العنف وأطروحة الشرق الأوسط الجديد ومخاض كوندوليزا الكاذب
الجمل: قالت كوندوليزا رايس يوم أمس في باريس بأن العنف مفيد لتطور الشرق الأوسط باتجاه الديمقراطية. وقد تناقلت الصحف الورقية والالكترونية العالمية التصريح المثير للجدل الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في المؤتمر الصحفي الذي أعقب اجتماعها في باريس مع الرئيس الفرنسي الجديد نيكولاس ساركوزي، ووزير خارجيته بيرنارد كوشتير.
• خلفيات التصريح:
طرح أحد الصحفيين (المشاغبين) سؤالاً على كوندوليزا رايس حول تصريحها الذي أطلقته في العام الماضي خلال حرب حزب الله- إسرائيل، والذي وصفت فيه تلك الفترة بأنها تمثل أوجاع المخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد.
بعد السؤال ثارت ثائرة كوندويزا رايس وأصرت على التمسك برأيها قائلة بأن آلام وأوجاع المخاض سوف تستمر وبأن الديمقراطية سوف تولد ويولد معها الشرق الأوسط الجديد.
• العنف وأطروحة الشرق الأوسط الجديد:
شهد الشرق الأوسط الكثير من المشروعات الجديدة، التي خططت القوى الأجنبية لفرضها وإلباس ثوبها للشرق الأوسط حتى يبدو جديداً، وقد انتهت جميع هذه المشروعات بالكوارث المأساوية لسبب بسيط يتمثل في أن شعوب الشرق الأوسط لم يحسب الذين خططوا لهذه المشروعات حسابها.
الشرق الأوسط الجديد لا يختلف كثيراً أو قليلاً عن المشروع الإسرائيلي الأساسي، بل هو بالأساس المشروع نفسه، والفرق الوحيد يتمثل في أن الإدارة الأمريكية قد أخذته عن طريق (الشباك).. وبدأت تروج له في الشرق الأوسط عن طريق (الباب).
أبرز سمات وخائض مشروع الشرق الأوسط الجديد هي:
- استخدام العنف الواسع اللامحدود.
- صناعة الأزمات داخل وبين كيانات الشرق الأوسط.
- تقسيم الشرق الأوسط الى كيانات صغيرة.
- السيطرة على الموارد.
- إدماج إسرائيل ووضعها في موقع القيادة.
• الحصاد المر لخبرة الشرق الأوسط الجديد:
أشرفت الإدارة الأمريكية، وباشر خبراؤها العمل في ثلاثة مناطق شرق أوسطية، سبق أن بشر الرئيس بوش، ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس بأنها سوف تشكل (البذرة) الأساسية للشرق الأوسط الجديد، وأعقب ذلك سيل من التحليلات والمقالات التي قدمها خبراء اللوبي الإسرائيلي على موقع معهد واشنطن، ومعهد هدسون، ومعهد المسعى الأمريكي، وصحف الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، وغيرها.. وكانت جميعها ترى في هذه المناطق (البشارة) التي تحمل الأمل بـ(الحمل) الحقيقي.. ولكن لسوء حظ كوندوليزا رايس، فقد تبين بعد مرور تسعة أشهر من حرب الصيف الماضي، أن حملها كان (كاذباً).
• المناطق الثلاثة: مولد المأساة.. ومأساة النهاية:
المناطق الثلاثة التي ركزت عليها برامج إدارة بوش لتنمية الديمقراطية، هي: العراق، الأراضي الفلسطينية، ولبنان..
- أولاً: العراق: تقول إحدى الموسوعات السياسية الأمريكية بأن كل دولة من دول الشرق الأوسط لها تاريخ استقلال واحد، إلا العراق، فإدارة بوش تدرج في سجلاتها الرسمية تاريخين لاستقلال العراق، الأول هو تاريخ خروج البريطانيين من العراق، والثاني هو تاريخ انتخابات البرلمان العراقي، وتأسيساً على ذلك تقول السجلات وبصريح العبارة بأن تاريخ استقلال العراق هو في يوم 3 تشرني الأول 1932، و15 كانون الأول 2005م، وبعد الفترة التي أعقبت 15 كانون الأول وحتى الآن دخل العراق في مرحلة الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي بفعل ديمقراطية الإدارة الأمريكية وأجندة الشرق الأوسط الجديد.
- ثانياً: الأراضي الفلسطينية: وبفضل جهود الإدارة الأمريكية، وزيارات كوندوليزا رايس التي بلغت تسعة زيارات خلال العام الماضي، تحول مشروع الدولة الفلسطينية الديمقراطية إلى مشروع دولتين الأولى دولة دينية تقودها حماس في قطاع غزة، والثانية شمولية تقودها فتح والمخابرات الإسرائيلية والأردنية في الضفة الغربية.
- ثالثاً: لبنان: كان لبنان ينعم بالديمقراطية الطائفية، وهي ديمقراطية تختلف كثيراً عن ديمقراطية ويستمنستر اللندنية، وذلك لأن الديمقراطية بمعناها الليبرالي لم تجد لها مكاناً في لبنان، ولأن الشعب اللبناني لم يسعى لها بالأساس، بل سعى لإقامتها الفرنسيون عن طريق تزوير الإحصاءات السكانية التي أعقبت قيام السلطات الفرنسية الاستعمارية بعملية فصل لبنان عن سوريا.
وقد دخل لبنان بسبب هذه الديمقراطية الطائفية في حروب أهلية مدمرة قتل فيها اللبنانيون بعضهم البعض، وبرغم ذلك لم تعي إدارة بوش ووزيرة خارجيتها مضمون وجوهر التجربة اللبنانية، وقاموا بتجنيد العملاء والوكلاء من كل نوع من أجل شن الحروب السياسية ضد دول المنطقة، ومحاربة المقاومة الوطنية اللبنانية، وكانت النتيجة أن قادت الديمقراطية الطائفية المعدلة أمريكياً لبنان إلى حافة هاوية الحرب الأهلية بعد أن سقط قبلها فعلاً في هاوية الأزمة الاقتصادية التي أذكت وقود نيرانها مؤتمرات المانحين والمساعدات العسكرية الأمريكية.
الجمل قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد