الكنائس المسيحية وتاريخها في سورية (7-8)
الجمل- منذر نزهة:
القرنين الرابع عشر والخامس عشر:
فترة الركون والتفاعل:
نقصد بالركون أن الكنائس المسيحية لم تنقسم انقساماً جديداً في هذه الفترة، خصوصاً في الشرق، بل على العكس زالت البطريركيات اللاتينية الثلاث التي ولدت في العهد الصليبي، كل منها عندما انتهت دولته واستمرت بطريركية أورشليم اللاتينية خارج أورشليم حتى سقطت عكا أخيراً، وهكذا عاد مجموع الكنائس عشرة كما قبل الحروب الصليبية. أما في الغرب فتعرضت الكنيسة الكاثوليكية إلى عدة انقسامات وخلافات ولكنها جميعها لم تدم طويلاً بل عادت إلى حظيرة روما خلال فترات معقولة.
ولكن هذين القرنين كانا قرني وقوف وتأمل، خصوصاً في الغرب حيث أخذت الأفكار التي أتى بها الصليبيون من الشرق تتفاعل وتنتشر، وأدى احتكاكهم بالمسلمين من جهة وبالكنائس المسيحية الشرقية من جهة أخرى، إلى نشوء عدد من المدارس الفكرية كان لها أثر كبير في تطورات القرون اللاحقة.
من المفيد التذكير بأن الرهبانيات التي نشأ بعضها قبل المشروع الصليبي ثم أثناءه وبعده والتي استمر بعضها في هذين القرنين أخذت شكلها النهائي وأصبحت جاهزة لتكون أداة التبشير الفعالة في يد باباوات روما لنشر المسيحية في العالم غير المسيحي وتثبيت أولية كرسي روما بين المسيحيين في العالم.
كنيسة الأرمن:
يجب الإشارة إلى أن كنيسة الأرمن أصبح لها جاثليقين (كاثوليكوسين) في عام 1441م، واحد مقره ايشميازين في أرمينيا والآخر مقره سيس في كيليكيا، ولكن بقي لهما نفس المعتقد اللاخلقيدوني(1)
كنيسة المشرق:
يبدو أن كنيسة المشرق أصبحت تدعى في هذه الفترة بالكنيسة الآشورية وأتباعها بالآشوريين، وتبنى الآشوريون طريقة غريبة لاختيار جاثليقهم (الذي أصبح يدعى البطريرك - الجاثليق) في القرن الخامس عشر، فحيث أنه قد تكرر انتخاب عدة بطاركة من عائلة "أبونا" قام أحد أفراد هذه العائلة وهو البطريرك – الجاثليق شمعون الباصيدي (1437-1476م) بسن قانون يقضي بإقامة البطاركة من عائلة "أبونا" دون غيرها، فتنتقل البطريركية من العم إلى ابن أخيه أو إلى حفيد أخيه، وهكذا أصبحت البطريركية وراثية في الكنيسة الآشورية(2)
من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر:
أهمية هذه الفترة:
حمل القرن السادس عشر إلى كنيسة روما الكاثوليكية انشقاقاً كبيراً وقع في قلب القارة التي تحكمها، ونعني به نشوء الكنائس البروتستانتية، كذلك حمل والقرون التي تبعته إلى الشرق كنائس جديدة كاثوليكية ثم بروتستانتية.
نشوء البروتستانتية في أوروبا:
تعني البروتستانتية "الاحتجاج" والمطالبة بإصلاح الكنيسة الكاثوليكية، وتعتبر حركة مارتن لوثر تاريخياً بداية هذه الحركات وإن كانت قد سبقتها احتجاجات أخرى كحركة جون ويكلف (1324-1384م) في إنكلترا وحركة جون هوس (1369-1415م) في تشيكيا، ولكن البابوية تمكنت من القضاء عليها ونعتتها بالهرطقة، فتم حرق هوس وإخراج جثة ويكلف وحرقها(3)
- الكنيسة اللوثرية: حركة مارتن لوثر (1483-1546م): بدأت حركة مارتن لوثر في ألمانيا عام 1517م حين نشر 95 قضية ضد بيع صكوك الغفران وممارسات واعتقادات أخرى لدى الكنيسة الكاثوليكية بما فيها قضية المطهر، ثم أضاف إليها في عام 1519م سؤال بشأن رئاسة البابا، فأقيمت عليه في روما دعوى هرطقة وتم حرمه في عام 1520م، ثم قام لوثر في عام 1522م بنشر ترجمة للعهد الجديد إلى الألمانية، وكانت روما قد منعت ترجمته عن اللاتينية إلى اللغات المحلية، وازداد أتباع لوثر وتطرف البعض منهم وتسببت آرائه في ثورة الفلاحين عام 1525م، وأسس في عام 1526م قداساً باللغة الألمانية، ثم تابع نشر كتبه وأفكاره حتى وفاته في عام 1546م وبعد أن قسم كنيسة روما إلى قسمين. تتلخص آراء لوثر بأن الكتاب المقدس والإيمان هما الطريق الوحيد للخلاص وليس الكنيسة، وترك تفسير الكتاب وفهمه لكل مسيحي، وقبل من أسرار الكنيسة السبعة سري المعمودية والقربان فقط، ورفض كل واسطة بين المؤمن والله سواء كانت واسطة أرضية أو سماوية كإكرام القديسين أو احترام بقاياهم أو أيقوناتهم، وسمح بزواج الاكليروس. انتشر أتباع لوثر في ألمانيا ودول الشمال الاسكندنافية خصوصاً(4)
- الكنيسة الكالفنية: حركة جون كالفن (1509-1564م): ابتدأت الحركة البروتستانتية في سويسرا متأخرة عن حركة مارتن لوثر في ألمانيا ولكنها مستقلة تماماً، فقد أسسها أولريخ زفيتغلي (1484-1531م) في زيوريخ وكانت تعاليمه مشابهة لتعاليم لوثر بل متشددة قليلاً عنها، ثم تابعها غليوم فاريل (1509-1564م) في جنيف، إلا أن التنظيم النهائي للجمعية الدينية الجديدة في سويسرا كانت مدينة لجهود الفرنسي جون كالفن. والجدير بالذكر أن المبادئ الأساسية للكالفنية هي نفسها مبادئ لوثر ولكنها اتسمت بالتزمت والصرامة والجفاف، فقد منع كالفن الحفلات والغناء والموسيقى وألغى كافة الطقوس في الكنائس، واختصر الخدمة الإلهية ذاتها على الوعظ وتلاوة الصلوات وترتيل المزامير ترتيلاً بسيطاً، كما أكدّ على عقيدة القدر السابق التي لا يعلم أحد فيها هل هو معين للخلاص أم للهلاك، مما يجب أن ينبه، برأيه، شعور الإيمان والاستسلام لإرادة الله لدى الإنسان، والميل به نحو حياة أخلاقية صرفة. انتشرت الكالفنية بعد سويسرا في فرنسا وهولندا ثم اسكتلندا(5)
- الكنيسة الأنكليكانية (الأسقفية): لم تبدأ الكنيسة الإنكليزية (الأنكليكانية) كغيرها بناء على آراء لاهوتية، ولكنها بدأت بخلاف شخصي بين الملك هنري الثامن (1509-1547م) والبابا كلمنت السابع، عندما رغب الملك بطلاق زوجته كاترينا أراغونا ليتزوج آنا بولين، فطلب في عام 1527م من البابا الطلاق ولكن البابا رفض، فما كان من الملك إلا أن مضى في قضية الزواج وقطع علاقته بالبابا بموجب قرار من البرلمان الإنكليزي في عام 1533م، وفي عام 1534 أعلن الملك هنري الثامن نفسه رأساً أعلى للكنيسة الأنكليكانية. لم تتغير عقائد الكنيسة الأنكليكانية عن تلك الكاثوليكية في بداياتها، ولكن شيئاً فشيئاً بدأت تتسرب إليها العقائد البروتستانتية منذ عهد هنري الثامن وفي عهد خلفائه، ولكنها استقرت أخيراً وكأنها حلاً وسطاً بين الكاثوليكية والبروتستانتية، فالأنكليكان يعترفون بثلاثة أسرار، المعمودية والاعتراف والمناولة، ولا يقدسون الأيقونات ولا يعترفون بالمطهر، أما أعلى سلطة روحية لديهم فهي أسقف كانتربوري(6)
- الكنيسة الميثودية (المنهجية): الميثوديون أو المنهجيون هم أتباع حركة دينية إصلاحية قادها في أوكسفورد في إنكلترا عام 1729م اللاهوتي الأنكليكاني جون ويلز (1703-1791م)، وقد أخذت اسمها من أن أعضاء الحركة كانوا يلتزمون بشكل صارم ودقيق ومنهجي بالمبادئ والتعالم الدينية بما في ذلك زيارة المرضى والمساجين. خفف ويلز من العقيدة الجبرية حول القضاء السابق المحتوم واختلف مع كنيسة إنكلترا حول الخلافة الرسولية، وتميزت حركته بصفة أخرى هي التعبير عن الإيمان من خلال الغناء. أما الصفة المميزة للحركة الميثودية فهي انتظام أتباعها في جمعيات ذات قواعد انضباطية للحياة المسيحية وعقد مؤتمر سنوي للجمعيات (المؤتمر الأول عام 1744م). انتشرت الميثودية في إنكلترا ثم خصوصا في أميركا وتشعبت وانقسمت إلى كنائس ميثودية مختلفة(7)
- الكنائس المصلحة (ريفورمد) والمشيخية (برسبيتاريان): يطلق أسم الكنائس المصلحة على الكثير من الكنائس البروتستانتية في العالم التي تبعت تعاليم كالفن أو تأثرت بها أما اسم الكنائس المشيخية فيطلق أيضاً على الكنائس ذات العقائد الكالفنية والتي تدار من قبل مجالس مؤلفة لكل كنيسة من قس وعدد من الشيوخ العلمانيين. تنتشر هذه الكنائس في أغلب دول العالم ويبدو أنها تشكل الأغلبية بالنسبة للكنائس البروتستانتية في أميركا(8)
- الحركة التطهيرية (البيوريتانية): وهي حركة نشأت تطورياً في إنكلترا في النصف الثاني من القرن السادس عشر عن أصول كالفنية، وفي القرن السابع عشر هاجر الكثير من أتباعها إلى أميركا وشكلّوا مجتمعات منظمة، يصر البيوريتانيون على دين بسيط نقي خال من التعقيد ومجتمع نقي بعيد عن الانحلال(9)
- الكنائس المعمدانية: انبثقت أساساً عن حركة "تجديد المعمودية" (أنابابتيست) التي نشأت في القرن السابع عشر بدورها كاتجاه بروتستانتي راديكالي عن الكنيسة الأنكليكانية، والتي كانت تعيد تعميد المنتسبين إليها، ويركز المعمدانيون على المعمودية ويمنعون معمودية الصغار، وينتشرون في أماكن عديدة من العالم(10)
- طوائف أخرى: كذلك تطورت بشكل منفصل أو عن غيرها كنائس عديدة أخرى كالسبتيين، وكنيسة أصدقاء الإنسان والمورمون والفرندز (كويكرز) وغيرها، ومنها من شطّ وابتعد كثيراً عن الأفكار البروتستانتية الأساسية ومنها من ابتعد حتى عن الديانة المسيحية(11)
الإصلاح الكاثوليكي المضاد - المجمع التريدانتيني (1545-1563م):
على أثر الانفصالات البروتستانتية قررت روما عقد مجمع يحاول إصلاح أوضاع الكنيسة الكاثوليكية فكان المجمع التريدانتيني الذي تعسر وامتد ثمانية عشر عاماً، ولكن نتائجه استطاعت أن تحافظ على كرسي روما الذي بات مهدداً وتعيد تثبيت أقدام الكاثوليكية في أوروبا، وعلى الرغم من أن المجمع عاد فأكدّ على كافة العقائد الكاثوليكية فإنه قد فرض خطوات إصلاحية عديدة كإلغاء صكوك الغفران وتحسين الإكليروس وغيرها(12)
الإرساليات الكاثوليكية في الشرق:
بقيت الرهبانية الفرنسيسكانية في عكا التي حلت فيها عام 1230م حتى بعد زوال الدولة الصليبية بينما غادرتها كافة الرهبانيات والأخويات اللاتينية الأخرى، واستطاع الفرنسيسكان الحصول على موطئ قدم لهم في القدس عام 1342م نتيجة مداخلة روبير ملك نابولي لدى سلطان مصر المملوكي والذي منحهم العلية (يفترض أنها العلية التي تعشى بها المسيح والرسل العشاء الأخير) ثم حلوا في بيروت عام 1345م، ثم وصل الرهبان الكبوشيين إلى حلب عام 1523م والفرنسيسكان إلى حلب وبيروت مجدداً عام 1571م ثم اليسوعيون إلى حلب عام 1625م، ثم تبعتهم الرهبانيات الأخرى وانتشروا في كافة مدن المنطقة، عملت الإرساليات في حقول اجتماعية عديدة كالتعليم والطبابة وغيرها ومارس رهبانها التبشير بين مختلف الأديان والطوائف(13)
إن متابعة تاريخ الإرساليات الكاثوليكية وعملها في الشرق ليس بالعمل السهل كما أنها خارج موضوعنا، لذلك نكتفي بالقول أن هذه الإرساليات كانت السبب المباشر وراء انفصال الكثير من الكنائس الشرقية، واعترافها واتحادها بروما وتأسيسها لكنائس جديدة في المنطقة.
الكنيسة المارونية:
رأينا كيف تأسست الكنيسة المارونية ثم كيف ارتبطت بروما أثناء وجود الصليبيين في منطقتها، ولكنها حافظت على تقاليدها وعقائدها (المرفوضة من قبل روما) حتى القرن السادس عشر عندما بدأ المرسلون الفرانسيسكان كالأخ غريفون (1455-1469م) ثم جبرائيل بن القلاعي (توفي عام 1516 م) بالتأثير لإدخال العادات والتقاليد اللاتينية في الطقس الماروني ثم تبعهم اليسوعيون فتابعوا عملهم، وهكذا تخلّت الكنيسة المارونية عن المونوثيلية وعن التقديسات الثلاثة الإضافية(14)
كنيسة الكلدان:
أخذت القلاقل تنتشر في كنيسة المشرق الآشورية نتيجة قانون وراثة الكرسي البطريركي الذي سنّه البطريرك شمعون الباصيدي وخصوصاً أنه قد وصل إلى عرش البطريركية بعض البطاركة القاصرين فكان أن انفصل مجموعة من الأساقفة في عام 1553م وانضموا إلى روما تحت تأثير المرسلين الدومينيكان والفرنسيسكان، واعترف بابا روما بهم وأطلق عليهم اسم الكلدان ورسم لهم بطريركاً وهو يوحنا السولاقا (1553 – 1555م) ودعيت بطريركيتهم بطريركية بابل للكلدان وبدأت سلسلة بطاركة تتتابع منها.
ثم قام أسقف آمد (ديار بكر) الآشوري يوسف الكركوكلي بالاتحاد بروما عام 1681م على يد المرسلين الكبوشيين واعترف به البابا بطريركاً آخر للكلدان على ديار بكر تحت اسم يوسف الأول (1681-1691م) وهكذا بدأت سلسلة جديدة لبطاركة الكلدان (وتسمى جميع بطاركة هذه السلسلة باسم يوسف) وأصبح لهم بطريركين في نفس الوقت.
أخيراً توحدت الرئاسة في عام 1830م في عهد البطريرك يوحنا هرمز (1830-1838م) تحت اسم بطريركية بابل للكلدان واتخذت من الموصل مقراً لها.
يبدو أن الكاثوليكية كان لها أثراً كبيراً في كنيسة المشرق بحيث انتقل ثلثا الآشوريون إلى الكنيسة الكلدانية(15)
كنيسة السريان الكاثوليك:
استطاع المرسلون الكبوشيون واليسوعيون ضم العديد من شباب كنيسة إنطاكية السريانية اللاخلقيدونية إلى الكاثوليكية في حلب في القرن السادس عشر وبداية السابع عشر، واستطاع الكبوشيون أخيراً بمساعدة قنصل فرنسا رسم أندراوس أخيدجان خريج المدرسة المارونية في روما، بطريركاً كاثوليكياً عام 1659م، ومع أن هذه الطائفة الكاثوليكية الصغيرة لم تستطع دائماً تنظيم نفسها وتعرضت إلى الكثير من المضايقات من قبل السلطات العثمانية والسريان اللاخلقيدونيين، استطاعت أخيراً في عهد بطريركها بطرس جروة (1820-1851م) أن تستمر وتحصل في عام 1829م على اعتراف الحكومة العثمانية بها، وأطلقوا على بطريركهم لقب بطريرك إنطاكية.
قد يكون لاحقاً لهذه الفترة أن بدأ أتباع الكنيسة السريانية اللاخلقيدونية يطلق عليهم في الأمبراطورية العثمانية اسم سريان قديم لتمييزهم عن الكاثوليكيين، ثم استعمل اللاخلقيدونييون اسم السريان الأرثوذكس بينما استعمل المتحدون بروما اسم السريان الكاثوليك(16)
كنيسة الروم الكاثوليك:
تكررت قصة السريان في حلب مع الروم في دمشق، فقد استطاع المرسلون الغربيون وخصوصاً اليسوعيون، جذب الكثير من أتباع كنيسة إنطاكية للروم إلى الكاثوليكية في منتصف القرن السابع عشر ومنهم إكليريكيين وأساقفة، وكانت كنيسة الروم تمر بفترة عصيبة من المشاكل والخلافات الداخلية، أخيراً تم رسم الخوري سيرافيم طاناس عام 1724م أسقفاً وبطريركاً على الروم الكاثوليك ضمن شروط رسامة مشكوك بها باسم كيرلس ومنه تبدأ سلسلتهم، واعترفت به روما عام 1729م ثم منح بطريرك الروم الكاثوليك لقب بطريرك إنطاكية وأورشليم والإسكندرية، وسميت كنيسته رسمياً كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك(17)
كنيسة الأرمن الكاثوليك:
عملت الإرساليات الكاثوليكية عملها في الكنيسة الأرمنية اللاخلقيدونية أيضاً وخصوصاً في الشق التابع لجاثليقية كيليكيا،
واعترف الفاتيكان في عام 1742م ببطريركية أرمنية كاثوليكية في لبنان، ولكن الدولة العثمانية لم تعترف بهم حتى عام 1831م(18)
كنيسة الأقباط الكاثوليك:
لم تفلح الإرساليات الكاثوليكية التي تأسست في مصر من كبوشية وفرنسيسكانية ويسوعية من جذب الأقباط اللاخلقيدونيين إلى الكاثوليكية، وبقي عدد الكاثوليكيين صغيراً جداً، ومع ذلك أسس الفاتيكان بطريركية قبطية كاثوليكية في عام 1824م ولكن لم تبدأ بعملها سوى في عام 1895م(19)
كنيسة اللاتين:
أعادت روما إحياء بطريركية القدس اللاتينية عام 1847م بهدف رعاية مصالح الأوروبيين الكاثوليك في الأراضي المقدسة، ولكن عدداً قليلاً من أتباع الكنائس الأخرى التحق بها وأصبح لها كنائس وأديرة في عدة مدن من الشرق(20)
عقائد كاثوليكية جديدة:
نشأ على مدى التاريخ في كل كنيسة مجموعة من العقائد المباشرة وغير المباشرة رفضتها الكنائس الأخرى ولا تزال تعتبر أحد الأسباب الرئيسة لرفض الكنائس لبعضها، كما في عقيدتين نشأتا في كنيسة روما في القرن التاسع عشر ولا زالتا تعتبران محور نقاش عتيد بين الأرثوذكس والكاثوليك:
- عقيدة الحبل بلا دنس: وقد انتشرت في أوساط الأوروبيين في القرون السابقة قبل أن يقرها البابا بيوس التاسع كعقيدة رسمية في الكنيسة الكاثوليكية في عام 1854م، وتعني هذه العقيدة أن مريم العذراء قد حبل بها من قبل والدتها حنة بلا دنس فولدت دون الخطيئة الأصلية.
- عقيدة عصمة الباباوات: وقد أقرها رسمياً البابا بيوس التاسع أيضاً في عام 1870م وتعني عصمة البابا وتنزهه عن الخطأ(21)
الإرساليات البروتستانتية في المشرق:
بدأت الإرساليات البروتستانتية بالتوافد على الشرق في مطلع القرن التاسع عشر، وكان أغلب المرسلين من الكنائس المصلحة في الولايات المتحدة واسكتلندا وبعضهم من الكنيسة الأنكليكانية (الأسقفية) في بريطانيا والبعض الآخر من الكنيسة اللوثرية في ألمانيا، ثم تبعتهم بقية الكنائس الأصغر.
بدأوا عملهم في القدس وفلسطين عام 1819م ومنها انتقلوا شمالاً إلى بيروت فأسسوا فيها أول مركز تبشيري لهم في عام 1823م ليشرف على أعمال التبشير في كافة المنطقة. من بيروت أرسلوا بعثة إلى القسطنطينية لتبشير الأرمن الموجودين في تركيا بكثرة وذلك عام 1831م، وكذلك وجهوا إرساليات إلى كامل المناطق اللبنانية والسورية حتى دمشق وحلب وحمص وغيرها. كذلك امتدت دعوتهم التي ازدهرت في فلسطين وإيران إلى العراق منذ عام 1835م وبشّروا في الشمال والجنوب ثم انتقلوا إلى بغداد. أما في مصر فبدأ عملهم بشكل جدي عام 1854.
ركّزت الإرساليات البروتستانتية عملها أينما حلت على المدارس والتعليم وطبع ونشر الكتاب المقدس باللغة العربية، وذلك قبل تأسيسها وتشييدها لكنائس وطنية. وتنافست مع الإرساليات الكاثوليكية في حقل العمل الاجتماعي والتعليم والطبابة(22)
تأسيس الكنائس البروتستانتية في الشرق (الكنائس الإنجيلية):
عرفت مجمل الكنائس البروتستانتية في بلادنا باسم الكنائس الإنجيلية لاعتمادها ونشرها الإنجيل بشكل خاص، وتبنى أتباعها هذا الاسم فأصبح يطلق عليهم الإنجيليون.
تأسست منذ القرن التاسع عشر أعداد كبيرة من الكنائس الإنجيلية التابعة لمختلف الإرساليات الإنجيلية والكنائس الوطنية المستقلة، التي من الصعب متابعة ودراسة كل منها حيث لم يكن يجمعها أي تنظيم مشترك، وكان تأسيس الكنائس يتم في البيوت وفي المدارس وغيرها، ولكن كخطوط عامة يمكننا التنويه إلى تأسيس مطرانية لكنيسة إنكلترا وايرلندا المتحدة في القدس عام 1841م ككنيسة مشتركة بين الأنكليكان الإنكليز واللوثريين الألمان (وهما الطائفتان الوحيدتان اللتان تعترفان بسلطة أسقف) وأصبحت تعرف بالكنيسة الأسقفية، وتبعتها الكنيسة اللوثرية في الأردن، كذلك تأسست الكنيسة الإنجيلية الأرمنية في اسطنبول عام 1846م، ثم كنيسة إنجيلية في بيروت عام 1848م، ثم في دمشق وحلب وغيرها أما في مصر فقد تأسست أول كنيسة إنجيلية فيها عام 1860 في القاهرة، وفي العراق تأسست الكنائس الإنجيلية بشكل رسمي في بدايات القرن العشرين مع أن وجود الإرساليات فيها بدأ في القرن التاسع عشر.
إن تاريخ كل كنيسة وجماعة إنجيلية لا يمكن أن يكون دقيقاً كما رأينا لذلك يمكن اعتبار عام 1850م عام صدور الفرمان السلطاني العثماني بالاعتراف بالملّة البروتستانتية، هو عام بداية تأسيس الكنائس الإنجيلية الرسمي في الشرق.
انضمت هذه الكنائس المختلفة في منطقتنا في ما أصبح يعرف بـ "المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان" في عام 1937م، وهو عبارة عن اتحاد لتمثيل تلك الكنائس وليس له أي سلطة عليا عليها، كما أن بعض الكنائس الحديثة (المتطرّفة) ليست منضمة إليه(23)
منذر نزهة
خاص الجمل
الهوامش:
1 المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – نشوء الكنائس المشرقية وتراثها – الكنيسة الأرمنية – مانوشاك بويجيان – ص357 / الأرمن عبر التاريخ – مروان المدوّر – ص 366
2 تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية –الأب ألبير أبونا – الجزء الأول – ص 132
3 تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص 481 / الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم – سعد رستم - ص 123 وص 125
4 تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص 611 / الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم – سعد رستم - ص 131
5 تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص 622 / الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم – سعد رستم - ص 139
6 تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص 633 / الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم – سعد رستم - ص 155
7 الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم – سعد رستم - ص 178
8 الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم – سعد رستم - ص 182
9 الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم – سعد رستم - ص 185
10 الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم – سعد رستم - ص 211
11 الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم – سعد رستم - ص 216 وما يليها
12 تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص 637
13 المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – الإرساليات الكاثوليكية في الشرق – الأب سليم دكاش – ص 685
14 المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – تطور الكثلكة في الشرق (القرن السادس عشر – القرن التاسع عشر) – برنار هيبرجيه – ص 632 / الموارنة في التاريخ – متي موسى – ص319 وص 341
15 المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – تطور الكثلكة في الشرق (القرن السادس عشر – القرن التاسع عشر) – برنار هيبرجيه – ص 634 / تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية – الأب ألبير أبونا – الجزء الثالث – ص 134
16 بحوث تاريخية دينية أدبية – بطريرك السريان الأرثوذكس زكا الأول عيواص – الجزء الأول – ص29 / المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – تطور الكثلكة في الشرق (القرن السادس عشر – القرن التاسع عشر) – برنار هيبرجيه – ص 635
17 كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى – الدكتور أسد رستم – الجزء الثالث – ص 106 / المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – تطور الكثلكة في الشرق (القرن السادس عشر – القرن التاسع عشر) – برنار هيبرجيه – ص 637
18 The Eastern Christian Churches - Ronald G. Roberson, CSP- Pont. Institutum Studiorum Orientalium- Rome 1988 / المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – تطور الكثلكة في الشرق (القرن السادس عشر – القرن التاسع عشر) – برنار هيبرجيه – ص 636
19 The Eastern Christian Churches - Ronald G. Roberson, CSP- Pont. Institutum Studiorum Orientalium- Rome 1988/ المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – تطور الكثلكة في الشرق (القرن السادس عشر – القرن التاسع عشر) – برنار هيبرجيه – ص 637
20 الكنائس الشرقية – الدكتور جان صقر – ص 294
21 تاريخ الكنيسة المسيحية – سميرنوف – ترجمة مطران الروم الأرثوذكس ألكسندروس جحا – ص 675
22المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – الإرساليات والكنائس الإنجيلية في المشرق ص 713 – في لبنان وسوريا وتركيا – القس حبيب بدر – ص 715 – في فلسطين والأردن – الأرشديكون رفيق فرح – ص 727 – في مصر والسودان – أديب نجيب سلامة – ص 735 – في العراق والخليج – أديب نجيب سلامة – ص 747
23 المسيحية عبر تاريخها في الشرق – مجلس كنائس الشرق الأوسط – الإرساليات والكنائس الإنجيلية في المشرق ص 713 – في لبنان وسوريا وتركيا – القس حبيب بدر – ص 715 – في فلسطين والأردن – الأرشديكون رفيق فرح – ص 727 – في مصر والسودان – أديب نجيب سلامة – ص 735 – في العراق والخليج – أديب نجيب سلامة – ص 747 / الكنائس الشرقية – الدكتور جان صقر – ص 441
إضافة تعليق جديد