الظواهري يدعو للتوحد وحرب العصابات ضد "الروافض والنصيريين"
كشف زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري عن استمرار تنظيمه في التدخّل بالمشهد السوري وتطوراته، مقدماً الدليل على أن مسرحية «فك الارتباط» لم تكن أكثر من واجهة للخداع والتمويه فقط. ويبدو أن الأوضاع العسكرية الهشّة التي يعاني منها أتباعه في مناطق سيطرتهم في سورية، هي التي دفعته إلى الخروج عن صمته وتوجيه نصائح وإرشادات لهم قبل فوات الأوان. وجاء هذا الإقرار باستمرار العلاقة مبطناً بتهديد ووعيد موجهين إلى «من يهمه الأمر» بأن أي مسعى لتحويل «فك الارتباط» إلى أمر واقع سيلقى مواجهةً من قبله.
وأقرّ الظواهري في كلمة صدرت عن مؤسسة السحاب مساء الأحد وحملت عنوان «الشام لن تركع إلا للـه» أن الموقف العسكري في سورية لا يميل لمصلحة أتباعه طالباً منهم الاستعداد لحرب طويلة ضد من سماهم «الصليبيين وحلفاءهم الروافض والنصيريين». وغلبت على خطاب الظواهري نبرة التحذير من التراجع والتنازل. لكن أكثر ما يؤكد قراءته المتشائمة للأحداث هو الدعوة التي وجهها إلى أنصاره بضرورة التركيز على «حرب العصابات» وعدم الاكتراث «بالتمسك بالأرض» متراجعاً بذلك عن دعوات وردت في خطب سابقة كان يطالب فيها بإقامة «حكومة إسلامية».
وكرر الظواهري دعوته إلى التوحد، لكن هذه المرة لم يطالب بتوحد الفصائل المسلحة وحسب، بل طالب بالتوحد «مع المسلمين والمجاهدين في الشام بل في كل العالم» بهدف مواجهة «الحملة الصليبية التي تشن على المسلمين في كل مكان». وكان من اللافت أن خطاب الظواهري خلا من أي إشارة إلى تنظيم «داعش» لا سلباً ولا إيجاباً وذلك خلافا لعادته في خطبه الأخيرة حيث كان لا يتوانى عن مهاجمة التنظيم وقادته موجهاً إليهم أقذع الأوصاف والعبارات.
واعتبر الظواهري أن «قضية الشام هي قضية الأمة كلها ولا يجب أن نصورها على أنها قضية الشاميين ثم نضيقها فنجعلها قضية السوريين» لافتاً إلى أن ذلك «هو عين مخطط العدو ومقصده أن يحوّل الجهاد في الشام من قضية أمة إلى قضية وطنية» ورأى أن مواجهة هذا المخطط تكون عبر إعلان أن «جهاد الشام هو جهاد الأمة».
ولا تعني هذه النقطة أن الظواهري متمسك بسمة «عالمية الجهاد» وحسب، بل هو من خلال تأكيده على «جهاد الأمة» يوجّه انتقادات خفيّة إلى بعض التيارات «الجهادية» التي بدأت تتحرّج من الحديث عن «الجهاد» بهذه الشمولية وتقصره على الداخل السوري فقط. وليس المقصود التيارات داخل «هيئة تحرير الشام»بل أيضاً التيارات في «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي يتمتع الظواهري بعلاقات قوية معها عبر بعض القيادات فيها من قدامى المقاتلين في أفغانستان.
وتشير هذه الدعوة إلى «عالمية الجهاد» إلى عدم رضا الظواهري عن خطوة «فك الارتباط» التي اتخذها أبو محمد الجولاني العام الماضي، وإلى غضبه من مساعي بعض قيادات «النصرة» لتكريس هذه الخطوة وتحويلها إلى أمر واقع بعد أن كانت مجرد «مسرحية» لتضليل الرأي العام العالمي ولمحاولة احتواء تداعيات الاتفاق الروسي الأميركي لاستهداف «النصرة» آنذاك.
وهذا ما يبدو جلياً من التحذير الذي وجهه الظواهري «لأهل الشام» محذراً إياهم ممن سماهم «أحفاد أبي رغال» (وهو شخصية تاريخية توصف بأنها رمز الخيانة) فقال «احذروا من أحفاد أبي رغال الذين يخادعونكم بأنكم إذا حولتم جهادكم لحرب وطنية سورية فسيرضى عنكم أكابر المجرمين» في إشارة إلى حكام الغرب والولايات المتحدة. وفي سبيل المقاربة، فقد سبق للظواهري أن شكك في جدوى «فك الارتباط» متسائلاً في خطاب صدر قبل اتخاذ الخطوة «هل سيرضى أكابر المجرمين عن النصرة إذا فارقت القاعدة».
وقد بقي موقف الظواهري من «فك الارتباط» يكتنفه الغموض خصوصاً أنه اختار الصمت إزاءه منذ إعلان الجولاني عنه في شهر تموز الماضي. وذهبت بعض المعلومات في حينه إلى أن أبو الخير المصري اتخذ قرار إعطاء الجولاني الضوء الأخضر لفك الارتباط من دون العودة إلى الظواهري مستنداً بذلك إلى منصبه كونه نائب الظواهري وإلى الدعم الذي تلقاه من قيادي مصري آخر هو أحمد سلامة مبروك المعروف بلقب أبو الفرج المصري الذي ظهر جالساً إلى جانب الجولاني أثناء إعلان فك الارتباط.
وقد تكون عدة عوامل دفعت الظواهري إلى إظهار الإشارات الأولى حول امتعاضه من خطوة «فك الارتباط»، أهمها: أن فك الارتباط لم يحقق الغاية منه وهي تجنيب «جبهة النصرة» مغبة التصنيف على لوائح الإرهاب، وهو ما أعلنه صراحة المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني في بيانه الشهير الذي اعتبر فيه «هيئة تحرير الشام امتدادا لتنظيم القاعدة وتنظيماً إرهابياً». والعامل الثاني هو مقتل كلٍّ من أبي الخير وأبي الفرج المصريين، ما أسهم في تحرر الظواهري من الحرج الذي كان يشعر به تجاه معارضته لقرارهما في دعم خطوة الجولاني. أما العامل الثالث فهو رغبة الظواهري في اقتناص فرصة انحسار نفوذ تنظيم «داعش» والعمل على إعادة تنظيم صفوف «القاعدة» من أجل تأهيله لوراثة حصة من تركة منافسه اللدود.
وما زال الظواهري يمتلك أوراق قوة يمكنه الاعتماد عليها لخلط الأوراق والضغط على التيار الذي يسعى للانشقاق عنه، وتتمثل هذه الأوراق بوجود قيادات كبيرة من تنظيم «القاعدة» في سورية رفضت مبايعة الجولاني بعد قيامه بفك الارتباط. ومن أهم هؤلاء المصريان: سيف العدل وأبي محمد، والأردنيان: أبو القسام وسامي العريدي وأبو جليبيب الطوباسي. ويدعم هؤلاء اثنان من أهم مرجعيات «السلفية الجهادية» هما أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي المقيمان في الأردن.
وعليه يمكن اعتبار خطاب الظواهري بمثابة أول خطوة تصعيدية في مواجهة الانشقاق الذي يتعرض له من بعض القيادات في «جبهة النصرة»، وهو تحذير للجولاني بالعودة إلى بيت الطاعة قبل أن تحل عليه اللعنة التي حلّت من قبله على زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
فهل سيتمكن الجولاني من احتواء هذا التصعيد وضبطه ضمن حدود معينة أم إن جدية الظواهري ستدفعه إلى اتخاذ قرارات تشابه قرار القضاء على «جند الأقصى»، على أن تكون الفريسة هذه المرة هي كبار رؤوس «القاعدة»؟.
عبد الله علي
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد