القومية العربية وإستراتيجية «القبلة» على القنوات العربية
احتفالاً بعيد الحب قررت قناة «روتانا زمان» أن تهدي كل العشاق في الوطن العربي- السعيد دائماً- طوال شهر شباط، أقوى أفلام الحب التي شهدتها السينما العربية، ليس هذا فقط ولكن صنعت لهم خصيصا لهذه المناسبة كليبات الفوتومونتاج لكل أنواع القبل العربية التي أنتجت «من زمان» في الخمسينيات والستينيات لهند رستم وزبيدة ثروت وسعاد حسني صعوداً إلى نجلاء فتحي وبوسي، وغيرهن عشرات ممن كن يؤدين أقوى القبلات إثارة على الشاشة. الجميل في الموضوع، على غرابته
ليس القبل بحد ذاتها ولكن التمثيل الذي لا بد أن نعترف بأنه كان صدقا مذهلا في الأداء، قد يعود سببه إلى البطلين عندما كانا في الأغلب هم زوجين أو حبيبين يعيشان المشهد بكثير من المشاعر التي ستجعلنا نعجب بذلك الأداء المميز الذي لم يعد موجوداً اليوم، بسبب هبوط سقف الرقابة الفنية والاجتماعية إلى الأرض، مقارنة بتلك الأيام الغابرة، لكن الأكثر دهشة واستغراباً هو ذلك الفصام الذي تمارسه علينا الفضائيات عندما تجند في قنوات الأفلام الأجنبية حشداً من المراقبين المجتهدين فعلاً والمبدعين لاقتطاع قبلات تلك الأفلام وبالمقابل تبيح فضائيات الأغاني كل أشكال الفجور الممكنة, مثلما لا يقتطع من الفيلم العربي في فضائيات الأفلام العربية و«روتانا زمان» لا القبل ولا المشاهد الفاضحة.
أكثر من ذلك فقد اجتهدت لتجمع للعشاق خصيصاً في شهر الحب ما استطاعت من قبل الأفلام العربية. وسؤالنا الأول لن يكون مع أو ضد ولكن لماذا؟
أما الثاني فهو: ما الهدف من هذا التصرف إذا كانت هذه الفضائيات مختومة بجنسية واحدة؟ بديهياً لن يكون الحرص ولن تكون الأخلاقيات السامية في اقتطاع القبل من الفيلم الأجنبي عندما يقف خلف هذه الفضائيات الرأسمال العربي الذي أثبت وبعد كل هذا التاريخ سوء تعامله مع المجتمع العربي، والذي حقق أرقاماً مبشرة في الخارج ولاسيما في تلك الإحصائية- المثيرة- التي ظهرت في أوروبا في السنة الماضية والتي يقول فحواها إن ما يقارب مئتين وتسعاً وتسعين فضائية إباحية في أوروبا يملكها مستثمرون عرب. ولن نجد الجواب إلا إذا تعاطينا مع هذه الحالة من منطلق الإستراتيجية وليس من منطلق الاستثمار العشوائي، لارتباطها الوثيق بالخطاب الإعلامي الثقافي- الفكري الموجه، الذي حصدنا نتائجه منذ الفترة التي بدأت فيها هذه الفضائيات بالتوالد السرطاني جاعلة من الجنس وإثارة الغرائز شغلها الشاغل، ولاسيما في تلك المحطات التي يكون فيها المشاهد العربي، الذي تخاف عليه فضائيات الأفلام الأجنبية من مشاهدة القبلة، أمام عشرات الخيارات على مدى ساعات اليوم مسمّرا أمام عاهرات يقدمن استعراضهن المغري في غرف النوم والملاهي الليلية عن طريق رخصة رسمية هي الفيديو كليب، الذي يحرص على تقديم كل التفاصيل الممكنة للتواصل برقم هاتف الشركة المنتجة، بعد أن كنّ يأتين من الخارج على شكل صور في إعلانات السيارات أو الآلات الصناعية وبجانب كل واحدة رقم، لنصل إلى التساؤل الأهم ما الفرق بين العري العربي والعري الأجنبي؟ وما الفرق بين القبلة العربية والقبلة الأجنبية؟ قد لا نستغرب أن الفرق بين القبلتين هو بالضبط ما يحرص القائمون على هذه الفضائيات على حجبه عن المشاهد العربي عندما سيتوضح في الأفلام الأجنبية الهدف من تمثيلها والذي يختلف بالضرورة عن هدفه في الفيلم العربي. ففي الأول ترتبط القبلة بجملة من الحالات الشعورية الحقيقية متوازنة مع الأخلاقيات الاجتماعية التي ستبنى عليها حالة التعايش المستقبلي بين الرجل والمرأة وستكون التزاماً لا يقل قيمة عن عقد الزواج هي جزء وهدف من الفيلم وأحداثه، أما القبلة العربية التي كانت تصنع «من زمان» فهي قبلة انفعالية جامحة في حالة سكر أمام جمال جسد المرأة وإغوائه، تحشر حشراً بمجانية فنية لما لها من تأثير على شباك التذاكر والفيلم بأكمله لأنها القصة المحورية التي بني عليها الفيلم أصلاً، ولن يكون الزواج بالنسبة للرجل في الأفلام العربية إلا فرصة أخرى لإقامة العديد من العلاقات العابرة التي تسمى في الأفلام الأجنبية خيانة زوجية يقوم بموجبها الطلاق الذي سيكلف الزوج كثيرا، في حين لن يكلف الرجل العربي إلا فتح فمه والتلفظ به.
هذا الالتزام الذي تفرضه القبلة الأجنبية هي ما لا يريده الرجال العرب، السياسيون منهم على وجه التحديد، عندما سيغرق الشباب وفي البحث عن متنفس لإفراغ رغباتهم المكبوتة وهم طوال الوقت مسمرون أمام عاهرات يترنحن في غرف النوم، واللاتي انتقلن إلى الشارع الواقعي عندما أصبح الهدف الرئيسي في حياة أي شابة مراهقة هو الوصول إلى التشابه التام بالشكل واللباس مع فتيات الكليب لندرك أن هذه الفضائيات موجودة لتنفيذ إستراتيجية تهدف إلى تغريب المواطن ليس عن واقعه الحياتي فقط ولكن عن طبيعته كإنسان، عندما تفرغ الجنس من قيمته الإنسانية الحقيقية التي يجب أن تؤسس الأسرة، بعد أن شوهت صورة المرأة وجعلت منها مخلوقاً رخيصاً مهمته في الحياة تنحصر في تقديم المتعة للرجال أجمعين..
فاديا أبو زيد
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد