القاهرة تحت «حظر التجوال» تفقد روحها
ملل... عصبية... قلق... حالة عامة انتشرت في شوارع مصر، من دون أن تميّز بين رجل وامرأة. مدينة القاهرة، التي طالما اشتهر اهلها بالسهر حتى ساعات الفجر في مقاهٍ وسط البلد، على وقع الضحك ولعب الطاولة وشرب الشيشة، التي تعبق سماؤها بدخان مريديها، أصبحت شوارعها أشبه بمدن الأشباح، لا يجرؤ أحد على مجرد المشي في أي منها بين الساعة السابعة مساء والسادسة فجراً. الجميع يسير جرياً والسيارات مستعدة لارتكاب عشرات المخالفات المرورية فقط من أجل الوصول إلى المنزل قبل بدء تطبيق حالة «حظر التجوال».
لا يمكن وصف الحياة تحت الحظر بمجرد كلمات، فالجميع لدية مشاعر مختلطة بين الغضب والخوف والشعور بالضجر... أمٌّ تخشى من أن تفقد أحد أبنائها فتجلس لتصلي ولا تترك المصحف أو مسبحة الدعاء من بين أصابعها حتى يعود ابنها أمامها سالماً... الشباب الذين اعتادوا الحرية، ولقاء الأصدقاء في أي وقت، أصبحوا في حالة احتقان بسبب تكبيل حريتهم بسلاسل القرارات العسكرية، وذلك بعد إعلان مؤسسة الرئاسة مساء الأربعاء 14 آب، وغداة فض اعتصام «الأخوان المسلمين» قرب مسجد رابعة العدوية وميدان النهضة، حظراً للتجوال لمدة 12 ساعة تبدأ من الساعة السابعة مساء وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي، وذلك لمدة شهر كامل.
بين القراءة ومتابعة الأخبار وتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي تمضي غالبية المجتمع المصري أوقاتها داخل جدران المنزل، بدءاً من إطلاق صفارة الحظر وحتى نهايتها في صباح اليوم التالي، فجميع سبل الحياة الأخرى أغلقت تماماً، وحتى الخروج من باب المنزل والوقوف أمامه أصبح مجازفة، فقد تمر دورية للشرطة توقع العقوبة على هذا الشخص المتبجح، إذ ربما يكون عنصراً «إخوانيا» يخطط لمؤامرة ضد الوطن!
الطريف في الأمر، أن بائعي الأدوات المنزلية وتحديداً «الشيشة» في حي الحسين، هم أكثر الفئات التي حققت مكاسب مالية لا بأس بها، فنظرا إلى عشق المصريين لـ«التشييش»، فقد أقبل عدد كبير من الناس على شراء «الشيشة» وجميع لوازمها من العطارين، وذلك حتى لا يحرم من هذه المتعة في ساعات الحظر داخل منزله.
وأما السلطات الحكومية، فهي تسعى للاستفادة القصوى من ساعات الحظر للحفاظ على الحالة الثورية والوطنية للمصريين. وعلى مدار الساعة يمكنك مشاهدات عشرات الأفلام الوطنية التي كانت تعرض في المناسبات القومية كعيد تحرير سيناء وحرب أكتوبر والمولد النبوي أحياناً. هذه الأفلام تذاع الآن على مدار الساعة عبر جميع القنوات الإعلامية سواء الحكومية أو الخاصة، ويرافقها سيل من الأغاني الوطنية القديمة أو التي حيكت حديثا حتى تناسب المرحلة الحالية.
لم يستثن القرار سوى فئة قليلة ممن يضطرهم عملهم للتجوال في الشارع ليلاً، كالصحافيين والمسعفين.
ولم يعف القرار كبار السن حظر التجوال، حتى إن كان تواجدهم في الشارع في ساعات الحظر لضرورة إنسانية.
تحكي ابتسال أحمد (55 عاماً) عن منع قوات الجيش صعودها للعقار الذي تقيم فيه ابنتها، والذي يبعد خطوات عن نقطة تفتيش للجيش في الجيزة. وبالرغم من رجائها ضباط نقطة التفتيش بالسماح لها بالمرور، شارحة وضع ابنتها التى أوشكت على الولادة، بأنه خطير، وبأنها كأم عليها الذهاب إليها فوراً، وإبدائها الاستعداد للخضوع للتفتيش الكامل، إلا أن الجواب دائما كان يأتي بالرفض.
بقليل من المنطق يمكن فهم حالة عدم الثقة بأي مدني، خصوصاً بعد استخدام جماعة «الإخوان المسلمين» النساء والأطفال لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية، حتى أن بعض قادتهم ارتدى النقاب للهروب من الملاحقة!
العائدون من السفر غير معفيين أيضاً من قرار الحظر، فطول المسافات والشعور بالإعياء الشديد لا يعتبران حجة مقبولة للتجوال. هذا الأمر حدث مع الكثير من المسافرين على طريقي مصر - إسكندرية ، ومصر - قنا، حيث احتجزت عشرات الأسر على الطريق الزراعي أو الصحراوي وقت بدء ساعات الحظر، ما أضطر أفرادها للمبيت في الخلاء.
«حالة من الشلل العام» هو التعبير الأكثر دقة لوصف الشارع المصري في ساعات الحظر الطويلة. وبالرغم من ارتباط بعض المهن والمرافق الخاصة بحياة المواطنين (الأطباء والصيدليات على سبيل المثال)، إلا أن الكل أغلق أبوابه، ما عدا القليل جدا من الصيدليات المتواجدة فى الميادين الكبرى.
وبرغم كل ذلك، فإن المواطن المصري يحافظ بإصرار على حب الحياة. وتشهد القاهرة احتفالات يومية بزيجات جديدة، بعضها يتم داخل قاعات الأفراح، ولكن شريطة أن يكون ذلك خارج ساعات الحظر، والبعض الآخر يقتصر على احتفال بسيط وهادئ داخل المنازل. البعض الآخر يتمتع بقليل من الشجاعة فيعلن عن دخوله قفص الزوجية في الحي علناً وينصب الكوشة ويحتفل حتى ساعات الصباح الأولى، لكن هذا الأمر يكاد يقتصر على بعض الأحياء الشعبية التي لا تعترف بحظر التجوال من الأساس.
بعض العرسان يتمتع بقليل من الشجاعة فيتجوّل بين شوارع القاهرة ويصرّ على التقاط الصور التذكارية للزواج إلى جانب دبابات الجيش!
هي حالة استثنائية في القاهرة... ولكنها حالة مؤقتة يرجح أن تنتهي بحلول الرابع عشر من أيلول... وربما تعود الحياة إلى الشوارع قبل ذلك، وإن بشكل تدريجي.
أمل علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد