، أما مشفى تلكلخ فقد سوته الأعمال الإرهابية مع الأرض ولم يبق منه حجر على حجر.
وتابع الدكتور محفوري بالقول: كان هناك مشفيان تابعان للقطاع الخاص، متخصصان بعلاج الأمراض النفسية هما مشفى البشر في حرستا، ومشفى الطب النفسي الحديث في المليحة، وهذان المشفيان خرجا كذلك من الخدمة خلال الأزمة وبسبب الأوضاع الأمنية، وبالتالي لم يبق في القطاع الخاص سوى العيادات الخاصة المتخصصة بعلاج الأمراض النفسية، ولم يبق أي مشفى متخصص سوى في دمشق وريفها، ويقوم الأطباء الذين يحتاجون لإجراء جلسات علاج نفسي للمرضى باللجوء إلى أحد المشافي الخاصة بدمشق الذي خصص غرفة لهذه الغاية وطبعاً للمرضى المقتدرين فقط.
وأضاف الدكتور محفوري: ازداد الطلب بشكل كبير على الأدوية النفسية خلال الأزمة لسببين، الأول هو خروج بعض معامل الدواء الوطنية التي كانت تصنع الأدوية النفسية من الخدمة بسبب الاعتداءات والأعمال الإرهابية، والثاني هو أن الأحداث التي تمر بها البلاد وما رافقها من ظروف قاهرة وضغوطات نفسية، زادت الطلب على الدواء النفسي بشكل ملحوظ وكبير وخاصة مضادات القلق ومضادات الاكتئاب، وحتى الأدوية النفاسية مثل مضادات الفصام والاضطرابات الذهانية، فقد ازداد الطلب عليها، لأنه خلال الأزمات تتفجر الحالات الحادة، فمثلاً مريض فصامي حالته مستقرة ويعيش حياة هادئة، يمكن أن يؤدي تهجيره من منزله أو تأذي أحد أفراد أسرته إلى تفجير حالة حادة لديه، ما يتطلب إضافة في العلاج، لافتاً إلى أنه خلال الأزمة دخل الأراضي السورية كميات كبيرة من الأدوية النفسية المهربة المغشوشة، حيث إن معظم هذه الأدوية مزورة ولا مادة فعالة فيها.
وأشار الدكتور محفوري إلى أن قراراً صدر قبل الأزمة بنحو سنتين حول مديرية الصحة النفسية في وزارة الصحة إلى دائرة، ثم ما لبثت الأزمة أن بدأت، وما أفرزته من أحداث أبرز خطأ هذا القرار وخاصة مع تزايد الحاجة للعلاج النفسي خلال الأزمات، لافتاً إلى ضرورة العودة عن هذا القرار وتحويل الدائرة إلى مديرية لتتمكن من القيام بعملها بعيداً من البيروقراطية، ولتتمكن من الاتصال والتواصل مع مديريات الصحة في المحافظات بشكل مباشر، ومن الإشراف على «المحافظات» فيما يتعلق بالصحة النفسية.
وتابع الدكتور محفوري بالقول: إن العلاج النفسي في سورية خلال الأزمة يتم من خلال العمل على محورين يتعلق الأول بالصحة النفسية وعلاج الأمراض النفسية، أما الثاني وهو جديد خلال الأزمة، هو الدعم النفسي الاجتماعي وخصوصاً في مراكز الإيواء.
وأشار الدكتور محفوري إلى أنه خلال الأزمة تراجع موضوع الوصمة الاجتماعية المرتبطة بزيارة الطبيب النفسي بشكل ملحوظ، «وهذا ما نلمسه من خلال ازدياد أعداد المراجعين من غير المرضى والذين يعانون فقط من حالات اكتئاب أو قلق تسببت بها الأحداث التي تشهدها البلاد.
باسم الحداد
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد